الرئيسة \  واحة اللقاء  \  مهزلة المجتمع الدولي على الساحة السورية

مهزلة المجتمع الدولي على الساحة السورية

22.09.2013
د. ناصر عبد الرحمن الفرا



القدس العربي
السبت 21/9/2013
كم هو مخيب للآمال موقف المجتمع الدولي من مجرى الأحداث في سورية. انه موقف مخجل سياسياً وهابط اخلاقياً. نتيجة المأساة وما وصل له الوضع من تأزم يصعب إنكار أن هنالك من تأمل خيراً بهذا المجتمع واعتقد أن عملا ما مبرمجا يمكن أن ينقذ ما تبقى من الوطن، عملا ينهي المعاناة الإنسانية ويساهم فى إسقاط النظام المتسلط. لم يكن بالسهل على السوري قبول أي تدخل في بلده، لكنه وافق بخجل وعلى مضض، اعتقاداً منه أن مثل هذا العمل هو أخف الأضرار، خاصة إن كان سيساهم في وضع حد للحرب الدائرة ويزيح النظام. الا ان كل شيء تغير وحل السلام بين أعضاء المجتمع الدولي والأسد. لم تؤثر صور جثث الأطفال المصفوفة أمام شاشات التلفاز.. ما كان يهم المجتمع الدولي فعلاً شيء آخر، تجريد الدولة من المخزون الكيميائي حتى لا يقع، حسب ادعائهم، في أياد ارهابية. لا يخفى على أحد أن الاتفاق الذي تم التوصل إليه تم بهدف تجريد سورية من أحد اهم أسلحتها الاستراتيجية، التي كان من الممكن أن تلوح بها يوماً ما كقوة ردع أمام إسرائيل. لقد شاركت دول كثيرة في صياغة هذا الاتفاق، بما فيها روسيا. ما يعني أن هذا الاتفاق لم يكن من أجل خاطر أطفال، شباب، رجال ونساء رشوا بالسموم في غوطة دمشق وفي مدن اخرى. بعد كل ما حدث من تلاعب وتغيير في المواقف فان تعبير ‘طز في هيك مجتمع دولي’ تعبير مناسب لا يخدش الحياء العام، بل يعبر عن حالة الاحباط التي تسربت جراء مهزلة التدخل وعدم التدخل التي كانت تلوح بها بعض الدول حال استُخدم السلاح الكيميائي ضد المدنيين. اما وقد استخدم هذا السلاح فقد اكتشف الشعب السوري أن كل ما كان يقال ليس سوي ذريعة كاذبة وأن الأهداف الخفية كانت غير تلك التي كانوا يرفعون شعاراتها علناً.
لقد تم التوصل لاتفاق نزع السلاح الكيميائي، لأن مثل ذلك يحمي مصالح الغير، بما فيها إسرائيل، أوباما والأسد، وبدون أن يلبي مطالب الشعب السوري، الذي حتى هذه اللحظة فقد أكثر من مئة ألف شخص، شرد ثلث سكانه ودمرت دولته الوطنية. العجيب أن النظام وافق فوراً على تلبية كافة مطالب المجتمع الدولي المتآمر، حسب قوله، لكن ومنذ ثلاث سنوات يماطل، يكابر ويتهرب من استحقاقات الحراك الوطني. تحت أي صنف من أصناف التناقض يمكن ان يوصف مثل هذا الفعل. بعد أن تنازل النظام عن سلاحه الاستراتيجي بهذه الطريقة، من الممكن أن يتنازل كذلك عن حلفائه وعما تبقى من مقومات وطنه، إن كان ذلك يعني حفاظه على الحكم. لقد كان هم المجتمع الدولي استبعاد أي احتمال متعلق بنقل واستخدام هذا السلاح ضد إسرائيل، علماً بأن ذلك أمر شبه مستحيل لأن النظام لم يستخدم ما هو أهون منه حين اعتدت هذه الدولة تكراراً على سيادة بلده. هذا المجتمع لم يضع في الحسبان ازهاق أرواح المدنيين جراء الاستخدام الفعلي لهذا السلاح. حصر موقفه في كون استخدامه دليلا على وجوده فعلاً، وليس كونه أدى إلى وقوع عدد هائل من الضحايا المدنيين. بغض النظر عن دهاء ومسؤولية الدول الكبرى، بما فيها روسيا، عما حدث ويحدث، فالحق أن المسؤولية الاساسية والكبرى تقع على عاتق النظام. والآن المجتمع الدولي يريد أن يجعلنا نصدق أن السلام أحد أولوياته، وأنه سيبذل كافة الجهود من أجل إجبار الأطراف المتنازعة، الشعب والنظام، على الجلوس حسب صيغة ‘جنيف 1 و2. بعدما حدث من خداع، أكاذيب، تحريك بوارج وتصعيد في حدة النبرة، خاصة قبل مؤتمر الثماني المنعقد بمدينة بطرسبرغ، فقد تساقطت كافة أوراق التوت التي كانت تستر عورة الدول الكبرى. لم يبق أمام هذا المجتمع أي عذر يقدمه للمواطن الذي هاجر من سورية والذي عانى جراء نواياه الخبيثة. بالنسبة له، حالياً المجتمع الدولي فارغ المضمون قانونياً وأخلاقياً، بالتالي من يعتمد عليه يخدع نفسه ويشارك في ديمومة الجريمة.
بعد التوصل لهذا الاتفاق، الملزم فقط في كل ما يتعلق بشأن السلاح الكيميائي، من المستحيل على أي سوري أن يصدق ما يحمل مفهوم المجتمع الدولي في طياته. عندما يلاحظ كيف استهتر بدماء أبناء شعبه لن ينتابه سوى مزيد من الغثيان والشعور بالحسرة. هذا الفعل سيجعله حقاً يعتقد أن مفهوم المجتمع الدولي ليس سوى حيلة يتمسك بها من لا يريد أن يساهم في حل الأزمة القائمة. أبغض ما في الداء أن يتحول إلى دواء. لقد أضحى مفهوم المجتمع الدولي علاجا مسكنا يقدم حين يرتفع الضغط ويشتد المرض. يلاحظ هذا بشكل خاص، حين نسمع مناجاة الرئيس الأمريكي لهذا المجتمع من أجل أن يتحرك حيال ما يحدث بسورية. مثل ذلك يفعل البريطاني، الفرنسي، الروسي، الايطالي، الإسلامي، الصيني، العربي والياباني. حال ذلك يتساءل المرء، إن كان الكل يحث الغير على فعل شيء، فمن هو إذاً المجتمع الدولي الذي يجب أن يتحرك اتجاه هذا أو ذاك البلد. يبدو كما لو ان هنالك مجتمعا دوليا آخر خارج نطاق هذا الكون. يندهش المرء حين يرى كيف استغل هذا المجتمع قضية الغوطة وتحرك بسرعة من أجل نزع السلاح الفتاك من أيدي النظام، ومع ذلك تغيب خلال ثلاث سنوات من القتل والدمار عن الساحة، ولم يتمكن من فرض حل سياسي يلبي نداء الشعب الثائر. خلال هذه الفترة ترك العالم النظام يسفك دماء الأبرياء بكافة أنواع الأسلحة، في حين انتابه السخط الغريب حين استعمل الغازات السامة. تهريج وتمثيل هزيل.
لقد أحبط السلوك والابتزاز الدولي عزيمة كل من كان ينتظر بتفاؤل ممزوج بالغبن والاشمئزاز أي عمل يضع حدا للظلم المتفشي في الجسد السوري، بل وزاد من تطرف مجموعات معينة من هذا الشعب المعروف بتسامحه الاجتماعي نتيجة ما شاهده من قتل وخراب. مثل هذا التطرف يصب في صالح النظام وبعض الدول، لان كلا منهما يحاول استغلال وجود مثل هذا التطرف لمواجهته.
حالياً، الغالبية العظمى من السوريين ينظرون للمجتمع الدولي كشيء فضفاض يصعب فهم تصرفاته وحساباته. رغم ذلك ونتيجة ما حل بأهل الرقة، دمشق، دير الزور، حمص، درعا واليرموك من أذى جعل هذه الغالبية تتمنى الكثير وتصدق، خلال لحظة ما، كل ما تلفظ به هذا المجتمع من شجب، استنكار ووعيد ضد النظام. ما يؤسف حقاً هو أن ما يشاهده الإنسان من ركود وتراجع تام في مواقف المجتمع الدولي إزاء الأزمة السورية يجعله يصدق ويكرر بدون وعي مقوله النظام، ‘بأن هنالك فعلاً مؤامرة كونية ضد بلده’. يؤلم أن يجد الإنسان نفسه قريبا من فكر ذاك الذي يستغل هذه المقولة ليقتل شعبا ويدمر دولة بكاملها. لكن هذه هي تناقضات وإفرازات السياسة عندما تقوم على الحيلة والخداع. حتى لا يعتقد النظام أنه على حق أو أن هنالك من يساند موقفة حيال المؤامرة الكونية، يجب التذكير بأن فظاعة افعاله وجرائمه تجعله شريكا يستحق كافة أنواع السخط، الرفض، الكراهية والمحاسبة، كانت أم لم تكن هنالك فعلاً مؤامرة دولية ضد بلده. بعد كل الجرائم التي ارتكبها أصبح هذا النظام منبوذا وطنياً وقومياً، وأضحى لا يمثل إرادة سورية المستقبل وشعبها التواق للحرية وللتعايش السلمي بين كافة مكونات المجتمع. آجلاً أم عاجلاً سوف ينال الشعب السوري حقوقه وتلبي تطلعاته، وسوف يعاقب هو جراء كل ما انزله من ويلات وفواجع على كافة أبناء هذا البلد. وسيتم ذلك بدعم أو بدون دعم المجتمع الدولي.