الرئيسة \  واحة اللقاء  \  مهمة عاجلة وضرورية

مهمة عاجلة وضرورية

28.06.2013
محمد أبو رمان

الغد الاردنية
الجمعة 28-6-2013
بالرغم من عدم عدالة الصراع بين الثورة السورية المسلّحة وبين قوات النظام ومعها ميليشيات حزب الله؛ لا من حيث الإمكانات ولا العدة والعدد، إلاّ أنّ ما تكشفه حوارات مسجّلة لثوّار شاركوا في معركة القصير، تؤكّد أنّ سقوط المدينة كان أيضا بسبب خلافات واختلالات جوهرية في رحم الفصائل المسلّحة نفسها.
تؤكّد هذه النتيجة التصريحات المهمة والجريئة التي يقدّمها العقيد عبدالجبار العكيدي، أحد أبرز قادة الجيش الحرّ، لإذاعة محليّة، ويتحدّث فيها بمرارة عن معركة القصير وما حدث فيها، وحجم سوء التخطيط داخل فصائل المقاومة نفسها. يضاف إلى ذلك تفاوت هذه الفصائل في القدرات والتوجهات، و"الشكوك" المتبادلة فيما بينها.
ربما ينظر البعض إلى هذا الموقف بوصفه يخدم النظام السوري، الذي تقوم دعايته السياسية على الإساءة للثورة، وبث الفرقة والاختلافات في صفوفها. لكن الوجه الآخر الذي علينا اليوم الاعتراف به، هو أنّ الخلط وعدم التمييز داخل صفوف الثوّار أنفسهم يضرّان الثورة أكثر من أي شيء آخر، وهما أخطر عليها من النظام نفسه.
ما يفوت فريق المتحمّسين للثورة السورية اليوم أنّها ليست ملائكية، ولا خالية من الأخطاء، بل فيها دَخَنٌ كبير، ويختلط الحابل بالنابل؛ ليذهب الصالح في عرى الطالح. فالثورة حركة شعبية تلقائية، دخل فيها عدد كبير جداً من المواطنين والقادمين من الخارج، ورفعوا السلاح ردّاً على استعصاء الحل السلمي الحضاري الذي قُدّم في البداية، ما دفع بأعداد كبيرة غير مؤهلة في كفاءتها وإعدادها لمثل هذه المواجهة.
يعزّز من هذا الالتباس دخول القوى الدولية والإقليمية على الخط، ونشوب حالة من الفوضى في أغلب المناطق، خلق مجموعات كبيرة تتدثّر بعباءة الثورة، وهي ليست بالضرورة متفقة مع أهدافها الأصيلة النبيلة، ولا تلتزم بالقيم السامقة لها!
الآن، الثورة السورية على مفترق طرق خطر جداً؛ فإمّا بالفعل أن تذهب نحو طريق خاطئة وكارثية، يصعب بعدها ترتيب البيت الداخلي وفرز الصف للتخلّص من الأمراض القاتلة، أو أنّها تستفيد من درس القصير ومما يحدث من اختلالات فجّة في العديد من المناطق، فتتفق القوى الرئيسة التي تلتزم بهذا الخط النقي الصحيح، منذ البداية، على توحيد المرجعية القيادية والسياسية، والتنسيق بدرجة أكبر فيما بينها، وترتيب البيت الداخلي.
ذلك يقتضي أن تضع الفصائل المسلّحة المعتبرة مع قيادة الأركان ميثاق شرف يُلزَم به الجميع؛ يستند إلى المعايير القانونية والإنسانية وقيم الثورة نفسها، ويحدّد ما هو مقبول وغير مقبول في العمل المسلّح، ويمنع الاختلالات والانحرافات، ويعزل من يقومون بها عن المسار الثوري. وإن لم يتمكنوا من تحقيق ذلك على أرض الواقع، نتيجة الشروط الراهنة، فليكن عزلاً سياسياً وأدبياً وإعلامياً حتى لا يحسب هذا العمل والسلوك على الثوّار!
لا يعني توحيد المرجعية والتنسيق إنهاء الاختلافات الأيديولوجية والفكرية بين الفصائل المسلّحة، فذلك أمر غير واقعي على الإطلاق، وليس مطلوباً. وإنما المقصود الالتزام بالحدّ المعقول من الأخلاق والأهداف التي قامت الثورة من أجل تحقيقها، وفي مقدّمة ذلك حماية المدنيين، واحترام حقوق الإنسان، ورفض صبغ المعركة بالطائفية، عبر خطاب واضح وصريح بشأن ذلك. ثم بعد التحرّر من هذا النظام المستبد، يُترك للشعب أن يختار بنفسه نظامه السياسي الذي يحقّق الأهداف الأصيلة للثورة منذ البداية!
أمّا استمرار الصمت على ما يحدث، وتمادي حالة الانحراف نحو مسار أخطر، فذلك سيضرب صورة الثورة والثوّار، حتى داخل الشارع السوري الذي دفع كلفة إنسانية باهظة جداً، ليرتقي بحياته ويتخلص من ربق الاستبداد، لا ليقع في حالة أسوأ من الوضع السابق!