الرئيسة \  واحة اللقاء  \  مواجهة "داعش" وإعادة فتح الملف السوري

مواجهة "داعش" وإعادة فتح الملف السوري

28.08.2014
لؤي حسين



الحياة
الاربعاء 27-8-2014
لم يأتِ تحرك الولايات المتحدة العسكري الأخير ضد "داعش" في العراق ضمن سياقات حربها ضد الإرهاب، بل لحماية الأكراد ومصالحها المباشرة في الإقليم الكردي، ولحماية الصيغة السياسية للدولة العراقية التي أسستها واشنطن بعد غزوها العراق. فنجاح "داعش" في إسقاط الدولة العراقية، أو تغيير صيغتها، أو حتى تثبيت استقرار "الدولة الإسلامية" التي أعلنت عن تأسيسها في العراق وسورية، سيكون إخفاقاً حقيقياً لغزو الولايات المتحدة العراق وإقامة الدولة "الديموقراطية" فيه.
أما "داعش" في سورية، من وجهة النظر الأميركية الحالية، فليست سوى أحد عناصر الفوضى العنفية التي لا تعتبر واشنطن نفسها مسؤولة عنها أو عن تبعاتها، بل تحيل مسؤوليتها إلى النظام السوري وحلفائه الرئيسيين، روسيا وإيران.
بهذا الشكل يبدو واضحاً التمييز الأميركي، وكذلك الغربي، بين "داعش" في العراق و "داعش" في سورية. لكن "داعش" حالة واحدة ممتدة بين العراق وسورية، ولا تمايز نفسها بين البلدين ولا تعترف أصلاً بوجود حدود بين البلدين، بل قامت في فترة سابقة بإلغاء هذه الحدود. وهذا يعني أنه لا يوجد أي إمكانية أمام الولايات المتحدة، إذا أرادت القضاء على "داعش" وإنهاء خطرها على العراق وعلى مصالح واشنطن فيه وفي إقليم كردستان، أن تحاربها في العراق فقط. وهذا ما صرح به مارتن ديمبسي، رئيس هيئة الأركان الأميركية، حين قال بإمكانية السيطرة على "داعش" في العراق وإلحاق الهزيمة به، لكن القضاء عليه يتطلب "مهاجمته في سورية وليس في العراق فقط".
غير أن ملاحقة مقاتلي "داعش" من قبل الولايات المتحدة داخل سورية ليس بالأمر البسيط. فالنظام السوري لن يسمح بذلك إطلاقاً. فهو رعى، بشكل أو بآخر، نشوء المجموعات المتطرفة الإرهابية في سورية بهدف استعادة الشرعية الغربية، والدولية عموماً، التي رُفعت عنه جراء إفراطه في مواجهة وقمع الحراك الاحتجاجي المعارض. وبقي يسعى منذ أكثر من ثلاث سنوات للحصول على تكليف غربي بمحاربة الإرهاب، الذي استمر بالتحذير من أنه سيشكل خطراً مستقبلياً على دول الجوار وعلى المجتمع الدولي. لهذا فالنظام السوري لا يحتاج الى ضربات جوية أميركية على قواعد التنظيمات الإرهابية، فهو قادر دوماً على توجيه مثل هذه الضربات بطيرانه، بل يحتاج إلى تكليف علني بمحاربة هذا الإرهاب، الأمر الذي يعيد له الشرعية الدولية ويطوي صفحة وجود معارضة سياسية أو شعبية له، الأمر الذي لا يبدو أن الولايات المتحدة ومِن خلفها الدول الغربية جاهزون له.
النظام السوري ليس سيد قراره في هذه الأمور، بل موسكو وطهران هما مقررتا هذا المستوى في الموضوع السوري. واشنطن تعرف هذا، وتعرف أنهما لن يقبلا منها اختراق الأجواء السورية لضرب "داعش" في سورية من دون اتفاق يشمل كل الأزمة السورية، أي بالنسبة إليهما إعطاء الشرعية للنظام السوري وتكليفه علناً بمحاربة الإرهاب الداعشي وسواه.
إيران، من ناحيتها، قلقة جداً من وجود "داعش" في العراق، ومن اتساع مساحات سيطرته فيه. ولا يمكنها قبول وجود دولة لداعش بحدود طموحة قد تطاول بغداد في لحظة ما. وتدرك طهران أن القضاء على "داعش" في العراق لا يمكن أن يتم من دون القضاء عليها في سورية.
هنا، تتوافق الرؤيتان الأميركية والإيرانية، بل تتقاطع مصالحهما في هذا الموضوع. لكن مجرد وجود مصلحة مشتركة بينهما، في ما يتعلق بداعش، لن يتعدى تلقائياً حدود التعاون والتنسيق في الساحة العراقية ليطاول الساحة السورية. إذ أن ما يجمع أو يفرّق بين هاتين الدولتين، والدول الأخرى - الأطراف في الأزمة السورية، لا يقتصر على الموقف من داعش وكيفية التعامل معها، بل الاشتباك في الموضوع السوري أكثر تعقيداً من ذلك بكثير.
ربما يكون الموقف من "داعش" وكيفية التعامل معها مناسبة لإعادة فتح الملف السوري بعد أن تم السكوت عنه بُعيد مؤتمر جنيف2 ومحادثاته، لكن لن يعني هذا بالضرورة أي تقدم في مسارات حل الأزمة السورية، كما يأمل البعض. فصحيح أن مفتاح حل الأزمة السورية هو توافقات دولية بين الدول الرئيسية في الأزمة، روسيا والولايات المتحدة وإيران والسعودية، لكن المضي في مسارات الحل يحتاج إلى أطراف سورية جاهزة وقادرة على حمل وتحمل مشروع تسووي لا غالب فيه، يكون في مقدوره حماية البلاد من الأخطار التي يولدها "داعش" وتقويض أسس النظام الاستبدادي الذي كان سبباً رئيساً في نشوء "داعش" وأخواته وفي كل الخراب السوري.
لكن مثل هذه الأطراف السورية غير موجودة الآن، فالنظام مقتنع تماماً بأن الولايات المتحدة، ومن خلفها الدول الغربية والإقليمية، ستكون مضطرة لتفويضه بمحاربة "داعش" تحت ضغط خطر "داعش" عليها في العراق. وهو ليس في وارد أي حل آخر غير ذلك. ومن ناحيتها تتأمل المعارضة السورية أن تضطر إيران، تحت ضغط تمدد "داعش" في العراق، إلى التخلي عن بشار الأسد كما تخلت عن نوري المالكي. وهي ليست في وارد أي حل آخر غير ذلك.
إن غياب أي طرف سياسي سوري فاعل في شكل حقيقي في الساحة السورية، ومدرك للمهمات الوطنية الكبرى التي عليه التصدي لها، سيبقي المستقبل السوري غير واضح الآفاق، وعرضة للتقلبات الحادة وفق مواقع القوى الدولية ورؤيتها لمصالحها.
* رئيس تيار بناء الدولة السورية