الرئيسة \  واحة اللقاء  \  موت الحل السياسي للأزمة السورية

موت الحل السياسي للأزمة السورية

05.10.2013
كرم يوسف


القدس العربي
الخميس 3/10/2013
مجدداً وبعد فترة سبات ممزوجة برائحة الدم، تثار من جديد أمريكياً وروسياً، مسألة إحياء مؤتمر جنيف 2 للسلام بخصوص الأزمة السورية، هذا المؤتمر الذي كلف منذ انعقاده الأول إلى الحديث عن انعقاده الثاني الآن،’تدمير الملايين’ من المنازل وما لا يحصى من القرى والمدن عن طريق القصف، واعتقال وقتل آلاف السوريين، وكل ذلك على يد نظام الأسد.
اللافت في جنيف 2، هو أن’الذي أحيا الملف من جديد هذه المرة ليس المبعوث الأممي للسلام في سورية الأخضر الإبراهيمي، بقدر ما كانت’ روسيا التي عملت عليه، وتمكنت من إقناع الأمريكيين بذلك، في محاولة سياسية للفت نظر أمريكا عن الضربة العسكرية ضد نظام الأسد، بعد استخدام الكيماوي في غوطة دمشق.
يأتي الحديث عن جنيف 2 بهذه القوة بعد الحرج الأمريكي الذي أوقعها فيه الأسد الذي كان يأخذ كل شيء على غير محمل من الجد، حتى استخدام الكيماوي الذي كانت أمريكا تعتبره هو فقط خطاً أحمر، وما يؤكد مجدداً أن أمريكا لم تهتم بالجانب الإنساني في الأزمة السورية، بقدر ما كان يهمها السلاح الكيماوي الموجود بيد الأسد، هو موافقتها بسرعة على العرض الروسي في تدمير الأسلحة مقابل التخلي عن مشروع الضربة.
حديث رئيس الائتلاف السوري أحمد عاصي الجربا، خلال زيارته الاخيرة لأمريكا، عن قبولهم كائتلاف حضور جنيف 2، والمطالبة بإدراج الأزمة تحت الفصل السابع لمجلس الأمن، الذي يجيز التدخل العسكري ما لم يلتزم النظام بتدمير أسلحته الكيماوية في الوقت المحدد، ليس إلا محاولة لاستدارج الأسد حضور هذا المؤتمر. لكن كيف’لجنيف 2 أن يعقد من دون قيد أو شرط، في الوقت الذي يكون فيه مطلب أمريكا على لسان رئيسها باراك أوباما، خلال الجلسة الـ86 للجمعية العامة للأمم المتحدة يتجدد بضرورة مرحلة انتقالية من دون نظام الأسد، وهو نفس مطلب الائتلاف وعدد من الدول الأوروبية، وفي المقابل يعتبر النظام وروسيا هذا المطلب ضمن خانة الأمور التي لا يمكن النقاش حولها؟
مع كل ما يجري من تحضيرات سياسية لجنيف 2، يدرك طرفا الصراع في سورية انه بدون قوة وسيطرة على الميدان سيكون الموقف ضعيفاً في المحادثات، لذلك سعى كل منهما، مع أي حديث عن المؤتمر، إلى تحقيق مزيد من الانجازات على الأرض، في سبيل أن تكون كلمته قوية في ملف المفاوضات، ولعل تصريحات رئيس الائتلاف السوري الجربا، التي أعلن فيها أنه يسعى إلى إنجازات على الأرض قبل أي تسوية سياسية مع النظام، هي خير دليل على الرغبة في الحضور كطرف قوي’له كلمته التي لا بد أن يسمعها النظام في المفاوضات ان حدثت.
وبتسليط أكثر للضوء على ‘المشهد العسكري في سورية، يمكن الوصول إلى أكثر من نتيجة محتومة حول ملف الحل السياسي للأزمة، ولعل أبرزها هو أن أحد طرفي الصراع، المعني بالوصول إلى حل سياسي وهو الائتلاف، لا يملك سلطة عسكرية إلا على الجيش السوري الحر، الذي يمكن القول انه إلى’حد ما مغلوب على أمره أمام الجماعات الإسلامية المتشددة، وهو حال ما حدث ويحدث في ريف محافظات اللاذقية وإدلب وحلب ومدينة الرقة. وفي الآونة الأخيرة قام الجيش الحر نفسه بإعلان عدم التزامه بما يتوصل إليه الائتلاف بخصوص مؤتمر جنيف، وهو الذي كان الجهة العسكرية الوحيدة المحسوبة على الائتلاف.
وفي خضم هذه المعادلة العسكرية المعقدة، لن يكون التوصل إلى تسوية سياسية تقتضي مرحلة انتقالية بين النظام والمعارضة، أمراً يسيراً لأن هناك من هم خارج سلطة الائتلاف عسكريا، وهو ما يؤدي بأي حل، إن تم، إلى الفشل، وهذا ما حدث خلال البيان المشترك’ للقوى العسكرية العاملة على الأرض، بما فيها جبهة النصرة (البيان رقم 1) التي أعلنت فيه بأنها غير ملتزمة باتفاقيات الائتلاف، وكل ما يتم التوصل إليه في الخارج ما لم يتم الرجوع إليها، كل هذا الحديث هو بغض النظر عن الطرف الآخر في الصراع، وهو النظام الذي لا ينظر إلى ما يجري سورياً إلا على أنه معركة وجود، لا تقبل من الحلول لا الانتصار عسكرياً، ويضاف إلى هذا إلى أن طرفي الصراع في سورية أعلنا موقفيهما الحاسمين سابقاً من أي تسوية سياسية، فالنظام لا يقبل أن يتنازل عن شرعيته التي يتكلم عنها، ولا المعارضة تقبل به شريكاً، بعد الآلاف المؤلفة التي قتلتها آلة النظام العسكرية.
‘لا بد هنا من ذكر نقطة أخرى، وهي أن روسيا العضو في مجلس الأمن الدولي التي أوصلت، حسبما يقال، الأمور إلى ما هي عليه الان، لن تقبل بعد كل هذا الدعم الذي كلفها سمعتها عالمياً على أقل تقدير أن تقبل تسوية سياسية لا تستطيع بموجبها أن تتحكم بالقرار في دمشق، حين يكون القرار مشتركاً بين النظام والمعارضة في حكومة مستقبلية مشتركة على سبيل المثال، ناهيك عن أن الأطراف التي تقول بأنها تناصر الثورة في سورية سترفض أي تسوية هي الأخرى، فلو كانت تريد إنهاء حكم الأسد لكانت فعلت ذلك قبلاً عبر دعم مؤسسة الائتلاف العسكرية، وهي الجيش الحر، أو الوصول إلى تسوية معه من خلال دعم عسكري معقول يتمكن به الحر من أن يقول كلمته بقوة، ويجبر النظام على الجلوس معه إلى طاولة المفاوضات.
يقتضي بنا الأمر هنا’ أن نصل إلى’ نتيجة مفادها أن أي تسوية سياسية أو طرحها بأي شكل مع نظام لا يقبل الحلول، هي مجرد مشروع الهدف منه تمرير الوقت لا اكثر،’ويقتضي بنا أيضاً الوصول إلى قناعة بأن الحل ممكن في سورية، ولكن عبر السلاح، وعبر معركة ينتصر فيها أحد الطرفين، وهو ما لم يتحقق إلى الآن بعد ثلاثة أعوام من عمر الثورة، وربما يأخذ أعواماً ‘أخرى، ما لم يأت الحل الإسعافي وهو التدخل الغربي، إما بشكله المباشر أو بشكله غير المباشر عبر دعم الحر بالأسلحة النوعية وليس بالقطارة.
ولكن ماذا لو نجحت روسيا وأمريكا في عقد جنيف 2 ورضي طرفا الصراع في سورية بالجلوس إلى طاولة المفاوضات، وجلس النظام إلى جانب المعارضة في النهاية؟ هل يمكن لحلول سياسية جديدة أن تطفو على السطح حين يكون وفد النظام قادماً من دمشق بعد تعيينهم من قبل الأسد للصفح عن المعارضة ومنحها حق العودة لسورية من دون عقاب في أكثر الأحوال، ويكون وفد المعارضة قادماً لقبول رحيل رئيس نظام الوفد الذي يتفاوض معه’ لحقن دماء السوريين؟