الرئيسة \  واحة اللقاء  \  موقع إسرائيل في النظام الدفاعي العالمي للولايات المتحدة 

موقع إسرائيل في النظام الدفاعي العالمي للولايات المتحدة 

20.05.2021
إبراهيم نوار


القدس العربي 
الاربعاء 19/5/2021 
الولايات المتحدة لن تضغط على إسرائيل في الظروف الراهنة، فلا توجد دولة في العالم لها قدرة على التأثير في مؤسسات صنع القرار الأمريكية، أو تستطيع أن تنتقد صراحة سياسة الولايات المتحدة، حتى في الداخل الأمريكي مثل إسرائيل. ولا توجد دولة في العالم تهتم الولايات المتحدة بسياساتها المحلية، وعلاقاتها الخارجية، أو تتصدر أخبارها اهتمامات مؤسسات صناعة الرأي العام الأمريكية مثل إسرائيل. هذه مقدمة ضرورية قبل الدخول في مناقشة دور إسرائيل في النظام الدفاعي العالمي للولايات المتحدة، وهو نظام أكبر من حلف الناتو، وأشد تعقيدا، وأكثر تأثيرا، وهو مركز الثقل الرئيسي في العلاقات بين الدولتين. 
تحديات جديدة 
الاستراتيجية العالمية للولايات المتحدة ليست سلة معلبات محفوظة، وإنما هي جسم حي يتفاعل مع التغيرات التي تحدث فيها ومن حولها، وتهدف لتحقيق غاية نهائية هي استمرار قيادتها للنظام العالمي. ومنذ نهاية الحرب الباردة وقعت تطورات أدت إلى التأثير سلبا في قدرة الولايات المتحدة على تحقيق تلك الغاية، منها قيام الاتحاد الأوروبي، وسعي ألمانيا وفرنسا لتبني سياسة دفاعية مستقلة، وعودة القوة الروسية إلى المسرح العالمي، وانتشار ظاهرة الإرهاب. لكن أهم التطورات على الإطلاق هو انتقال محور القوة العالمي شرقا، وبروز الصين كقوة عالمية متسارعة النفوذ. هذه التحديات ترافقت مع زيادة حدة المشاكل الداخلية في الولايات المتحدة، وظهور أعراض وهن سياسي واقتصادي يهدد نمط حياة مواطنيها في الداخل، ومكانتها في الخارج. واستجابة للتحديات انعقد الإجماع بين قيادات الحزبين وخبراء الاستراتيجية على ضرورة أن تتخفف الولايات المتحدة من أعبائها الخارجية، وعلى رأسها الأعباء العسكرية. ويتكون النظام الدفاعي العالمي للولايات المتحدة، من إحدى عشرة قيادة عسكرية تنتشر حول العالم، منها ست قيادات جغرافية، هي القيادة الافريقية، والوسطى، والشمالية، والأوروبية، وقيادة منطقة المحيط الهادي والهندي، والقيادة الجنوبية. كما تضم خمسة هياكل قيادية نوعية، هي قيادة الحرب السيبرانية، والعمليات الخاصة، ومركز القيادة الاستراتيجية، وقيادة النقل والخدمات اللوجيستية، وقيادة العمليات الفضائية. وتخضع خريطة ومهام هذه القيادات للمراجعة مرة كل عامين على الأقل. وتعتبر قيادة الحرب السيبرانية هي الأحدث بين هذه القيادات (2010) كما أن المراجعة الأخيرة أسفرت عن صدور قرار في ديسمبر 2019 بتشكيل قوة عمليات عسكرية تابعة للقيادة الفضائية. 
معضلة المنطقة الوسطى 
وتكشف الخطوط العامة لاستراتيجية الأمن القومي، التي أعلنها جوزيف بايدن، عن وجود معضلة لم تجد لها الولايات المتحدة حلا سهلا حتى الآن، تتمثل في كيفية إدارة نظام دفاعي قادر على حفظ مصالح الولايات المتحدة وحلفائها، في المنطقة الممتدة من غرب المحيط الهندي إلى شرق البحر المتوسط. ويعتبر قرار تعيين جيفري فيلتمان مبعوثا سياسيا خاصا للقرن الافريقي خطوة مهمة من جانب البيت الأبيض، لإعادة رسم نظام الدفاع الإقليمي لتلك المنطقة. ومن ثم فإن مهمة فيلتمان في نهاية الأمر، لا تتعلق فقط بمفاوضات سد النهضة، أو تسوية الخلافات الحدودية بين إثيوبيا والسودان، أو حل النزاع في إقليم تيغراي، بل إنها فوق ذلك تتضمن تقديم رؤية إلى الإدارة بشأن حل لمعضلة النظام الدفاعي. وتسهم الحقائق التالية في تشكيل ملامح نظام جديد، يجري إعداده لدمج مهام الدفاع لشرق المتوسط والخليج والقرن الافريقي وغرب المحيط الهندي. 
أولا: في 12 فبراير 2021 بدأت الولايات المتحدة عملية إعادة تنظيم شامل للقيادة الوسطى، بعد صدور قانون إعادة تنظيمها بواسطة الكونغرس في منتصف يناير. وطبقا للقانون، فإن إعادة تنظيم القيادة الوسطى "يستجيب للتغيرات الجيوسياسية العميقة التي تجري في المنطقة، وأهمها اتفاقيات التطبيع الأخيرة بين إسرائيل والدول العربية، التي أزالت الموانع من مشاركة إسرائيل في التدريبات العسكرية مع الدول العربية الرئيسية في الشرق الاوسط". وفي إطار جهود إعادة تنظيم مسرح العمليات، قام الجنرال كينيث ماكينزي قائد القيادة الوسطى بإجراء مباحثات مع قيادات ثلاث دول رئيسية في المنطقة هي مصر والسعودية وإسرائيل. وكانت فكرة إنشاء القيادة الوسطى قد نشأت على أساس "مبدأ كارتر" الوارد في خطابه عن "حالة الاتحاد" في يناير 1980، ردا على التدخل العسكري السوفييتي في أفغانستان في العام السابق. وينص المبدأ على أن "الولايات المتحدة تعتبر أن محاولة أي قوة خارجية للسيطرة على الخليج، هي بمثابة اعتداء على مصالحها الحيوية، وأنها ستقوم بالرد بكل الوسائل الضرورية بما في ذلك القوة العسكرية". وبناء على مبدأ كارتر، تم أولا إنشاء قوة أمريكية للتدخل السريع في المنطقة، تطورت إلى إنشاء القيادة الوسطى عام 1983، بهدف تنسيق العمليات في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى وأجزاء من جنوب آسيا. وخلال الفترة منذ انشائها حتى الآن انخرطت القيادة الوسطى في تنظيم العمليات العسكرية في ثلاث حروب، هي حرب تحرير الكويت، وحرب أفغانستان، وحرب احتلال العراق، إضافة إلى الحرب الممتدة على الإرهاب، بما في ذلك الحرب على القاعدة، وعلى تنظيم الدولة الإسلامية. 
طالما بقيت إسرائيل رصيدا للولايات المتحدة في المنطقة، فإن احتمال تعرضها لضغوط أمريكية يكاد يكون منعدما 
ثانيا: انكشف بسرعة السبب المباشر وراء ضم إسرائيل للقيادة الوسطى، عندما أصدرت لجنة العلاقات العامة الأمريكية الإسرائيلية (أيباك) بيانا قالت فيه إن قانون إعادة تنظيم القيادة الوسطى هو اعتراف بأن إسرائيل جزء فعلي من المنطقة، ويجب أن يعزز التعاون بين الشركاء الإقليميين في مواجهة الخطر الإيراني. وجدير بالذكر أن إسرائيل كانت قد انضمت إلى القيادة الأوروبية منذ إنشائها عام 1952، كما كانت على علاقة غير رسمية بالقيادة الوسطى منذ انشائها عام 1983، وتطورت هذه العلاقة حتى وصلت إلى مشاركتها في التدريبات العسكرية "وثبة الكوبرا" التي جرت في إسرائيل مع القوات الأمريكية التابعة للقيادة الأوروبية في مارس 2018. ويعتقد المسؤولون في القيادة الوسطى أن هناك حاجة إلى إقامة تعاون إقليمي يربط بين القوات الأمريكية والإسرائيلية وقوات دول الخليج، لمواجهة التهديدات المشتركة من إيران، وتنظيم الدولة الإسلامية، وهو ما يخلق إطارا لربط الدفاع الإقليمي لمنطقتي شرق المتوسط والخليج، إضافة إلى قيادة العمليات ضد الإرهاب، بحيث تتفرغ القيادة الأوروبية لدورها الرئيسي في التنافس الاستراتيجي مع روسيا. 
ثالثا: طبقا للمعهد اليهودي للأمن القومي الأمريكي JINSA فإن قرار البنتاغون بضم إسرائيل للقيادة الوسطى يحقق عددا من الأهداف المهمة لتعزيز الأمن الإقليمي. وحدد المعهد أهم هذه الأهداف في إقامة نظام دفاع صاروخي مشترك على مستوى المنطقة ككل، تشارك فيه الدول المعنية، مع إقامة نظام للإنذار المبكر، وتنسيق اتخاذ إجراءات وخطوات عملية لإحباط انتشار الأسلحة الإيرانية في المنطقة، ووصولها إلى وكلائها بما يهدد الدول السنية المعتدلة. كما تتضمن كذلك إجراء مناورات وتدريبات عسكرية مشتركة لمواجهة الخطر الإيراني، وتبادل المعلومات لإحباط محاولات إيران إقامة قوات موالية لها في دول المنطقة. ومكافحة الإرهاب وعمليات القرصنة الإلكترونية والهجمات المعلوماتية. 
قانون ضم إسرائيل للقيادة الوسطى 
لعب مايكل ماكوفسكي رئيس المعهد اليهودي للأمن القومي الأمريكي JINSA دورا محوريا، تحت قيادة رونالد لاودر رئيس المؤتمر اليهودي العالمي، في التمهيد لإصدار قانون ضم إسرائيل للقيادة الوسطى. ماكوفسكي عمل من قبل مستشارا للإدارة الأمريكية في العراق برئاسة بول بريمر، كما عمل في عدد من المراكز الحساسة في وزارة الدفاع الأمريكية. وقد كتب أخيرا مقالا مشتركا مع الجنرال المتقاعد تشارلز والد نائب قائد القيادة الأوروبية، قالا فيه إن "ضم إسرائيل للقيادة الأمريكية الوسطى هو الخطوة المنطقية المهمة بعد توقيع اتفاقيات إبراهيم، لأنه سيساعد على تحقيق مكاسب استراتيجية strategic dividends لكل من الدولتين والمنطقة ككل". وقالا أيضا: "لقد حان الوقت لتصحيح خطأ تاريخي، وتغيير المنطقة من منطقة معادية لإسرائيل إلى مواجهة العداء الإيراني والتركي." وفي 8 ديسمبر 2020 تقدم عدد من أعضاء مجلس الشيوخ بمشروع قانون إلى الكونغرس يقضي بإعادة تصنيف إسرائيل عسكريا، لتصبح عضوا في القيادة الوسطى. وبعد مشاورات مع البنتاغون، تم فعلا إصدار القانون في منتصف يناير الماضي، وطلب مجلس الشيوخ من البنتاغون اتخاذ الإجراءات التنفيذية اللازمة. ويوفر القانون حلا لجزء من معضلة الدفاع الإقليمي للمنطقة، بدمج الدفاع عن شرق المتوسط والخليج، ضمن هيكل عسكري واحد. ولكن يبقى أن يجد البيت الأبيض صيغة لدمج الدفاع الإقليمي لشرق المتوسط والخليج مع منطقة القرن الافريقي وغرب المحيط الهندي. ومن المرجح أن تلعب إثيوبيا والسودان دورا محوريا في تحقيق ذلك. وطبقا للبيان الصادر عن جولة فيلتمان الأولى في المنطقة فإن "القرن الافريقي يمرّ بنقطة انعطاف، وسيكون للقرارات التي تتّخذ في الأسابيع والأشهر المقبلة، تداعيات كبيرة على شعوب المنطقة وكذلك على المصالح الأمريكية". وطالما بقيت إسرائيل رصيدا للولايات المتحدة في المنطقة، فإن احتمال تعرضها لضغوط أمريكية يكاد يكون منعدما.