الرئيسة \  واحة اللقاء  \  موقف الإدارة الأميركية تجاه سورية

موقف الإدارة الأميركية تجاه سورية

02.03.2016
علي عوض


الوطن السعودية
الثلاثاء 1/3/2016
ينظر العرب إلى سياسة الإدارة الأميركية تجاه الحرب الدائرة في سورية بنظرة يسودها الارتياب والشكّ. ارتيابُ وشكّ من الصمت الكبير الذي تنتهجه الإدارة الأميركية حيال القصف الروسي المرعب، والمواكب لتقدم قوات النظام السوري على الأرض، ومعها ميليشيات إيران وحزب الله. الإدارة الأميركية خلال هذه الأحداث كانت تكتفي فقط بالتعليق على ما يجري بعبارات سياسية لا تفيد سوى أن موقف الإدارة الأميركية بلا موقف، أو على الأقل بلا رد فعل أو قول يمكن أن يعبر عن رؤية سياسية ما! وهذا الأمر حدا بالكثير من المحللين، والمهتمين بالأحداث السورية إلى اتخاذ التفسير المؤامراتي كنموذج تحليلي لموقف الإدارة الأميركية، أي أن هؤلاء يرون أن الأحداث الدامية في سورية برمّتها، بما فيها من تدخلات روسية وإيرانية ليست سوى جزء من مخطط مرسوم بعناية من الإدارة الأميركية، وأن ذلك الصمت الرهيب لهذه الإدارة لا يخفي وراءه سوى التآمر على سورية والمشرق العربي برمته، لكي يتسنى لاحقاً تقسيم جغرافيته السياسية، بما يتلاءم مع مصالح القوى الدولية الكبرى لا سيما الولايات المتحدة وروسيا.
والحال أن الإشكال في هذا التحليل يكمن في كونه يستبطن دلالات من نوع الشعور بأن ثمة ذاتاً تُمثّل الخير والفضيلة، في مقابل الأخرى المتخمة بالشر والرذيلة التي تتآمر دوماً عليها، فضلاً عن أن مثل هذا التحليل لا يرى العالم إلا بنظرة مانوية محضة، بحيث يقسم العالم كلّه قسمين لا ثالث لهما، نحن والآخر، الأنا والهو، وهي بلا شك نظرة تكتنزُ بصورة مضمرة خيلاء طاغياً، ناهيك عن ما تفضي إليه من نرجسية تبتعد عن الواقع وحقائقه.
وبصرف النظر عن ذلك فإن هذا التحليل أيضاً يتغافل بشكل كامل عن تعقيدات المصالح بصورة متضاربة واختلافها إلى حد التباين بين القوى التي يُفترض أنها تتآمر. يخبرنا التاريخ أن تغيير الجغرافيا السياسية، وتثبيت الخرائط السياسية الكبرى لم يكن يتم إلا وفقاً لحرب ضارية بين الأطراف المتنازعة، بحيث أن الطرف المنتصر هو الذي يقرّرها، ويشيّدها كنتيجة طبيعية لانتصاره الساحق، في مقابل هزيمة خصمه بصورة حاسمة، فعلى سبيل المثال لم تسترد فرنسا منطقتي الألزاس واللورين من ألمانيا، وتصبح ضمن الخريطة الفرنسية إلا بعد أن انتصر الحلفاء على دول الوسط بشكل ساحق في أعقاب الحرب العالمية الأولى 1918 على الرغم من أن هاتين المنطقتين خضعتا من قبل لألمانيا البسماركية منذ عام 1871. التقسيم في سورية حالياً غير ممكن، ولن يكون ممكناً إلا بحسم عسكري لأحد الأطراف الإقليمية والدولية المتصارعة في سورية، فالمنتصر في النهاية هو الذي سيفرض رؤيته تجاه الجغرافيا السياسية، وهو الذي سيرسمها وفق ما تقتضيه مصلحته فقط
الأقليات الإثنية والطائفية في سورية وتمددها الديموجرافي في الدول الأخرى تمثّل عاملاً مهماً في عدم تصور التقسيم حالياً لكونها مرتبطة بخرائط سياسية خارجة عن الخريطة السورية، لا سيما تركيا وإيران اللتان تبدوان حتى الآن متماسكتان، ولم يصل إليهما الحريق بعد. ما هو واضح حتى الآن من استراتيجية الإدارة الأميركية في إدارة الأزمة السورية أن عدوّها الأول هو داعش، وليس الأسد أو حتى الميليشيات الشيعية المتناثرة في الشام، فمن منظور الأمن القومي الأميركي يشكل خطر داعش الرقم الأول، ولهذا فمحاربته هي الأهم في حين أن الحلفاء الإقليميين للولايات المتحدة ينظرون بنظرة أخرى، وهي أن الجميع خطيرون، وأن علّة بزوغ داعش هو نظام الأسد، والنفوذ الإيراني بصورتيه السياسية والعسكرية في المنطقة، ومن ثم فإن زوال داعش يجب أن يسبقه زوال الأسد، وجميع الميلشيات الطائفية الشيعية المنتمية إلى النظام الإيراني.
الولايات المتحدة الأميركية تفكّر جدياً فيما بعد الأسد، وهذا ما تكرّر من تصريحات مسؤوليها حيال ذلك، بيد أن الإشكال الكبير هو البديل عن نظام الأسد، فالثوار في سورية ليسوا لوناً واحداً، فبعضهم يريد سورية حرة وديموقراطية، وكثير منهم -وبسبب أدبيات الفكر السلفي بين الثوار- يريد حكماً إسلامياً، أي أن مخياله ترتسم فيه صورة مزدوجة تعبر عن رؤية وطنية وفي ذات الوقت إسلامية للدولة السورية المرتقبة، في حين أن الآخرين لا يعترفون بالدولة الوطنية، ولا بالنظام الدولي القائم، وهكذا فإنه من المؤكد أن ما يجعل الإدارة الأميركية تتلعثم تجاه الأزمة السورية، بل وتسقط أخلاقياً بشكل مريع فيها، هو افتقار الساحة السورية إلى نظام يمكن أن يحل بديلاً عن النظام الأسدي، وعلّة ذلك ببساطة هي الخوف على ربيبتها القابعة (الكيان الصهيوني) في فلسطين