الرئيسة \  واحة اللقاء  \  موقف طائفي وموقف مبدئي

موقف طائفي وموقف مبدئي

12.06.2013
ياسر الزعاترة

الدستور
الاربعاء 12/6/2013
عندما كنا نقف إلى جانب حزب الله أثناء مقارعته للعدو الصهيوني، لم نكن نجهل مفردات المذهب الذي يعتنقه، ولا تبعيته المعلنة للولي الفقيه، لكن المشهد العربي والإقليمي والدولي كان مختلفا، والبوصلة كذلك، في ظل مشروع أمريكي صهيوني كان يريد الهيمنة على كل المنطقة دون تفريق بين مذاهب شعوبها ومناطقها.
كان هناك بالفعل محور مقاومة وممانعة عماده قبل الدول المحسوبة عليه حركات وقوى إسلامية تصدت للزحف الأمريكي الصهيوني، وكان من بينها للمفارقة القوى التي وصفها نصر الله بالتكفيرية والمتطرفة، تلك التي كانت تتصدى إلى جانب قوىً أخرى، أكثرها سنّي للغزو الأمريكي للعراق ببسالة منقطعة النظير، فيما كان هو يبرر سياسات القوى الشيعية المتحالفة مع الاحتلال بوجود سنّة يفعلون ذلك (كنا بدورنا نهاجم الطرفين دون هوادة وننحاز للمقاومة).
لم يكن بوسعنا أن نقف يومها مع محور يتصدره حسني مبارك الذي باع قضايا الأمة من أجل التوريث، ومعه دول عربية ردت على بسالة الفلسطينيين ومقاومتهم في انتفاضة الأقصى بما يُعرف بالمبادرة العربية عام 2002، بدل أن ترد عليها بمزيد من دعم خيار المقاومة.
حقق حزب الله انتصارات كبيرة على العدو الصهيوني لا ينكرها عاقل، واستنزفه لسنوات طوال، قبل أن يفرض عليه الخروج الذليل من جنوب لبنان، أيار عام 2000، فيما تبعته المقاومة الفلسطينية بعد ذلك في معركة استنزاف ولا أجمل للعدو الصهيوني خلال انتفاضة الأقصى ارتقى خلالها مئات الأبطال إلى العلى شهداء واستشهاديين في معارك رائعة، كما خاضت تلك القوى بقيادة حماس مواجهتين بطوليتين مع العدو في قطاع غزة (2008، 2009، و2013)، سبقتها معركة بطولية لحزب الله في تموز 2006.
لم ننكر ذلك يوما، ولن ننكره، لكن الأعمال بخواتيمها، ومن يقفون مع المقاومة والحرية، لا يمكن أن ينقلبوا على تراثهم ليقفوا إلى جانب قمع الشعوب المطالبة بالحرية والانعتاق من الدكتاتورية والفساد، وهذا ما فعلته حماس التي قدمت من الشهداء أكثر مما قدم حزب الله، لأن كل عملية للحركة كانت تكلفها مقتل واعتقال العشرات، بينما كان مقاتلو حزب الله ينفذون عمليتهم ويعودون إلى بيوتهم بسبب الوضع الخاص في لبنان في ظل سيطرة النظام السوري عليه.
حين ثار الشعب المصري والتونسي والليبي واليمني ضد الدكتاتورية والفساد، كنا ننسجم مع أنفسنا بالوقوف إلى جانبها، وكذلك الحال حين ثار الشعب السوري يرفع ذات الشعارات، وموقفنا في البحرين لم يكن ضد الحراك في بعده المتعلق بالعدالة، بل مع تسوية لا أفق لغيرها في ظل معادلة داخلية تختلف عن سوريا (سياسة وحرية وتعددية؛ وتركيبة مذهبية أيضا)، وأخرى خليجية لها استحقاقاتها أيضا.
ليس ثمة شعار في الدنيا يبرر الوقوف ضد شعب من أجل الانتصار لطاغية، حتى لو كان سيد المقاومة، فكيف وسيرته في مجملها إشكالية تؤكد أن انحيازه للمقاومة لم يكن مبدأيا، بقدر استنادها إلى حسابات سياسية تخص النظام ونخبته الحاكمة، بدليل مواقف كثيرة تصب في الاتجاه الآخر يعرفها للجميع؟! والأسوأ أن يحدث ذلك من قبل من يرفعون شعارات الحسين وانتصار الدم على السيف، لكأن انتفاضة الحسين كانت ضد نظام غير مقاوم، هي التي كانت ضد الظلم والفساد، فيما كانت جيوش يزيد تقاتل أعداء الأمة وتفتح الأمصار.
حين وقف نصر الله وحزبه إلى جانب الطاغية السوري، لم يكن بوسعنا أن نحيي موقفه الذي ندرك بكل وضوح الرؤية أنه يستند إلى حسابات “الولي الفقيه” أكثر من حسابات المقاومة والممانعة، لكن المذهبيين والطائفيين والحزبيين لم يفعلوا ذلك، ووصل الحال بطائفيين يتدثرون بأردية يسارية إلى اعتبار الحزب (في مفارقة عجيبة) حامي حمى الحرية الدينية والفكرية، متجاهلين تبعيته للولي الفقيه، وكل ذلك فقط بسبب كره الإسلاميين الآخرين.
انظر الفرق بين هؤلاء وأمثالهم وبين صحفي مثل البريطاني روبرت فيسك الذي لا يؤيد الثورة السورية. أنظر كيف استفزه خطاب نصر الله الأخير، لترى الفارق بين من يقدرون الموقف برؤيتهم الخاصة، وبين الذين تحكمهم عقدهم الحزبية والطائفية، وإن حاولوا إخفاءها خلف سيل من الشعارات الكبيرة؟!
بعد خطاب نصر الله الأخير، تساءل روبرت فيسك في الإندبندنت: “هل أصيب نصر الله بعمى؟ لقد قال إنه يتلقى رسائل من أسر تستجديه أن يسمح لأبنائها بالقتال في سوريا، ربما هي بصيرة الكفن!”. يضيف فيسك: “تحدث نصر الله كثيرا عن فلسطين والمسجد الأقصى، ولكن رجاله كانوا يتحركون شرقا إلى سوريا، وليس جنوبا إلى فلسطين، وسيحكم التاريخ على نصر الله عبر هذا الخطاب”.
وبسخرية تساءل فيسك: “إذا كان حزب الله كما يصرُّ زعيمه حركة مقاومة، فكيف لم يدعم المقاومة ضد بشار الأسد؟ وإذا كان الحزب كيانا لبنانيا صرفا، وفق ما يؤكد نصر الله، فمن أين له الحق في إرسال مئات، بل آلاف، من رجاله لخوض معركة بشار الأسد؟”.
وفي مقال آخر قال فيسك: “إن مشاركة مقاتلي حزب الله في معركة القصير زادت الطين بلة، فالحزب الذي كان يفتخر بمقاومته لإسرائيل لن يستطيع إقناع السنّة في لبنان أن الطريق إلى القدس تمر عبر القصير”.
هذا هو الفرق بين الموقف الحر، وبين الموقف المذهبي أو الطائفي أو الحزبي الذي يتدثر بالمقاومة والممانعة ليخفي سوأته، فيما الأولى أن ينحاز أولا وقبل كل شيء لحرية الشعوب التي لا يمكن أن يزايد أحد عليها في الحرص على قضايا الأمة، وفي مقدمتها قضية فلسطين.