الرئيسة \  واحة اللقاء  \  موقف علماء الأمة من سوريا وأثره على الموقف الأمريكي

موقف علماء الأمة من سوريا وأثره على الموقف الأمريكي

18.06.2013
محمد علي الهرقي

الشرق القطرية
الثلاثاء 18/6/2013
ليس مستغربا تأثر عموم المسلمين بمواقف علمائهم خاصة عندما تنزل بهم النوائب العظام، وتاريخنا مليء بمثل هذه المواقف قديما وحديثا.. ولعل من أحدثها موقف علماء الأمة مما يجري في سوريا هذه الأيام..
فقبل بضعة أيام اجتمع عدد من هؤلاء العلماء الذين يمثلون خمسين دولة عربية وإسلامية في القاهرة لمناقشة الأحداث الأليمة التي يعيشها الشعب السوري، وما يتعرض له من قتل وتدمير وتهجير على يد بعض العلويين ومن يساندهم من الشيعة بالإضافة إلى دولتي إيران وروسيا التي تمدهم بكل أنواع الأسلحة وألوان الدعم الأخرى.
وقد توصل هؤلاء العلماء إلى عدد من التوصيات المهمة منها: دعوة المسلمين إلى الجهاد بالنفس والمال، وكذلك دعوة الدول العربية إلى دعم الثوار ماديا ومعنوياً، ودعوة وسائل الإعلام لإيضاح حقائق ما يجري على الأرض السورية، وقد انتقد العلماء الحكام العرب الصامتين عما يحدث من جرائم خاصة بعد تدخل حزب الله وإيران.
وقد اعتبر العلماء أن ما تفعله إيران وحزب الله يعد حربا مفتوحة على المسلمين والإسلام وأن الواجب يقتضي مقاومة هذه الحرب بكل الوسائل المتاحة.
أعتقد أن موقف علماء المسلمين خاصة دعوتهم للجهاد في سوريا حركت الماء الراكد، وأعطت مؤشرا خطيرا بحسب الرؤية الأمريكية والأوروبية والصهيونية، فهؤلاء تخيفهم هذه الدعوات فهم يحسبون أن كل المجاهدين يشكلون خطرا عليهم بصفة عامة وعلى إسرائيل بصفة خاصة وهذا ما جعلهم يعيدون النظر في موقفهم تجاه الأحداث السورية.
كانت جبهة النصرة وحدها مثار قلق كبير للصهاينة وبطبيعة الحال لأمريكا وهذا ما جعلهم يمتنعون عن مناصرة الثوار بحجة أن سلاحهم قد يصل إلى هذه الجبهة ومن ثم قد تستخدمه ضد إسرائيل!! فلما جاءت دعوة العلماء بالتوجه إلى سوريا للجهاد أدرك هؤلاء وسواهم أن سوريا مرشحة لوجود أكثر من جبهة متطرفة حسب اعتقادهم، وأن هؤلاء المتطرفين قد لا يتوقفون مستقبلا عند حدود سوريا وإنما قد يتوجهون إلى الحدود الإسرائيلية وربما إلى غيرها وهذا التصور أحدث قلقا شديدا عندهم وربما هو الذي دفعهم للإعلان عن تقديم الدعم للثوار لقطع الطريق على دعوات الجهاد ومن ثم تواجد المجاهدين على الأرض السورية..
تغير الموقف الأمريكي ؛ فبدأت أمريكا - كما قالت - بالتحاور مع دول الثماني للاتفاق على موقف موحد، وأعلنت من جانبها أنها ستدعم الثوار بالسلاح ولكنه ليس سلاحا فتاكا!! ولا أستبعد هنا موقف المملكة العربية السعودية وقطر الداعمين للثوار فمن المؤكد أن هذا الموقف كان له تأثير على القرار الأمريكي، وآمل أن يتزايد دعم قطر والسعودية للثوار بغض النظر عن الموقف الأمريكي فمصالح الخليج تختلف عن مصالح الأمريكان والصهاينة.
إسرائيل ليست بعيدة عما يجري في سوريا بل أستطيع القول : إنها هي التي تحدد موقف أمريكا وبعض دول أوروبا المتحالفة معها بشكل كبير، فإسرائيل ترغب في استمرار القتال ولا تريد للثوار الانتصار لأنها تدرك أن بقاء دولة الأسد في مصلحتها وهذا يؤكده قول رامي مخلوف منذ بداية الثورة : إن أمن إسرائيل مرتبط بأمن نظام الأسد، ومعلوم أن الجبهة السورية تعد من أفضل الجبهات بالنسبة لإسرائيل حيث لم يطلق منها ولا رصاصة واحدة منذ الاحتلال عام 1967 وحتى الآن!! ولهذا حرص نتنياهو على التواصل مع دول الاتحاد الأوروبي لإقناعهم بعدم تسليح المعارضة لأن هذا التسليح يهدد أمن إسرائيل!! ومع أن أصدقاء إسرائيل يعرفون هذه الحقيقة ومع أن إسرائيل تعرفها أيضا إلا أن فرضية أن المجاهدين الذين قد ينطلقون بعشرات الآلاف إلى سوريا ومن ثم تمكنهم من إسقاط الأسد ومن ثم الانطلاق إلى إسرائيل جعل من القيام بتسليح المعارضة أمرا لابد منه تفاديا لما قد يحدث مستقبلا من مخاطر تفوق مخاطر تسليح المعارضة.
الذي أود قوله : إن العجز العربي عن اتخاذ القرار الصائب هو الذي جعل أمريكا قبلة لكثير من العرب، وهو الذي جعل كثيرا منهم - أيضا - لا يثقون بحكوماتهم ويربطون قرارتها بالرؤية الأمريكية، ولدى هذه الدول فرصة لتغيير هذه الصورة القاتمة وذلك بالوقوف إلى جانب العلماء الذين يمثلون رؤية غالبية الشعوب، وإذا كانت الدعوة إلى الجهاد لا تتماشى ومصالح هذه الدول فإن تسليح الجيش الحر بأسلحة نوعية وكذلك تقديم المساعدات المالية تحقق أهدافها كما تحقق في الوقت نفسه آمال الشعوب وتطلعاتها.
أدرك الأمريكان والغرب - هكذا أفهم - أن دعوة العلماء إلى الجهاد بالنفس والمال والسلاح ليست في صالحهم فتحركوا، والأمل أن يدرك الحكام العرب أن بعض مادعا إليه العلماء يحقق مصالحهم ومصالح شعوبهم وأن عليهم أن يزيدوا من دعمهم للثوار ليتخلصوا من الحكم الإجرامي ومن يقف معه من المجرمين.