الرئيسة \  تقارير  \  “ميدل إيست آي”: لماذا تبدو مصر مترددة في المصالحة مع تركيا؟

“ميدل إيست آي”: لماذا تبدو مصر مترددة في المصالحة مع تركيا؟

18.04.2022
ساسة بوست


ساسة بوست
الاحد 17/4/2022
في حين تستعد مصر وتركيا لخوض جولة ثالثة من المحادثات الدبلوماسية، يقول محللون إنه من السابق لأوانه توقُّع عودة كاملة للعلاقات بين البلدين بعد تسع سنوات من التوترات، حسب ما يخلُص إليه تقرير نشره موقع “ميدل إيست آي” البريطاني.
في البداية، يشير التقرير الذي أعدَّه أحد مراسلي الموقع في القاهرة إلى أن مراقبين سياسيين مصريين رحَّبوا بحذر بالإعلان الأخير لوزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، بأن بلاده بصدد اتخاذ خطوات لتطبيع العلاقات مع مصر لإنهاء تسع سنوات من التوترات السياسية بين الدولتين المتوسطتين.
وكانت العلاقات بين مصر وتركيا قد توترت في منتصف عام 2013 على إثر تحرك الجيش المصري لإطاحة محمد مرسي، أول رئيس منتخب ديمقراطيًّا في مصر، في خطوة عَدَّتها تركيا غير ديمقراطية وانتقدت معاملة مصر لأعضاء جماعة الإخوان المسلمين وقياداتهم، وهي الحركة التي كان ينتمي إليها مرسي.
تحوُّل محتمل
ومع ذلك، وحسب ما يستدرك التقرير، قال مراقبون مصريون إن تصريحات جاويش أوغلو تدل على تحوُّل محتمل في العلاقات بين البلدين. وجاءت تصريحات جاويش أوغلو في وقتٍ يستعد فيه دبلوماسيون مصريون وأتراك لعقد جولة ثالثة من المفاوضات لإصلاح العلاقات بين البلدين، ولفت الموقع إلى أن دبلوماسيين مصريين وأتراك التقوا مرتين في الأشهر القليلة الماضية سعيًا لبحث أسباب التوتر وسُبل تجاوزه.
ويُتَوقَع أن تنطلق الجولة الثالثة من المحادثات السياسية في وقتٍ تستعد فيه تركيا لتعيين قائم بالأعمال جديد في مصر، وقد خفَّضت مصر وتركيا تمثيلهما الدبلوماسي في عام 2013، على خلفية التوترات السياسية بينهما. وفي الأسبوع الماضي، قال مسؤولون للموقع البريطاني إن تركيا قررت تعيين سفير جديد في القاهرة لشغل المنصب الدبلوماسي الذي ظل شاغرًا منذ ما يقرب من تسع سنوات.
وقال المسؤولون إن السفير الجديد سيكون صالح موتلو سين، ممثل تركيا السابق في منظمة التعاون الإسلامي بين 2015-2020. وقال المسؤولون إن جاويش أوغلو أخطر سين بالفعل بالدور المزمع، وستسعى أنقرة الآن للحصول على موافقة من الحكومة المصرية.
ومع ذلك، رفض جاويش أوغلو تأكيد التقارير الإعلامية في وقت سابق من هذا الشهر حول خطط تركيا لإعادة تعيين سفيرها في مصر، ولم تعلق مصر على تصريحات جاويش أوغلو بشأن تطبيع محتمل للعلاقات. ويبدو أن مصر ليست في عجلة من أمرها لاتخاذ خطوة من هذا القبيل.
وقال محللون سياسيون مصريون إن أحد الأسباب المحتملة لعدم عجلة مصر في تطبيع العلاقات هو أن القاهرة لديها قدر كبير من عدم الثقة تجاه النوايا التركية. ونقل الموقع عن محمد ربيع الديهي، متخصص في العلاقات الدولية المصري، قوله: “الخوف في مصر يكمن في أن حملة المصالحة التركية هذه قد تكون زائفة، ولكن الحقيقة هي أن أنقرة قدمت سلسلة من التنازلات في الفترة الماضية، والتي من شأنها أن تسهم في تحسين العلاقات مع مصر بطرق تنهي عزلة تركيا الإقليمية جزئيًّا”.
وكان وزير الخارجية المصري سامح شكري قد أشار في أكتوبر (تشرين الأول) 2021 إلى إحراز بعض التقدم في العلاقات مع تركيا، معربًا عن أمله في أن يتمكن البلدان من البناء على هذا التقدم، وقال وزير الخارجية المصري إن “القاهرة تنتظر حلولًا مُرْضية للقضايا العالقة مع أنقرة”. وقال شكري لقناة “إم بي سي مصر” التلفزيونية السعودية: “سنراقب الوضع ونقيِّمه بِناءً على السياسات التي تنتهجها الحكومة التركية على المستويين الثنائي والإقليمي”.
اختلافات عميقة
وأوضح التقرير أن هناك فجوة واسعة بين البلدين تتجذر في هذا الحذر المصري، وهي فجوة تبدو في ظاهرها ذات طبيعة أيديولوجية ولكنها تُخفي وراءها أسبابًا اقتصادية وجيوستراتيجية معقَّدة. وكانت مصر وتركيا طرفين في السباق على الموارد في شرق البحر المتوسط، والذي تسعى فيه تركيا لتكون جزءًا من ثروة الغاز الطبيعي في المنطقة، بينما تعمل مصر جاهدةً لاستبعاد تركيا من هذه الثروة.
وشَكَّلت مصر منظمة شبيهة بأوبك، تضم منتجي الغاز الطبيعي ومستهلكيه في المنطقة، وتجاهلت الكتلة تركيا، التي تسعى سعيًا حثيثًا منذ سنوات لكي تكون نقطة عبور للطاقة على الطريق إلى السوق الأوروبية. وجاء الرد التركي على الخطوة المصرية بالسعي لعزل مصر، بما في ذلك من خلال إيجاد موطئ قدم لها في جوار مصر المباشر، وتحديدًا في ليبيا والسودان المجاورتين.
وكانت القاهرة تتحمل على مضض التدخل التركي المتزايد وما يُنظر إليه على أنه “دور تركيا السلبي” في الدول العربية، مثل سوريا والعراق، كما تنافس البلدان أيضًا على النفوذ في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وأضاف التقرير أن رغبة تركيا في إصلاح علاقاتها مع القاهرة يبدو أنها تُشكِّل جزءًا من حملة تركية أوسع لإنهاء التوترات مع دول المنطقة الأخرى، ومن بينها الإمارات والسعودية وإسرائيل.
ويوجد اعتقاد في القاهرة أن هذه الرغبة مرتبطة بقوة بالانتخابات الرئاسية التركية المقرر إجراؤها في يونيو (حزيران) 2023. وقال مراقبون محليون إن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يريد إنهاء صراعاته مع دول المنطقة قبل الانتخابات، وقال طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إن هذا الارتباط واضح للغاية مع التدهور المستمر للاقتصاد التركي، وأضاف أن تركيا سوف تستفيد اقتصاديًّا من خلال إصلاح العلاقات مع دول المنطقة.
ويبدو أن هذه الحملة التركية بدأت تؤتي أكُلها، وآية ذلك أن دولة الإمارات تعهدت باستثمارات بقيمة مليارات الدولارات في تركيا، وأفادت تقارير بأن الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ ناقش خلال زيارته الأخيرة لتركيا التعاون في إيصال الغاز الطبيعي إلى أوروبا، في وقتٍ تسعى فيه القارة جاهدة لتقليل اعتمادها على الغاز الروسي.
وفي عام 2020، احتلت تركيا المركز الثالث بوصفها أكبر دولة مستوردة للمنتجات المصرية. كما أنها جاءت خامس أكبر دولة مصدرة للسوق المصرية، وفي العام نفسه، بلغ التبادل التجاري بين البلدين 4.6 مليارات دولار. وقال محللون مصريون إن حجم التجارة هذا يمكن أن يزداد أكثر في الفترة المقبلة إذا تحسَّنت العلاقات السياسية بين البلدين. وهناك أيضًا اعتقاد بين المحللين أنفسهم أن الحرب في أوكرانيا تفتح الباب أمام تعاون محتمل بين البلدين في مجال الطاقة.
عقبات إقليمية
ويتابع التقرير: وعلى الرغم من ذلك، يرى محللون مصريون أن تحقيق التطبيع الكامل بين البلدين ليس بالأمر الهين، بخلاف الأماني السهلة.
وتعد ليبيا إحدى القضايا الشائكة بين القاهرة وأنقرة، ذلك أن العاصمتين تدعمان أطرافًا متنافسة في الصراع الليبي. وتعترض مصر على وجود مقاتلين ومرتزقة أجانب في ليبيا، منهم أولئك الذين جلبتهم تركيا إلى الدولة المجاورة. ونقل الموقع عن المحلل السياسي التركي، فراس رضوان أوغلو، قوله: “ملف المقاتلين الأجانب في ليبيا سيكون عمليًّا قضية معلَّقة بين البلدين، لكنني أعتقد أنهما سيتوصلان إلى اتفاق في هذا الصدد”.
وفي السنوات التسع الماضية، أنشأت مصر أيضًا ما يرقى إلى مستوى تحالف استراتيجي واقتصادي ودفاعي مع اليونان وقبرص، وتنظر تركيا إلى هذا التحالف النامي بريبة، حتى مع تأكيد الدول الثلاث مرارًا أن اجتماعهم ليس موجَّهًا إلى دولٍ أخرى.
ومع ذلك، أثارت كثافة التعاون العسكري والتنسيق السياسي بين الدول الثلاث المخاوف في أنقرة، كما اعترضت تركيا على اتفاقيات ترسيم الحدود البحرية بين الدول الثلاث. ومن جانبها اعترضت مصر على الخطاب الإعلامي التركي ضدها، ومنه بث قنوات تلفزيونية من تركيا تنتقد حكومة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. وقال أوغلو: “تركيا في حاجة ماسَّة لتغيير سياساتها الإعلامية تجاه مصر، وإلا فلا يمكننا توقع تحقيق أي تحسُّن في العلاقات مع الدولة العربية”. وتابع: “يجب التأكد من أن القنوات المصرية التي تبث من تركيا لن تُلحق ضررًا بالعلاقات مع القاهرة”.
وأشار التقرير إلى أن مسؤولًا تركيًّا بارزًا صرح للموقع في السابق أن هناك قضية معلَّقة أخرى بين البلدين تتمثل في “مدى استعداد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لمصافحة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي”، وألمح أردوغان في عدة مناسبات في الماضي إلى أنه لا يرغب في مقابلة السيسي شخصيًّا، لكنه سيسمح لأعضاء آخرين في حكومته بإجراء محادثات مع القاهرة.
إيماءات النوايا الحسنة
وتطرق التقرير إلى أن تركيا اتخذت بعض الخطوات في الأشهر القليلة الماضية منذ أن بدأ البلدان محادثاتهما السياسية، وذلك لإظهار نواياها الطيبة تجاه القاهرة.
وكان أحد الإجراءات التي اتخذتها أنقرة يتمثل في تعليق ما عَدَّته مصر حملة إعلامية “معادية” للحكومة المصرية، وكذلك أوقفت بعض البرامج التلفزيونية التي تنتقد الحكومة المصرية، ويبدو أن البلدين قد توصَّلا إلى تفاهم حول مساعدة الليبيين في التوصُّل إلى حل سياسي للصراع في بلادهم.
ويقول مراقبون مصريون إن كل هذه الإجراءات تُعد مؤشرات تظهر أن العلاقات يمكن أن تتحسن في المستقبل بين القاهرة وأنقرة. وقال أحمد فؤاد، عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، إن: “الإجراءات التي اتخذتها تركيا على طريق المصالحة مع مصر إيجابية حتى الآن، لكنها ليست كافية. ومع ذلك، يمكن أن تتحسَّن العلاقات إذا غيَّرت تركيا سياساتها الإقليمية وتوقفت عن تهديد المصالح المصرية في المنطقة، والتدخل في الشؤون المصرية الداخلية”، حسب ما يختم التقرير.