الرئيسة \  تقارير  \  “ميدل إيست آي”: نهاية عالم ما بعد 1945.. هل تلوح حرب عالمية جديدة في الأفق؟

“ميدل إيست آي”: نهاية عالم ما بعد 1945.. هل تلوح حرب عالمية جديدة في الأفق؟

13.12.2021
ساسة بوست


ساسة بوست
الاحد 12/12/2021
أعدَّ الكاتب الصحفي جو جيل مقالًا نشره موقع “ميدل إيست آي” الإخباري البريطاني سلَّط فيه الضوء على أن النظام العالمي الذي تشكَّل بعد عام 1945 قد ينتهي قريبًا في ظل انتشار النزعة الفوضوية الثنائية والقومية الشعبوية، مؤكدًا أن العالم قد يشهد حروبًا عالمية مع انتشار الأيديولوجيات العنصرية ووجود النزعة العسكرية الاستعمارية، التي دفعت العالم نحو صراع شامل في أوائل القرن الماضي.
الانسحاب من أفغانستان يضاهي انهيار الإمبراطورية البريطانية!
استهل الكاتب مقاله بالقول إن المواجهة بين روسيا وحلف “الناتو” بشأن أوكرانيا أدَّت إلى أن يصبح لقاء وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكين، ونظيره الروسي، سيرجي لافروف، في العاصمة السويدية استوكهولم الأسبوع الماضي لقاءً فاترًا. ومع تصاعد التوترات بشأن تحركات القوات الروسية على الحدود الأوكرانية، حذَّرت موسكو من أن أي توسع إضافي لحلف الناتو باتجاه الشرق ليشمل أوكرانيا وجورجيا سيُعد تجاوزًا خطيرًا “للخطوط الحمراء”.
وينقل المقال عن بلينكين قوله إن الرئيس الأمريكي بايدن سيلتقي نظيره فلاديمير بوتين قريبًا، وهو اجتماع قد يؤدي إلى تجنب تحوُّل أي تصعيد إلى صراع. ومع ذلك، فإن مستوى التوترات في أوروبا الشرقية وغيرها من البؤر الساخنة في العالم، مثل تايوان، يشير إلى تفاقم حالة عدم الاستقرار مع تخلي الولايات المتحدة عن دورها السابق بوصفها شرطي العالم.
وأشار المؤرخ نيال فيرجسون في وقت سابق من هذا العام إلى أن انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان يضاهي انهيار الإمبراطورية البريطانية في العشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضي، مع زيادة عجز واشنطن عن التصرف بصفتها قوة عالمية على النحو الذي يُشبه عجز لندن قبل قرن مضى، وفي أوائل القرن العشرين، ومع صعود ألمانيا المتظاهرة بالإمبريالية واليابان وانهيار حقبة ما يسمى بـ”باكس بريتانيكا (السلام البريطاني)” التي كانت فيه بريطانيا القوة الأولى في العالم، تَفكَّك النظام القديم خلال حربين عالميتين من العنف غير المسبوق، وجرفت الثورة وانهيار الإمبراطوريات النظام الليبرالي والأرستقراطي الذي كان يحكم قارة أوروبا منذ مؤتمر فيينا عام 1815.
تفوق العِرق الأبيض
يلفت المقال إلى أن المؤرخ فيرجسون، أحد أبرز المعجبين برئيس وزراء بريطانيا إبان الحرب العالمية الثانية، ونستون تشرشل، نادرًا ما رأى حربًا لم يكن يعتقد أن على الغرب خوضها للحفاظ على هيمنته العالمية، لكن تحذيراته بشأن أصداء الثلاثينيات تتجلى بوضوح، وذلك بسبب عدم وجود تصميم غربي قوي يزعم أنه أدَّى إلى انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان، وبدلًا من ذلك، كان السبب الذي أدى إلى اندلاع الحرب العالمية الأولى في منتصف القرن العشرين هو إحياء النزعة القومية العِرقية ذاتها. وأدَّى تفوق العِرق الأبيض الاستعماري، الذي أصبح الأيديولوجية المهيمنة في أوروبا في أواخر القرن التاسع عشر، بعد الحرب العالمية الأولى إلى مولد الفاشية والثورات المضادة في العشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضي، ثم اندلاع حرب عالمية أخرى.
وكان الهدف من تأسيس النظام العالمي ما بعد عام 1945 في أوروبا، وميثاق الأمم المتحدة، يتمثل في ضمان عدم انزلاق العالم من جديد إلى حرب شاملة عن طريق محو آثار القومية العدوانية والتفوق العِرقي، وأدَّى ذلك إلى إحلال السلام في أوروبا، إن لم يكن في سائر أنحاء العالم، على مدار معظم الـ75 عامًا الماضية، مع استثناء حروب البلقان التي اندلعت في تسعينيات القرن الماضي.
وأبرز المقال أن اليمينيين الشعبويين وصلوا إلى السلطة خلال الأعوام الماضية في الولايات المتحدة وفي جميع أنحاء شرق أوروبا ووسطها، ولديهم وجهات نظر رجعية جدًّا بشأن الصراعات الكبرى التي شهدها القرن الماضي. ويُعد كلٌّ من المواجهة الأخيرة على الحدود بين بولندا وبيلاروسيا، والتي استُخدم فيها لاجئو الشرق الأوسط بوصفهم بيادق في اللعبة السياسية، والتوترات في أوكرانيا، بمثابة علامتَيْن تحذيريتَيْن على أن الدروس المستفادة من القرن الماضي بدأت تُنسى شيئًا فشيئًا.
المملكة المتحدة وإسرائيل
ينوه المقال إلى أن بريطانيا ما بعد البريكست (خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي)، المنفصلة حاليًا عن الاتحاد الأوروبي، باتت تعمل بنشاط لنبذ النظام الدولي “القائم على القواعد” الذي تدعي أنها تدعمه، وأرسلت مؤخرًا قوات إلى الحدود البولندية، لأنها متحالفة تحالفًا وثيقًا مع الأنظمة القومية الشعبوية في أوروبا مثل المجر وبولندا. كما أن المملكة المتحدة تقترب حاليًا أكثر فأكثر من إسرائيل، التي تُعد صديقًا مقربًا وحليفًا عسكريًّا لجميع الحكومات القومية اليمينية في أوروبا. وبالفعل، تُعد إسرائيل القومية العِرقية لاعبًا أساسيًّا في محور اليمين العالمي الجديد.
وفي الأسبوع الماضي، وقَّعت بريطانيا وإسرائيل اتفاقية دفاعية وتجارية قالت عنها وزيرة الخارجية البريطانية، ليز تروس، ونظيرها الإسرائيلي، يائير لابيد، إنها ستشجع على تحقيق إنجازات تكنولوجية، وأن إسرائيل ستصبح بموجبها “شريكًا رسميًّا من الدرجة الأولى للمملكة المتحدة في مجال الأمن الإلكتروني”. كما قال كريس دويل، مدير مجلس التفاهم العربي البريطاني، لموقع “ميدل إيست آي” إنه: “بالنظر إلى سجل إسرائيل في حقوق الإنسان، فمن الخطير جدًّا أن تقبل المملكة المتحدة التعامل مع التكنولوجيا الإسرائيلية الفائقة”.
ويشير المقال إلى أن إسرائيل، بما تتميز به من براعة عسكرية وتكنولوجية، تُقدِّم مجموعة فريدة من الأسلحة وأنظمة المراقبة لعدد من الدول في أربع قارات. وفي المقابل، تسعى إسرائيل للحصول على التزامات سياسية مهمة، والتي ترتبط في المقام الأول بتعريفها الشامل والمتحيز للإرهاب ومعاداة السامية، والموافقة على احتلالها الدائم للأراضي الفلسطينية. وسواء كانت المملكة المتحدة أو أوروبا الشرقية أو الهند، فإن تَقبُّل إسرائيل على هذا الوضع يقترن بمجموعة من “القيم” التي تتعارض مع التعددية الديمقراطية والسلام العالمي.
وتُوضح الطريقة التي ينتشر به مصطلح معاداة السامية عبر الجامعات البريطانية في مواجهة الأنشطة المؤيدة للفلسطينيين، وخاصة تلك التصريحات التي يُطلقها كير ستارمر زعيم حزب العمال، لسحق أعضاء الجناح اليساري في حزبه، أن الاصطفاف الوثيق مع إسرائيل ليس مجرد مسألة عسكرية وعلاقات استخباراتية، لكن هذا الاصطفاف الوثيق يتضمن باستمرار نظامًا سياسيًّا مكارثيًّا يستهدف مؤيدي التحرر الوطني والديمقراطية والمساواة في أي مكان.
ويضيف المقال أنه منذ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وانتخابات 2019، عززت المملكة المتحدة علاقاتها العسكرية مع إسرائيل، بعد شراء نظام استهداف عن بعد بقيمة 137 مليون دولار للجيش البريطاني، ولأول مرة منذ عام 1948، حلَّقت طائرات سلاح الجو الملكي فوق إسرائيل، وتعاقدت بريطانيا أيضًا مع شركات تصنيع الطائرات الإسرائيلية من دون طيار “أنظمة إلبيت” لتنفيذ دوريات على الشواطئ البريطانية ضد اللاجئين الفارين من الاضطهاد والحروب والعقوبات المدعومة من الغرب في الشرق الأوسط.
نهاية حقبة
يوضح المقال أن النزعة الثنائية أصبحت مسمى اللعبة التي تسير بها الأمور في النظام الجيوسياسي الفوضوي الذي حل محل النظام الحكومي الدولي العادي الذي أُنشئ بعد الحرب العالمية الثانية. ويشجِّع هذا النظام غير الرسمي، الذي يفضله بشدة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، السياسات الخارجية المتهورة والمُغامِرة، ويُزِيد من فرص المواجهة العسكرية في بؤر التوتر الساخنة في العالم.
وخلال الأشهر الثمانية عشر الماضية، اندلعت حرب في القوقاز مع تركيا وإسرائيل؛ مما منح أذربيجان التفوق العسكري على عدوها أرمينيا، كما تصاعدت الحرب الأهلية في إثيوبيا، وشهدت اليمن تصعيدًا لأعمال العنف في حربها التي طال أمدها، بينما تبدو الجزائر، في شمال أفريقيا، على أهبة الاستعداد للدخول في مواجهة مع المغرب، الذي شجعه تحالفه العسكري المتزايد مع إسرائيل.
أما هيكل ما بعد الحرب الخاص بالأمم المتحدة والناتو والتعددية فقد جرى تجاوزه لصالح تحالفات مرحلية مثل اتفاقية “أوكوس” الأمنية التي تشكلت مؤخرًا بين أستراليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، والتي تهدف إلى احتواء الصين الصاعدة، ومن غير الضروري أن تكون الحرب الباردة بين الصين والغرب أكبر مصدر للصراع المحتمل، بل إن الصراعات المحلية مثل التي في أوكرانيا والجزائر والمغرب، أو الحرب الأهلية في إثيوبيا يمكن أن تتصاعد في ظل غياب قوة مهيمنة قوية، أو عدم وجود تحكيم دولي لاحتواء الاضطرابات.
تهديد اليمين
أفاد المقال بأنه على صعيد الساحة العالمية، أصبح تراجع قوة الولايات المتحدة في مواجهة الصراعات الإقليمية وأزمة التغير المناخي من السمات المميزة للجغرافيا السياسية في هذه اللحظة التاريخية، وقد لوحظ هذا الأمر في قمة المناخ “كوب 26” التي انعقدت في مدينة جلاسكو الأيرلندية الشهر الماضي، عندما بدا أن طاقة الوقود الأحفوري في المملكة العربية السعودية والصين والهند هي التي تحتل الصدارة وتضعف الالتزامات المتعلقة بخفض الانبعاثات، وبدا أن هناك تداخلًا كبيرًا جدًّا بين الاستقطاب السياسي الموجود داخل الولايات المتحدة وعجزها على الصعيد الدولي.
وتبددت لحظة الأمل التي صاحبت فوز جو بايدن في الانتخابات في نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي بسبب عدم قدرة الرئيس الأمريكي ومرشح الحزب الديمقراطي على الوفاء بوعود إبرام عقد اجتماعي جديد مع الشعب الأمريكي، وبدأت الحكومة في تقليص مشروع قانون بايدن للبنى التحتية لصالح تنفيذ خطة إنفاق عادية، في حين أن مقترحات خطة إعادة البناء الأفضل الخاصة برعاية الأطفال المدفوعة الأجر، والإجازة الأبوية الأساسية، والرعاية الطبية الواسعة النطاق، والاتفاقية البيئية الجديدة قد تمضي جميعها إلى النهاية ذاتها، بمعنى أن يعترض عليها نواب الحزب الجمهوريون والجناح اليميني من الديمقراطيين، لنصل إلى حالة الجمود التي تعيشها واشنطن.
ويؤكد المقال أن الوسطية الليبرالية المتشبثة بالنظام النيوليبرالي المحتضر تبدو غير قادرة على تكوين ائتلاف عريض لدحر قوى الجمهوريين مؤيدي الأيديولوجية الترامبية، وقد تأتي المحاسبة في انتخابات التجديد النصفي لعام 2022 ومن ثم عودة محتملة لترامب إلى السلطة في عام 2024، مع تقدم الجمهوريين في استطلاعات الرأي الأخيرة، وإذا لم يتولد الأمل بين الأمريكيين من الطبقة العاملة، فإن ترامب لديه وصفة مجرَّبة ومختبَرة من نشر الخوف والتعصب والاستياء تجاه الدولة، والتي تعززها حاليًا المعركة الجديدة القائمة حول تدابير احتواء جائحة كوفيد-19.
وفي أوروبا، ستشهد الانتخابات الرئاسية الفرنسية التي ستجرى في عام 2022 تنافس مرشحين من اليمين المتطرف ضد الليبرالية الجديدة الاستبدادية للرئيس الحالي، إيمانويل ماكرون، مع عدم وجود أي مؤشر على وجود مرشح يساري موثوق به يقدم نفسه بديلًا للناخبين الفرنسيين، وإذا فاز اليمين المتطرف، فإن ميل الاتحاد الأوروبي إلى النظم الاستبدادية سيكون مشحونًا بعنف، (وفي ألمانيا، طرح تحالف يسار الوسط – الأخضر – الليبرالي خططًا جريئة بشأن التغير المناخي والهجرة، لكن يتعين عليه التعامل مع جائحة كوفيد المتجددة التي يمكن أن تلقي بظلالها على أهدافه الأخرى).
ويختتم الكاتب مقاله بالإشارة إلى أنه في ظل ما تحققه النزعة الفوضوية الثنائية والقومية الشعبوية من تقدم وانتشار، فإن العقد الحالي لديه كل المقومات التي تجعله يكتب نهاية عصر النظام العالمي ما بعد عام 1945. وفي أوائل القرن العشرين، دفعت الأيديولوجيات العنصرية والنزعة العسكرية الاستعمارية العالم نحو صراع شامل. وللأسف، يُمكن أن تُكرر نسخة أعيد تقديمها من السياسات نفسها ذلك الصراع الشامل من جديد.