الرئيسة \  تقارير  \  ميديا لاين: المصالح أولًا.. إسرائيل ما زالت تتجاهل الغرب في فرض العقوبات على روسيا

ميديا لاين: المصالح أولًا.. إسرائيل ما زالت تتجاهل الغرب في فرض العقوبات على روسيا

09.06.2022
ساسة بوست


ساسة بوست
الاربعاء 8/6/2022
نشرت وكالة “ميديا لاين” الأمريكية المتخصصة في شؤون الشرق الأوسط تقريرًا أعدَّته الصحافية الإسرائيلية كسينيا سفيتلوفا، أستاذة مشاركة في الجامعة العبرية، توضح من خلاله إلى أي مدى أثَّرت الحرب في أوكرانيا على التجارة بين إسرائيل وروسيا وكيف تعاملت الجاليات الإسرائيلية الناطقة بالروسية، من روسيا وأوكرانيا على حد سواء، مع تداعيات الحرب؟ وأكدَّت أن إسرائيل تظل هي الدولة (الغربية) الوحيدة – وفق وصف التقرير- التي لم تفرض عقوباتٍ على الكيانات أو رؤوس الأموال الروسية.
استهلت الكاتبة تقريرها، التي أعادت صحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية نشره، بالإشارة إلى عددٍ من الشواهد التي تُثبت استمرار التجارة الإسرائيلية الروسية على الرغم من الحرب الأوكرانية، مثل عرض لرقص الباليه الروسي في تل أبيب، والعثور على المنتجات الروسية التي تحمل العَلَم الروسي بسهولة في المتاجر الإسرائيلية، كما أن إسرائيل تُصدِّر خضراواتها إلى روسيا، بينما توفر شركة الخدمات الإلكترونية “يانجو ديلي”، وهي جزء من مجموعة “ياندكس” الروسية العملاقة، سيارات الأجرة وخدمات توصيل المشتريات إلى الإسرائيليين.
ويؤكد التقرير أن إسرائيل في الوقت الحاضر تُعد الدولة الغربية الوحيدة التي لا تفرض أي عقوباتٍ على الكيانات أو رؤوس الأموال الروسية. ومع ذلك، توجد بالفعل قيود مالية دولية، متسائلًا: إلى أي مدى أثَّرت الحرب في أوكرانيا على العلاقات التجارية بين إسرائيل وروسيا وكيف تعاملت الجاليات الإسرائيلية الناطقة بالروسية من روسيا وأوكرانيا مع تداعيات الحرب؟
ياندكس تخطط لنقل مقرها إلى إسرائيل
يلفت التقرير إلى أن إعلانات شركة الخدمات الإلكترونية “يانجو ديلي”، وهي خدمة توصيل جديدة تُمكن العميل من الحصول على إمدادات سريعة من الحليب أو الخبز أو أي منتج آخر في وقت قياسي يبلغ 15 دقيقة فحسب، شوهدت مؤخرًا في عدد من المدن في جميع أنحاء إسرائيل. وتُعد يانجو، اختصارًا لـ”ياندكس جو” وهي علامة تجارية دولية تابعة لمجموعة “ياندكس” الروسية أو ما يمكن تسميتها بـ”جوجل” الروسية، والتي أصبحت مجموعة عملاقة بدأت عملها محركًا للبحث وتوفر حاليًا أي شيء بداية من سيارات الأجرة والدراجات البخارية ووصولًا إلى الشحن وتوصيل البضائع وانتهاءً بتقديم الأخبار والمعلومات.
ويضيف التقرير أن “ياندكس” تُوظِّف 450 شخصًا في إسرائيل، ووفق المنشورات الصادرة حديثًا في وسائل الإعلام الروسية والإسرائيلية، تخطط “ياندكس” لنقل مقرها الرئيس إلى إسرائيل، بالإضافة إلى التخطيط لتقسيم الشركة إلى قسمين روسي والآخر دولي. وقد أدرج الاتحاد الأوروبي مؤخرًا تيجران خودافيرديان، نائب الرئيس التنفيذي لشركة “ياندكس” (سرعان ما استقال من الشركة)، إلى قوائم العقوبات الخاصة بالاتحاد.
ولاحظ الناشطون والمراقبون المؤيدون لأوكرانيا أيضًا أن محرك بحث “ياندكس” لا يقدم سوى صور للمرحلة التي سبقت الحرب في قرية “بوتشا”، التي يُزعم أن الجيش الروسي ارتكب فيها مذابح. وقدَّم عدد من مسؤولي “ياندكس” استقالتهم بعد فترة وجيزة من إعلان ما حدث في بوتشا. وقال دينيس دلوجاتش، إسرائيلي من أصل أوكراني وناشط في منظمة “أصدقاء أوكرانيا الإسرائيليون” غير الحكومية، لوكالة “ميديا لاين” إن: “المشكلة الأساسية مع ياندكس هي أنها تلاعبت بالبيانات والمعلومات، ومن ثم فهي تتلاعب بالرأي العام”.
وتابع دلوجاتش قائلًا إن: “الأشخاص الذين يرغبون في معرفة الحقائق لن يتمكنوا من القيام بذلك من خلال “ياندكس”. ولذلك، فإنه أمر بالغ الأهمية أن تفهم إسرائيل أيَّ شركة تلك التي تسمح لها بممارسة نشاطها في البلاد. ويمكن لـ”ياندكس” وضع أي شيء في الخوارزميات الخاصة بهم (ولن يعرف أحد على الإطلاق) وهذا بدوره سيسهل مهمة التلاعب بالرأي العام. وعلاوةً على ذلك، تواصِل الشركة دفع الضرائب في روسيا، ونحن نعرف كيف تستخدم الدولة الروسية هذه الأموال”.
إسرائيل بين موسكو وكييف
يتطرق التقرير إلى إشكالية أخرى حذَّر منها رومان برونفمان، رجل الأعمال وعضو الكنيست السابق المولود في أوكرانيا، خلال حديثه إلى وكالة “ميديا لاين”، قائلًا: “بصفةٍ شخصية، توقفتُ عن التعامل مع روسيا منذ عام 2014، وعلى الرغم من ذلك فإنني أفهم اعتماد السوق عندما نتحدث عن شركات لا تتورط في الصناعة العسكرية أو مبيعات الأسلحة. لكن شركة “ياندكس” فروعها منشغلة في جمع المعلومات والبيانات، ويُمكن أن تعرض الأمن الإسرائيلي للخطر. لذلك، يجب أن يتوقف نشاطها في إسرائيل على الفور”.
ودعا برونفمان وزيرة الاقتصاد والصناعة في إسرائيل، أورنا باربيفاي، إلى استخدام سلطاتها لوقف أنشطة “ياندكس” في إسرائيل. وردًّا على سؤال طرحته وكالة “ميديا لاين”، قال المتحدث باسم الوزارة إن: “الموضوع ليس من مسؤولية وزارة الاقتصاد. ولن تضع إسرائيل قيودًا على أنشطة الشركات الدولية التي تعمل وفق القانون”.
وحتى الآن، تتجنب الحكومة الإسرائيلية فرض عقوباتٍ على روسيا أو توجيه أي انتقادات لنظام فلاديمير بوتين، في محاولة منها للحفاظ على التوازن بين موسكو وكييف. ونظرًا إلى أن الحكومة الإسرائيلية لم تفرض أي عقوبات على الأوليجارشية الروسية ولم تستحوذ على أصولها، مما شجَّع عددًا كبيرًا من المليارديرات الروس ذوي الأصول اليهودية للهجرة إلى إسرائيل.
السوق الإسرائيلية تعج بالمنتجات الروسية
يُنوِّه التقرير إلى أنه في الوقت الذي تعاني فيه أوروبا والولايات المتحدة وكندا وغيرها من الدول الغربية من جرَّاء الاعتماد على النفط والغاز الروسيين وتوسيع نطاق العقوبات الحالية، يمكن العثور على المنتجات الروسية الصنع، بداية من الآيس كريم ووصولًا إلى زيت الطهي، في معظم محلات السوبر ماركت المنتشرة في جميع أنحاء إسرائيل، ويمكن مشاهدة عروض رقص البالية الروسي الذي يؤديه فنانون روسيون (مؤخرًا مسرح الباليه الوطني الروسي) وتواصل القنوات التلفزيونية الحكومية الروسية، مثل القناة الأولى، بثُّه على نحو معتاد.
وأبرز التقرير أن عددًا قليلًا من الحفلات الموسيقية يؤديها فنانون روس يدعمون بوتين قد أُلغيت بسبب ضغوط من ناشطين مؤيدين لأوكرانيا، مما أثار نقاشًا حادًّا بين الإسرائيليين الداعمين لهذا النوع من النشاط وبين المعارضين. وكتبت مارينا بولينسكي، وهي من أهل مدينة بئر السبع الإسرائيلية، على “فيسبوك” قائلةً “يجب على الناس أن يختاروا بأنفسهم. وهذا ما يحدث في الدول المتحضرة. من الذي سيُقرر الأشخاص المسموح لهم بأداء العروض والأشخاص غير المسموح لهم في إسرائيل؟ ولا يتعين على الفنانين الإجابة عن هذه الأسئلة، إذ ليس عليهم سوى تقديم العروض وإسعاد الجمهور”.
ومن جانب آخر، دعم مئات الإسرائيليين من مستخدمي “فيسبوك” بحماسة إلغاء الحفلات الموسيقية المحدد إقامتها لجريجوري ليبس وإيلينا فينجا وغيرهم من فناني الأداء الروس المعروفين بدعمهم لنظام بوتين.
تجاهل العقوبات على روسيا
يرصد التقرير حجم التجارة بين إسرائيل وروسيا، مشيرًا إلى أن قيمتها بلغت في عام 2021 نحو 3.5 مليار دولار، منها نحو 3.16 مليار دولار في شكل بضائع وسلح ونحو 350 مليون دولار خدمات، وفقًا لبيانات إدارة التجارة الخارجية في وزارة الاقتصاد الإسرائيلية. وكانت الأرقام قد زادت بنسبة 52% عن عام 2020. أما عن الأرقام الرسمية بشأن الصادرات والواردات مع روسيا في عام 2022، فقد أفادت وزارة الاقتصاد الإسرائيلية بأنه لا يمكن نشرها حتى الآن.
وفي مارس (آذار) الماضي 2021، أُعلن أن إسرائيل لن تُصدر ضمانًا ائتمانيًّا للشركات الإسرائيلية التي واصلت أعمالها مع روسيا، لكن بعض الشركات استمرت في التصدير إلى روسيا والعمل معها دون الحاجة إلى هذا الضمان. وقالت مصادر في قطاع إنتاج الخضراوات لـ”ميديا لاين” إن: “هناك كثيرًا من الغموض بشأن استمرار التعاون مع الاتحاد الروسي، خاصة فيما يتعلق بقدرة الشركات الروسية على تحويل المدفوعات الدولية”.
وأوضح التقرير أنه في الوقت الذي قامت فيه شركات التكنولوجيا الفائقة الإسرائيلية الكبيرة مثل “ويكس دوت كوم” و”فايفر” و”بلايتيكا” و”تيبالتي” بتعليق أو سحب عملياتها التجارية في روسيا بسبب العدوان الروسي في أوكرانيا، هناك أكثر من 100 شركة أخرى لا تزال تعمل في روسيا، بما في ذلك “تشيك بوينت” و”تاديران” و”جوتكس” و”نيتافيم” و”أهافا”. كما أن صناعة الماس الإسرائيلية تواصل حتى اليوم استيراد الأحجار الخام من شركة “ألروسا” المملوكة للدولة الروسية.
100 يوم من اندلاع الحرب في أوكرانيا
وفي هذا الصدد، قال برونفمان إن “إسرائيل كانت حذرة جدًّا بشأن العلاقات والشؤون المالية الدولية منذ أن بدأت البنوك الإسرائيلية عملها في جميع أنحاء العالم. وعادةً ما تكون الهياكل المالية والتأمينية الإسرائيلية حريصة جدًّا وتتجنب ممارسة الأنشطة التجارية في روسيا. لكن هؤلاء الذين يواصلون العلاقات التجارية الروسية يفعلون ذلك على مسؤوليتهم الخاصة”.
وفي الآونة الأخيرة، رفع ديفيد دافيدوفيتش، الشريك التجاري للملياردير الروسي الإسرائيلي رومان أبراموفيتش، دعوى قضائية ضد بنك “هبوعليم” الإسرائيلي بعد أن حظر حسابه وأوقف بطاقته الائتمانية. وبدوره، ردَّ بنك هبوعليم أنه تصرف وفقًا للعقوبات البريطانية التي فُرضت على دافيدوفيتش في أبريل (نيسان). ويعتقد بعض الخبراء في إسرائيل أن دافيدوفيتش كان يعد واجهة لأبراموفيتش وكذلك حسابه المصرفي.
وأشار التقرير إلى أنه بعد مرور نحو 100 يوم من اندلاع الحرب في أوكرانيا، ربما تكون التجارة الإسرائيلية مع روسيا قد شهدت تباطؤًا بسبب القيود المالية الدولية، وصعوباتٍ في شحن البضائع، وغير ذلك. ومع ذلك، ونظرًا إلى عدم وجود أي عقوبات أو أساس تشريعي إسرائيلي، يواصل عديد من الشركات الإسرائيلية والروسية تعاملاتها معًا على النحو المعتاد.
وفي ظل عدم وجود بيانات أساسية من وزارة الاقتصاد الإسرائيلية لعام 2022، سيتعذر التحدث عن الأرقام، لكن لا يزال من السهل الحديث عن الجوانب السياسية للعلاقات التجارية بين البلدين: إن إسرائيل لا تزال مترددة في اتخاذ إجراءات ضد الأوليجارشية الروسية، و”جوجل” الروسية وما زالت تتعاون مع الشركات التي تديرها الدولة الروسية. ويؤكد برونفمان إن: “هذا السلوك بالتأكيد استثناء بالغ الخطورة لما أصبح أساسًا في الغرب”. وفق ما تختم به الكاتبة تقريرها.