الرئيسة \  واحة اللقاء  \  مَن يحمي مسيحيي الشرق؟

مَن يحمي مسيحيي الشرق؟

04.08.2014
د. شملان يوسف العيسى



الاتحاد
الاحد 3/8/2014
قامت فرنسا باتخاذ خطوة حضارية متقدمة بعرضها استقبال مسيحيي العراق، حيث أعلن وزيرا الداخلية والخارجية الفرنسيان، برنار كازنوف ولوران فابيوس، عن استعدادهما لتسهيل استقبال مسيحيي العراق المعرضين للاضطهاد من مسلحي تنظيم "داعش". وتأتي هذه الخطوة الفرنسية بعد أن صمتت الدول والشعوب العربية على ما يحدث للمسيحيين في العراق ومصر وغيرهما من الدول. وإلى ذلك فقد تحرك الرأي العام الفرنسي، وعلى رأسه السياسيون والحقوقيون ومنظمات المجتمع المدني، لمطالبة السلطات الفرنسية بحماية مسيحيي الشرق.
والسؤال هو: لماذا لم تتحرك الدول العربية لإنقاذ المسيحيين العرب وجميع الأقليات في الوطن العربي من بطش جماعات الإسلام السياسي، رغم حقيقة أن المسيحيين العرب هم السكان الأصليون في بعض البلدان قبل الفتوحات الإسلامية، وقد عاشوا كجزء من الشعب الواحد تحت لواء الدول القومية والعلمانية لفترة طويلة.. قبل وصول جحافل الإسلام السياسي التكفيرية؟
ولا يتسع المجال هنا لشرح الدور الكبير الذي لعبه المسيحيون العرب طوال التاريخ الإسلامي، ودورهم المهم في النهضة والثورة العربية ضد الهيمنة التركية في الفترة العثمانية، حيث ناضل المثقفون والتنويريون العرب من المسيحيين والمسلمين لرفع راية العروبة، ورفضوا الوصاية والاستعمار البريطاني والفرنسي والإيطالي.
علينا كعرب الإقرار والاعتراف بأن التفرقة ضد إخوتنا من الأقليات، سواء كانوا مسيحيين أو شيعة أو قوميات وأديان ومذاهب أخرى، هي السبب الرئيسي لحالة عدم الاستقرار والحروب الأهلية التي تسود أكثر من دولة عربية. فالسودان كان دولة موحدة وتمزقت، والآن نشهد تمزق العراق وسوريا ولبنان بسبب زج الدين في السياسة وإهمال القضية الوطنية التي تجمع فئات المجتمع تحت لواء الدولة المدنية وليس الدين أو المذهب.
إنه لأمر مزعج ما حدث في العراق بعد جرائم "داعش" بتهجير وإجبار المسيحيين على دخول الإسلام أو دفع الجزية أو المغادرة وترك بيوتهم وممتلكاتهم! مَن يصدّق أن مثل هذه التصرفات الإجرامية تحدث في القرن الحادي والعشرين؟ لم يعد كافياً ترديد الكلام السابق بأن الإسلام دين الوسطية والاعتدال والتسامح وحب الخير للجميع وأنه بريء من كل هذه الجرائم، وأن ما يقوم به بعض الأفراد لا يمثل الإسلام الحقيقي، فهذا الكلام يردده مشايخ الدين ورؤساء الأحزاب الدينية من "إخوان" وسلف ونقرأه في المدارس وتصدح به وسائل الإعلام الرسمية وغير الرسمية وتردده منابر المساجد.. لكن كل أساليب التوجيه الديني والوعظ لم تمنع عمليات الإرهاب والعنف التي تمارَس ضد إخوتنا من المسيحيين العرب.
يخطئ من يظن بأن ممارسات "داعش" ظاهرة فردية؛ فعملية العزل والإقصاء وعدم المساواة موجودة في معظم الدول العربية؛ ففي بعضها يمنع تشييد الكنائس لممارسة الطقوس الدينية.. بينما تسمح جميع الدول المتحضرة في الغرب ببناء المساجد. وبعض الدول العربية أصدر برلمانها المنتخب من الشعب قانوناً عنصرياً يمنع التوسع في تجنيس المسيحيين! وفي بلد عربي آخر متعدد الخلفيات تم حرق 60 كنيسة في يوم واحد، وفي العراق تحديداً يتم تخريب الكنائس وهدم المقابر لا لشيء إلا لأنها لغير المسلمين!
وأخيراً نتساءل: لماذا التزمت الجامعة العربية ودولها الصمت تجاه ما يحدث من قتل وتشريد وتهجير للأقليات المسيحية؟ لا يمكن وقف ما يحدث من قتل وتشريد واضطهاد للأقليات إلا بوجود أنظمة ديمقراطية مدنية تؤمن بدولة القانون التي أساسها المواطنة وليس الدين أو المذهب.