الرئيسة \  تقارير  \  “ناشيونال إنترست”: ما هو سلاح روسيا “السري” لغزو بحر البلطيق؟

“ناشيونال إنترست”: ما هو سلاح روسيا “السري” لغزو بحر البلطيق؟

08.11.2021
ساسة بوست


ساسة بوست     
الاحد  7/11/2021
سلَّط الكاتب كارول أولك الضوء على سلاح سري مهم وخطير يُمكن لروسيا أن تستخدمه إذا أرادت غزو دول بحر البلطيق، وسوف يمكِّنها من الاستيلاء على هذه الدول في غضون أيام، وهو سلاح المظلات أو الجنود المحمولين جوًّا، وذلك في تقرير نشرته مجلة “ناشيونال إنترست” الأمريكية سابقًا في عام 2017، وأعادت نشره مؤخرًا.
كيف يُنفَّذ هذا الغزو؟
يستهل الكاتب تقريره بالتأكيد على نقطة أساسية مهمة وهي أن روسيا يمكنها الاستيلاء على دول بحر البلطيق باستخدام هذا السلاح في غضون أيام إذا أرادت ذلك. وفي شهر فبراير (شباط) عام 2016 نشرت مؤسسة راند، وهي مؤسسة فكرية مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بسلاح الجو الأمريكي، ورقة بحثية حذَّرت فيها من أن الغزو الروسي لدول بحر البلطيق يُمكن أن يصل إلى عاصمتي لاتفيا وإستونيا (ريغا وتالين) في أقل من ثلاثة أيام حتى بعد أسبوع من الإنذار.
ولكن هناك عاملًا قد يجعلنا لا نحسب مدى سرعة اجتياح روسيا للمنطقة حسابًا دقيقًا، ويتمثل هذا العامل في إرسال الكرملين الجزء الأكبر من قوات المظلات المحمولة جوًّا، واستخدام عنصر المفاجأة. وفي هذه الحالة ربما تظفر روسيا بالنصر في هذه المعركة في غضون ساعات، وليس أيام.
ويُجيب الكاتب عن تساؤل بشأن كيفية تنفيذ مثل هذا الغزو؟ قائلًا: إن روسيا ستقصف وابلًا من الصواريخ، وتشن غارات جوية عند بزوغ الفجر؛ مما يشل دفاعات دول البلطيق، وبعد ذلك تُنفذ عملية عسكرية واسعة النطاق لقوات المظلات مدعومةً بتوغل بري من منطقة كالينينجراد الروسية المعزولة على نطاق صغير في ليتوانيا. وقبل أن يستوعب حلف الناتو ما حدث، ناهيك عن إمكانية الرد عليه، سيكون الأمر قد انتهى.
هل يستحيل حدوث ذلك؟
يقول الكاتب دعونا نلقي نظرة على الأرقام، مستشهدًا بما أفاده المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية (معهد أبحاث بريطاني في الشؤون الدولية) أن إستونيا لديها 5 آلاف و300 جندي بري في الخدمة الفعلية اعتبارًا من عام 2016، في حين أن لاتفيا لديها 4 آلاف و450 جنديًا بري في الخدمة الفعلية، أما ليتوانيا فلديها 6 آلاف جندي، وهو ما يجعل عدد قوات دول البلطيق مجتمعة 15 ألفًا و750 جنديًا.
وأكدَّ المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية أن هذه الأرقام لا تشمل أفراد القوات البحرية والجوية، وهي صغيرة الحجم نسبيًّا. كما أن هذه الأرقام لا تتضمن جنود الاحتياط وبعض القوات شبه العسكرية والقوات الحليفة لـ”حلف شمال الأطلسي (الناتو)”، والتي يجري تدوير وحداتها وأفرادها بصفة منتظمة في المنطقة. ويمكن لإستونيا أن تستدعي 12 ألف عضو من أعضاء رابطة الدفاع الإستونية (اسم للقوات المسلَّحة شبه العسكرية الموحَّدة لجمهورية إستونيا)، ويمكن أن تستدعي ليتوانيا 11 ألفًا و300 مقاتل من مقاتلي الميليشيات.
ويستدرك كاتب التقرير قائلًا: ومع ذلك فإن هذه القوات مجتمعةً لن تكون على الأرجح جاهزة في آنٍ واحد، وينطبق الأمر نفسه على جنود الاحتياط. ومن غير الممكن كذلك افتراض توافر جميع القوات البرية الفعلية لدول البلطيق أثناء شن هجوم مباغت، نظرًا للخلل المحتمل حدوثه في إمكانية تواصل حكومات دول البلطيق خلال الساعات الأولى من بدء الغزو.
ويلفت التقرير إلى أن القوات الروسية المحمولة جوًّا تتكون وحدها من أربع فرق وستة ألوية/أفواج، ويبلغ مجموع أفرادها أكثر من 45 ألف فرد. وبصرف النظر عن التفوق العددي، يُعد هؤلاء الجنود الروس أفضل تأهبًا وتدريبًا من خصومهم المحتملين، إلى جانب أن بمقدورهم الاعتماد على تفوق سلاح الجو الروسي الساحق لعدة أيام على الأقل.
غير أن روسيا لا تستطيع نشر تلك القوات بأكملها دفعة واحدة، حتى لو أرادت ذلك. وتكمن إحدى المشكلات في النقل الجوي. وقد كشفت دراسة أجراها مؤلفها عن طائرات النقل الروسية النشطة وقدرتها على النقل ومعدلات توافرها، أن الجيش الروسي يمكنه، من الناحية النظرية، عند العمل بأقصى طاقته نقل نصف سلاح المظلات، وذلك في أحسن الأحوال.
ويشير التقرير إلى أن روسيا تعتمد عادةً على طائرات النقل من طراز (إليوشن إي إل-76) ذات الأربعة محركات لإنزال جنود المظلات ذوي القبعات الزرقاء أثناء التدريبات. ومع ذلك لا يمكننا استبعاد احتمالية تحليق القوات الروسية المحمولة جوًّا في المعارك على متن أنواع أخرى من الطائرات، على أقل تقدير باتجاه المطارات التي جرى الاستيلاء عليها.
وهذا لا يعني أن روسيا ستُنفِّذ عملية عسكرية بالقوات المحمولة جوًّا بالطريقة نفسها إذا كانت ستخوض حربًا. لكن ربما تتمكن روسيا – على الأقل – من شن غارات هجومية بقوة إنزال جوي قوامها حوالي 10 ألاف جندي، وذلك في إطار مجال الاحتمال، إذا نشرت أسطولها بالكامل المكون من 91 طائرة من طراز (إليوشن إي إل-76).
هل يستطيع الجيش الروسي فعلها حقًّا؟
وردًا على هذا التساؤل يُنوه التقرير إلى أن قوات الجيش الروسي المحمولة جوًّا تتدرب بالتأكيد لتنفيذ ذلك بالضبط. وفي أحد التدريبات العسكرية التي جرت في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2015، جلبت روسيا 10 آلاف جندي من قوات المظلات في المنطقة العسكرية المركزية ليصبحوا في حالة الاستعداد القتالي في غضون 24 ساعة قبل نقلهم عن طريق الجو. وفي عام 2016 نفَّذت روسيا ما لا يقل عن 18 تدريبًا عسكريًّا ضخمًا، وقد تضمنت التدريبات مشاركة القوات المحمولة جوًّا، بل اقتصرت على القوات المحمولة جوًّا فحسب.
وألمح التقرير إلى أن أكبر تدريب جوي أُجري في عام 2016 شارك فيه أكثر من 30 ألف جندي من المنطقة العسكرية الغربية الروسية في المدة من 22 إلى 24 مارس (آذار). وتضمنت التدريبات 3,800 مركبة عسكرية وأكثر من 100 طائرة مروحية هجومية وطائرة حربية. ومع ذلك لم يجرِ إنزال جميع الجنود الذين شاركوا في هذه التدريبات من الجو.
وبالإضافة إلى ذلك، تتمتع منطقة كالينينجراد المعزولة بوجود عسكري هائل يتكون من لواءين من البنادق الآلية ولواء مشاة بحري، إلى جانب حوالي 14 ألف جندي مدعومين من لواء مدفعية. وإذا أراد الكرملين تعزيز قواته، فبإمكانه استدعاء ما لا يقل عن 14 كتيبة أخرى من المنطقة العسكرية الغربية الروسية، والتي تشمل أربع كتائب دبابات.
ويمضي التقرير موضحًا أنه حتى في حالة عدم الإشارة إلى الإصابات الناجمة عن الغارات الأولية، فإن الجيش الروسي سيبدأ غزوَهُ بتفوق عددي هائل من حيث الجنود وجودة المعدات، وفي الوقت نفسه يتميز بتفوق جوي. إن التفوق الجوي الروسي أمر حاسم لنجاح أي هجوم مباغت، لكن هذا التفوق الذي يتميز به الكرملين هنا يُعد مضمونًا فعليًّا على المدى القصير. فإذا بقيت السويد وفنلندا على الحياد، ولم يكن أي منهما عضوًا في الناتو، فسيكون وصول الحلفاء الغربيين إلى المجال الجوي فوق سماء دول البلطيق محدودًا جدًّا في الساعات القليلة الأولى، إن لم تكن الأيام القليلة الأولى، بعد بدء الغزو.
وبغض النظر عن ذلك سيكون العامل الحاسم متمثلًا في المباغتة وفعالية الضربات الأولية، والتي إذا أصابت هدفها فقد تؤدي إلى فوضى في صفوف القوات النظامية لدول البلطيق. وعلى سبيل المثال نجد أن حامية كتيبة المشاة كوبيرجانو المتمركزة في بلدة فورو الإستونية تبعد حوالي 50 ميلًا فحسب عن القاعدة الروسية الموجودة في مدينة بسكوف الروسية. ويبلغ مدى صواريخ إم 528 التي تطلقها قاذفة الصواريخ السوفيتية “بي إم-30 سميرتش” 55 ميلًا.
وأفاد التقرير أن الدراسة التي أجرتها مؤسسة راند خلصت إلى أن السويد ستسمح لحلف الناتو باستخدام أراضيها قاعدةً للطائرات المقاتلة التابعة للحلف، وستؤدي مثل هذه الخطوة إلى وضع السويد على الفور تحت تهديد الانتقام، بما في ذلك الخيار النووي. لذلك لا ينبغي أن يتعامل الحلف مع التعاون السويدي على أنه أمر مسلَّم به.
ويؤكد التقرير أن استغلال روسيا لعنصر المفاجأة واغتنامه سيكون أيضًا أمرًا بالغ الأهمية لمنع دول البلطيق من تعبئة قواتها شبه العسكرية وجنود الاحتياطي الخاصة بها. ومع تدمير الدفاعات، وتعطيل ممرات الاتصالات والبنية التحتية الرئيسة أو خضوعها للسيطرة الروسية، ستكون حكومات المنطقة تحت ضغط هائل للاستسلام، ربما في غضون ساعات قليلة من الهبوط الأولي للصواريخ وجنود المظلات على أراضي دول البلطيق.
ماذا عن بولندا؟
يجيب التقرير على بعض التساؤلات بشأن أنه إذا لم تهاجم روسيا أراضي بولندا خلال الساعات الأولى من الغزو، فهل يجب أن تقوم وارسو بمسؤولياتها بموجب ميثاق حلف الناتو؟ وهل يجب عليها شن هجوم مضاد من تلقاء نفسها؟ وهل يجب أن تهاجم بولندا منطقة كالينينجراد الروسية وتواجه احتمال شن هجوم روسي على بنيتها التحتية؟ أو ربما ضربة نووية؟ موضحًا أن مثل هذه التحركات ستؤدي أيضًا إلى وقف إنتاج النفط والغاز الروسي، والذي تعتمد عليه بولندا بشدة.
إن كل ما تحتاجه روسيا هو يوم واحد أو ثلاثة أيام من التردد لجلب وحدات جيشها النظامي إلى عواصم البلطيق وتعزيز وجودها. فهل يستطيع الناتو تجنب وقوع مثل هذه الكارثة؟ نعم يمكنه ذلك من خلال الردع. والعامل الأساسي لإجبار روسيا على الحرص الشديد لتقييم أي عمل عدواني يكمن في قدرة الحلف على المواجهة والثأر، وامتلاكه الإرادة السياسية لتنفيذ ذلك.
هل هذا التصور ضرب من الخيال؟
يتمنى الكاتب أن يظل هذا التصور خيالًا محضًا؛ إذ من غير المرجح أن تشن روسيا عملًا عسكريًّا عدوانيًّا مباشرًا ضد إحدى الدول الأعضاء في حلف الناتو. ومع ذلك، وكما أثبتت الأحداث التي شهدتها السنوات الماضية، يمكن أن تتحقق حتى السيناريوهات الأكثر استبعادًا.