الرئيسة \  تقارير  \  “ناشيونال إنترست”: هل توقف الديمقراطية طموح “الإمبراطورية الفارسية” في إيران؟

“ناشيونال إنترست”: هل توقف الديمقراطية طموح “الإمبراطورية الفارسية” في إيران؟

31.01.2022
ساسة بوست


ساسة بوست
الاحد 30/1/2022
يتعين على إيران أن تختار بين ما إذا كانت تريد أن تظل الإمبراطورية الفارسية شيعية توسُّعية، أو أن تتحول إلى ديمقراطية متعددة الأعراق، والتي لا يهيمن فيها الفرس والشيعة على المجموعات الإثنية، والعِرقية، والطائفية الأخرى، حسب ما يَخلُص إليه تقرير للكاتب أحمد هاشمي، نشرته مجلة “ناشيونال إنترست” الأمريكية.
ويستهل الباحث في معهد هدسون تقريره بالإشارة إلى أن أي تقدم حقيقي نحو الديمقراطية في إيران قوبل بمعارضة غير منقطعة، والتي نشأت في الأساس من أصحاب الأراضي ذوي النفوذ، والدوائر المحافظة، ورجال الدين الشيعة التقليديين، وغير ذلك من القوى الاجتماعية المهمة، على الرغم من أن إيران حاولت التحرك نحو الديمقراطية على فترات متقاربة منذ الثورة الدستورية عام 1905.
والواقع غير المريح هو أنه على الرغم من مرور قرن على تحوِّلها، هناك عدد لا يحصى من الفصائل، بما في ذلك عدد كبير من الشخصيات والأحزاب السياسية العِرقية الفارسية، التي أشارت إلى استعدادها للتخلي عن آفاق الديمقراطية في مقابل الحفاظ على إيران المعاصرة باعتبارها خليفة للإمبراطورية الفارسية القديمة.
وأشار الكاتب إلى أن المسؤولين الإيرانيين صرحوا مرارًا بأنهم آخر حراس الإمبراطورية الفارسية، وأن مصير إيران مرتبط بمصير الجمهورية الإسلامية. وأثناء الاحتجاجات المناهضة للنظام في نوفمبر (تشرين الثاني) 2018 ذهب النظام الإيراني إلى حد تحذير الجمهور من الاحتجاجات؛ لأن القيام بذلك سيؤدي إلى انهيار البلاد، وتمكين أعدائه الخارجيين من تحويل إيران إلى “سوريا” أخرى.
والغريب في الأمر أن هذا الدافع إلى الحفاظ على الهياكل الاجتماعية التقليدية يتجاوز الفجوات السياسية المعاصرة. كذلك تتبنى قوى المعارضة المختلفة آراءً مماثلة: فعندما بلغت احتجاجات عام 2019 في إيران مستوىً غير مسبوق، ومثيرًا للقلق، قُتِل أكثر من 1500 متظاهر وفقًا لتقرير وكالة “رويترز”، حذرت حركة حرية إيران التي يهيمن عليها الفارسيون من أن “انهيار إيران وشيك”، مُعربةً عن قلقها من أن يتزامن سقوط النظام مع انهيار إيران.
وأشار بعض القوميين العِرقيين الفارسيين العلمانيين، مثل السياسي المنشق ووزير الإعلام والسياحة السابق في عهد شاه إيران، داريوش هُمايون، بوضوح إلى استعدادهم لحمل السلاح والقتال إلى جانب النظام الإسلامي الحالي إذا كان هذا هو ما يتطلبه الأمر للحفاظ على الإمبراطورية الفارسية.
وهذه القضية خطيرة بما يكفي لدرجة أن الباحثة بريندا شافير، التي كتبت باستفاضة عن إيران وجماعاتها العِرقية أكدت أن “إيران تواجه معضلة الديمقراطية: في الدول المتعددة الأعراق حيث تسيطر مجموعة واحدة غير أغلبية على المجموعات الأخرى، فإن التحول الديمقراطي ينطوي على مخاطر فقدان الإمبراطورية”.
ولفت الكاتب إلى أن عددًا كبيرًا من السكان من أصل فارسي، بمن فيهم أعضاء في نظام الشاه السابق، الذين فروا من البلاد بعد الثورة الإسلامية عام 1979، يؤيدون فكرة إقامة إمبراطورية فارسية موحدة على حساب حرمان نصف السكان غير الفارسيين من حقوقهم الأساسية، حتى وإن كان ذلك يعني قبول التسلح النووي لإيران، ودعم فيلق القدس التابعة للحرس الثوري الإسلامي، وتمجيد قائدها الراحل قاسم سليماني. ووفقًا لتقرير نشرته صحيفة “واشنطن بوست”، فإن أردشير زاهدي، آخر سفير لإيران لدى الولايات المتحدة وصهر الشاه السابق، “تحدث أحيانًا بنبرة إيجابية عن النظام الجديد، ودافع عن البرنامج النووي للبلاد، وأشاد بقائد فيلق القدس قاسم سليماني”.
ويدرك النظام الإيراني جيدًا كلًا من هذا الوضع المعقد والرغبة السائدة على نحو خاص بين الفرس في الحفاظ على “الإمبراطورية” والسيطرة على الجماعات العِرقية غير الفارسية في إيران وربما حتى خارجها. وغالبًا ما يستغل النظام هذه الأيديولوجية التوسُّعية، التي يشار إليها عمومًا باسم “إيرانشهر” لتبرير مغامرته العسكرية في الخارج وقمع الأصوات المعارضة المحلية، لا سيما بين المجموعات العِرقية غير الفارسية، التي لديها أسباب أقوى للضغط من أجل الديمقراطية.
وفي إجابة عن السؤال المطروح: لماذا يدعم العديد من القوميين العِرقيين الفرس العلمانيين نظام الملالي الحالي في إيران؟ أوضح الكاتب أن القوميين الفرس العلمانيين يشعرون بقلق بالغ إزاء احتمالية تفكك إيران بسبب عدم المساواة العِرقية العميقة داخل البلاد. ومن المفارقات أن القوميين الفارسيين يُخْفون هذا الخوف عند مشاركة آرائهم مع النقاد الغربيين. ويستشهد الكاتب بالباحث في “المعهد الأمريكي لأبحاث السياسة العامة (AEI)”، مايكل روبين، الذي كرر حجة العِرق الفارسي ذاتها في كتاباته، بما في ذلك في مقال حديث بعنوان واضح إلى حد ما: “إيران لن تنقسم على أسس عِرقية مثل إثيوبيا”.
ولكن روبين لا يمكن لومه حقًا؛ فهو شأنه في ذلك شأن أغلب المحللين الأمريكيين الآخرين وصانعي السياسات والباحثين في واشنطن ليس على دراية كافية بالفوارق الدقيقة للديناميات الداخلية في إيران، ويحصل على “حقائقه” عن إيران من القوميين العِرقيين الفارسيين أنفسهم الذين لديهم كل الأسباب لتقديم وجهة نظر مشوَّهة ومتحيزة بشأن التركيبة العِرقية المعقَّدة للبلاد وآثارها على المستقبل.
ويدعو الكاتب للتأمل في هذه الحقيقة: فنظرًا للتفاوت العِرقي داخل إيران، فإن الفرس عمومًا أكثر ثراءً، وأرفع تعليمًا، وأفضل تنظيمًا. ولذلك فهي ممثَّلة تمثيلًا كبيرًا في الشتات الإيراني، والأوساط الأكاديمية، ووسائط الإعلام، ومراكز الفكر. وعلى سبيل المثال نجد أن الصحافيين الإيرانيين الأمريكيين، وباحثي مراكز الفكر الذين يُجرون أنشطة بحثية تتصل بإيران في مراكز البحث، أو وسائل الإعلام الرئيسة في واشنطن العاصمة، هم حصرًا تقريبًا إما من أصل فارسي، أو إيرانيين فارسيين. ولدى هؤلاء الأشخاص بوجه عام آراء متعاطفة مع الفرس وعادةً ما يكون لديهم آراء غير مواتية بشأن المجموعات العِرقية غير الفارسية في إيران؛ لأنهم غير مطمئنين بشأن أي مفهوم “للأمة” الإيرانية الذي لا يستند حصريًّا إلى الهوية الفارسية.
ويرى الكاتب أن أي نهج شامل إزاء التطورات المستقبلية في إيران ينبغي أن يتضمن نظرة أكثر توازنًا بشأن الديناميات العِرقية الإيرانية وغيرها من الديناميات المحلية المعقدة، لافتًا إلى أن العامل الفارسي مهم أيضًا بالقدر نفسه. وإذا ما تبنى الفرس تدريجيًّا بنية ديمقراطية لا مركزية شاملة لمستقبل إيران، فإن جهود التحول الديمقراطي سوف تكتسب زخمًا، ولكن إذا لم يحدث ذلك فإن تفكك البلاد سيصبح احتمالًا أكثر ترجيحًا.
وعلى النقيض مما يزعم خبراء مثل روبين، فليس من المستحيل توقع أن إيران قد تنهار نتيجة لما قد يسميه البعض نظامًا شبه عنصري، قائمًا منذ عام 1925، وأن تنقسم البلاد إلى وحدات عِرقية مكوِّنة لها، بما في ذلك الأذربيجانيون، والعرب، والأكراد، والبلوش.
ومن المهم كذلك الاعتراف بالتنوع داخل إيران. ومع ذلك فبدلًا عن الاعتراف بتكوينه المتعدد الأعراق، مال النظام الإسلامي نحو القومية العِرقية الفارسية على مدى العقدين الماضيين، واعتنق على نحو غير رسمي عقيدة الحقبة البهلوية المتمثلة في “أمة واحدة، ولغة واحدة، وقائد أعلى واحد، وإله واحد”.
وأضاف الكاتب أن التطورات الأخيرة، مثل صعود سياسات الهوية العالمية، وصحوة القومية العِرقية على الصعيد الدولي، وظهور شبكة الإنترنت، ووسائل الإعلام الاجتماعية، وغيرها من المنابر، أسهمت جميعها في إحياء الهويات العرقية في إيران. وفضلًا عن ذلك أدَّت سياسات الأسلمة التي انتهجتها طهران إلى نتائج عكسية إلى حد كبير بين الشباب، ونتيجةً لذلك اكتسبت القومية العِرقية زخمًا داخل البلاد.
وعلى عكس معظم الدول ذات الأغلبية المسلمة، فإن الحماس للأيديولوجية الإسلامية في إيران يتراجع على مدى العقدين الماضيين، وتتصاعد الحركات العِرقية القومية، وتطالب المجموعات الأذربيجانية، والكردية، والعربية، والبلوشية، بفرص اقتصادية متساوية، واستقلال ثقافي، ولغوي.
وشدَّد الكاتب في ختام تقريره على ضرورة أن تختار إيران بين ما إذا كانت تريد أن تظل إمبراطورية فارسية شيعية توسعية (إيرانشهر)، أو أن تتحول إلى ديمقراطية متعددة الأعراق، والتي لا يهيمن فيها الفرس والشيعة على المجموعات الإثنية، والعِرقية، والطائفية الأخرى، لافتًا إلى أن مسار إيران المستقبلي لم يزل غامضًا في ظل تراجع الشرعية الداخلية للنظام على نحو مطرد، والشكوك التي تحوم حول قدرته على البقاء في الأمد البعيد.
هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على “ساسة بوست”.