الرئيسة \  تقارير  \  “ناشيونال إنترست”: 5 معاهدات أسهمت في تشكيل العالم الغربي الحديث

“ناشيونال إنترست”: 5 معاهدات أسهمت في تشكيل العالم الغربي الحديث

18.12.2021
ساسة بوست


ساسة بوست
الخميس 16/12/2021
نشرت مجلة “ناشيونال إنترست” الأمريكية مقالًا للكاتب والمحرر أخيليش بيلالاماري، محلل علاقات دولية، حول خمس معاهدات شكَّلت العالم الحديث، منها ما حال دون نشوب حرب كبرى، ومنها ما أدَّى الى إشعال حرب عالمية.
في بداية مقاله، أشار الكاتب إلى نقطة أساسية وهي أن الطريقة التي جرى بها التعامل مع معاهدة فرساي كانت تتناقض تناقضًا صارخًا مع الطريقة الشاملة التي جرى بها تنظيم أوروبا ما بعد نابليون – حيث كانت الشروط تُملَى، وليس يجري التفاوض بشأنها.
وحيثما وُجِدت دول، وُجِدت معاهدات، ومنذ العصور القديمة، كانت المعاهدات أداةً حاسمةً في فن الحكم والدبلوماسية، ونظرًا إلى أن المعاهدات هي اتفاقيات بين دول مختلفة، غالبًا ما تُبرَم في نهاية النزاع، فإنها تعيد تشكيل الحدود والاقتصادات والتحالفات والعلاقات الدولية بعمق، وفيما يلي خمس من أهم المعاهدات في التاريخ الحديث.
معاهدة تورديسيلاس (1494)
أوضح الكاتب أن التفاوض على معاهدة تورديسيلاس، بين البرتغال وإسبانيا (من الناحية الفنية، كان مملكة قشتالة مكوِّن إسبانيا)، جرى بين البابوية وقسِّمت الأراضي المكتشفة حديثًا خارج أوروبا بين البلدين على طول خط طول عبر ما يُمثَّل الآن بشرق البرازيل.
ونتيجةً لذلك، ركَّز الاستكشاف والاستعمار الإسباني في الغالب على الأمريكتين؛  مما أدَّى إلى السيطرة الإسبانية على الجانب الأكبر من أمريكا الوسطى والجنوبية، وكانت البرازيل التي لم تُكتشَف بعد في ذلك الوقت من نصيب البرتغال، وتمكَّنت البرتغال من استكشاف الشرق، وتحت قيادة فاسكو دا جاما عام 1498، تمكنت من إثبات أنه من الممكن الإبحار من أوروبا إلى الهند.
وفي البداية، كانت المعاهدة لصالح البرتغال، حيث أصبحت ثرية بفضل الطريق التجاري بين أوروبا وآسيا، غير أنه على المدى الطويل، خرجت البرتغال من هذه التجارة على يد إنجلترا وهولندا. وفيما يتعلق بالسيطرة على الأرض، كان الأمر أكثر صعوبة على البرتغال الصغيرة الحجم في الاستيلاء على الأراضي والاحتفاظ بها، حيث كانت توجد دول منظمة في آسيا، ومن ناحية أخرى، استحوذت إسبانيا على إمبراطورية ضخمة ومكتظة بالسكان في أمريكا اللاتينية، واكتشفت فيما بعد ثروة معدنية هائلة هناك.
وفي نهاية المطاف، اختارت القوى الأخرى بالطبع تجاهل المعاهدة التي لم تكن طرفًا فيها، بما في ذلك إنجلترا وهولندا وفرنسا.
صلح ويستفاليا (1648)
أفاد الكاتب بأن صلح ويستفاليا يتكون من معاهدتين مرتبطين بعضهما ببعض، معاهدة مونستر ومعاهدة أوسنابروك، الموقَّعتين في نهاية حرب الثلاثين عامًا، والتي استعر أوارها بوجه عام بين الدول الكاثوليكية والبروتستانتية، على الرغم من أن دولًا مثل فرنسا تلاعبت بالجانبين لتحقيق مكاسب ذاتية تتسم بالأنانية. وعلى الرغم من أن صلح ويستفاليا لم يؤثر إلا في أوروبا الغربية والوسطى، فقد كان له في النهاية عواقب عالمية.
كان هذا لأنه رسَّخ بعض أهم مبادئ النظام الدولي، وجرى تحديد الخصائص الرئيسة للدولة القومية في المعاهدات الموقَّعة في صلح ويستفاليا، وأرست المعاهدات فكرة السيادة على الأراضي، حيث تكون كل دولة مسؤولة بمفردها عن القانون والنظام، والضرائب، وسياسة السكان الذين يعيشون على أراضيها، وبالإضافة إلى ذلك، جرى الاعتراف بحق كل دولة في تنظيم شؤونها الدينية والسياسية الداخلية، وتعد هذه المعايير الآن عالمية.
معاهدة باريس (1783)
لفت الكاتب إلى أن معاهدة باريس (1783)، وهي أقدم معاهدة وقَّعتها الولايات المتحدة لا تزال سارية، أنهت الثورة الأمريكية وأقامت الولايات المتحدة – ولهذا السبب وحده، تُعد واحدة من أكثر المعاهدات أهمية في تاريخ العالم، ومعاهدة باريس لم تؤسس الولايات المتحدة فحسب، بل فعلت ذلك بشروط مواتية للغاية.
يشير الكاتب إلى أن فريق التفاوض الأمريكي بقيادة جون جاي، وبنجامين فرانكلين، وجون آدامز أدَّى دورا فاعِلًا، ولم يرغب حلفاء أمريكا، فرنسا وإسبانيا، في أن تصنع الولايات المتحدة سلامًا منفصلًا، غير أنه، مع استمرار احتدام القتال في منطقة البحر الكاريبي وجبل طارق، كان هذا بالضبط ما يسعى إليه الأمريكيون، إذ شعروا بأنهم سيحصلون على صفقة أفضل من خلال التعامل المباشر مع لندن، وكان الفرنسيون يأملون في أن تكون أمريكا دولة صغيرة وضعيفة بين المحيط الأطلسي وجبال الأبالاش، مع احتفاظ البريطانيين بالأراضي الواقعة على شمال نهر أوهايو وسيطرة الإسبان على دولة عازلة في الجنوب.
وبدلًا من ذلك، قرر البريطانيون أن أمريكا القوية والناجحة اقتصاديًّا هي في مصلحتهم وضد المصالح الفرنسية، وكانوا مقتنعين بمنح الدولة الجديدة كل الأراضي حتى نهر المسيسيبي، وكذلك حقوق الصيد في كندا، ومكَّن هذا الولايات المتحدة من التوسع غربًا لاحقًا لتصبح قوة قارية رئيسة.
مؤتمر فيينا (18141815)
أضاف الكاتب أن مؤتمر فيينا عُقِد في نهاية الحروب النابليونية وأعاد تشكيل أوروبا تشكيلًا كبيرًا، ووُقِّع عديد من المعاهدات في المؤتمر، كان أهمها معاهدة باريس لعام 1814 (هناك الكثير من “معاهدات باريس”).
لقد كان مؤتمر فيينا جديرًا بالملاحظة بوجه خاص بسبب مدى نجاحه، بينما انتقده بعض المؤرخين اللاحقين على أنه “رجعي”؛ فقد حال دون اندلاع حرب أوروبية كبرى لمئة عام، والسؤال: كيف أُنجِز هذا المؤتمر؟
أولًا، كانت جميع الأطراف، من بينهم فرنسا المهزومة، جزءًا من المفاوضات، وكان هذا بسبب الشكل غير الرسمي للمؤتمر، والذي سمَح لأطراف مختلفة، كان يقودهم دبلوماسيون لامعون غالبًا مثل الفرنسي شارل موريس تاليران والنمساوي كليمنس فون مترنيخ، بالجلوس وتوضيح مواقفهم، حتى جرى التوصل إلى حل وسط، وفي حين أن هذا لم يجعل الجميع سعداء، إلا أنه ضمن ألا يكون أحدًا غير سعيد بالكلية، وانطوى المؤتمر على مساومات معقَّدة، على سبيل المثال، خسرت السويد فنلندا لصالح روسيا، لكنها حصلت على النرويج من الدنمارك، وحصلت الدنمارك بدورها على منطقة بوميرانيا السويدية ودوقية لاونبورج من هانوفر، وأعطت الدنمارك بوميرانيا لبروسيا واحتفظت بلاونبورج، وعلى سبيل التعويض، حصلت هانوفر على إيست فريزيا من بروسيا.
ثانيًا، قلَّل المؤتمر والمعاهدات الناتجة من مستوى العقوبات المفروضة على الأطراف الخاسرة، وخسرت فرنسا الأراضي التي احتلها نابليون، لكنها احتفظت بحدود ما قبل الحرب، حيث جرى التعامل معها في أغلب الأحيان من جانب القوى الأخرى بوصفها ضحية لنابليون مثلهم، وسُمح للبلدان التي وقفت إلى جانب فرنسا، مثل ساكسونيا، بالاحتفاظ باستقلالها، على الرغم من الدعوات الرامية إلى عكس ذلك. وخلافًا لما حدث بعد الحرب العالمية الأولى، لم تُبذل أية محاولات لإلغاء بلدان بأكملها أو تغيير ترتيباتها السياسية الداخلية، وأسهم كل هذا في استقرار هائل، والشيء المؤسف الوحيد هو أنه، بسبب كل المساومات في المؤتمر، لم يُعَد تأسيس دولة بولندا المستقلة.
معاهدة فرساي (1919)
أردف الكاتب أن معاهدة فرساي وُقِّعت بين الحلفاء الغربيين وألمانيا في نهاية الحرب العالمية الأولى، وكانت الطريقة التي عوملت بها المعاهدة تتعارض تعارضًا صارخًا مع الطريقة الشاملة التي جرى من خلالها تنظيم أوروبا ما بعد نابليون – حيث كانت الشروط تُملَى، وليس يجري التفاوض بشأنها، وبالإضافة إلى معاهدة فرساي، وقَّعت النمسا والمجر وبلغاريا والإمبراطورية العثمانية معاهدات غير مثمرة.
ألمح الكاتب إلى أن ألمانيا كانت بالطبع هي الطرف الخاسر، وعوقبت بخسارة الأراضي وفُرِضت عليها تعويضات مُعوِّقة، إلى حد كبير بتحريض من فرنسا المنتقمة، وفي حين أن هذه كانت فكرة سيئة، وإذا كان للحلفاء أن يسلكوا هذا الطريق، كان لا بد أن يذهبوا إلى أبعد من ذلك ويقسِّموا ألمانيا، بدلًا من ترك أكبر دولة في أوروبا من حيث عدد السكان في حالة من الغضب الشديد.
كذلك أدَّت مبادئ الرئيس وودرو ويلسون الأربعة عشرة إلى إنشاء عديد من الدول القومية الجديدة والصغيرة والضعيفة التي لا تستطيع الدفاع عن نفسها على المدى الطويل ضد القوى المفترسة، مثل الاتحاد السوفيتي وألمانيا. وأدَّى التدخل في الهياكل السياسية الداخلية للقوى المهزومة مثل ألمانيا إلى خلق ظروف للمتاعب، وأدَّى في النهاية إلى الحرب العالمية الثانية.
وقسَّمت معاهدتا سيفر ولوزان ذات الصلة الإمبراطوريةَ العثمانية، مع عواقب وخيمة على الشرق الأوسط: خسر الأرمن والأكراد، ووجد معظم العرب أنفسهم تحت الحكم الاستعماري الفرنسي والبريطاني في دول مصطنعة مثل سوريا والعراق، والنتائج المترتبة على هذه المعاهدات واضحة بجلاء اليوم، بحسب ما يختم الكاتب.