الرئيسة \  واحة اللقاء  \  ناقوس الخطر يدق على الاقتصاد العربي

ناقوس الخطر يدق على الاقتصاد العربي

20.11.2016
مروان المعشر


نون بوست
المصدر: صحيفة بروجيكت سنديكيت
السبت 19/11/2016
ترجمة وتحرير نون بوست
إن لم تحرز دول الشرق الأوسط أي تقدم ملموس، نحو إرساء إصلاحات سياسية واقتصادية جذرية، فإنه لا مفر من  تعرضها لاضطرابات إقليمية. وتجدر الإشارة إلى أن اعتماد الحكومات العربية على نظام اقتصادي ريعي طيلة عقود من الزمن، قد انتهى بها إلى طريق مسدود، لذلك وجب على الساسة في العالم العربي المضي نحو عملية إنشاء عقد اجتماعي جديد. كما أن النجاح في هذه المهمة، ولئن كان صعب المنال؛ فهو ليس أمرا مستحيلا.
كما أن الأسس التي قام عليها العقد الاجتماعي في العالم العربي، قد بدأت تتلاشى مع مطلع هذا القرن. وبالإضافة إلى ذلك، فإنه عندما وصلت الحكومات إلى درجة من التضخم المالي والبيروقراطية، أصبحت غير قادرة على توفير المدد اللازم من الخدمات الأساسية لمواطنيها كالخدمات الصحية والتعليم وخلق مواطن شغل كافية.
كما أن الدول العربية لم تعد قادرة حتى على مواصلة دعمها للمواد الأساسية للأغذية والمنتجات الطاقية. وعلى الرغم من تقلص فوائد الدولة، فإن أغلب القادة قد واصلوا إصرارهم على ضرورة تمسك شعوبهم بمبادئ العقد الاجتماعي القديم. إلا أنه في النهاية نتج عن هذه السياسة عزوف الشعب عن المشاركة الفعالة في الشأن العام.
وقد استطاعت الحكومات العربية الصمود، رغم عجز ميزانها الاقتصادي بفضل العائدات النفطية. كما أنه خلال العقود الأخيرة، استفادت هذه الدول نوعا ما من مدخرات النفط والغاز في الشرق الأوسط. كما أن الدول المنتجة للمحروقات (المنتجات الهيدروكربونية)توظف الفائض من عائداتها المالية لشراء وفاء ودعم مواطنيها، وتستفيد كذلك من إقامة ما يسمى بدولة الرعاية. أما الدول غير النفطية فتستفيد من المساعدات وتدفق رؤوس الأموال، ناهيك عن الحوالات المالية التي يرسلها مواطنوها، الذين يعملون في الدول النفطية.
وعموما، تمكنت هذه الدول النفطية من توفير أغلب حاجيات شعوبها الأساسية، بما في ذلك التشغيل والخدمات وحياة الرفاهية بفضل عائدات الموارد الطاقية. لكنهم في المقابل قد ساهموا في إرساء ثقافة التبعية والتواكل على الدولة، عوض تشجيعهم على ثقافة التعويل على النفس وروح المبادرة للنهوض بالقطاع الخاص.
وبالتالي فإن عدم مطالبة الدولة المواطنين بدفع الضرائب لمضاعفة العائدات المالية، قد انجر عنه في المقابل رضوخ المواطنين للاستبداد لتنتج هذه الثقافة السياسية في نهاية الامر، مبدأ بسيطا مفاده أنه "لا ضريبة بدون تمثيل".
أما في الوقت الراهن، فإن تواصل انخفاض أسعار النفط لعدة سنوات، إن لم يكن ذلك بشكل دائم، يفرض عدة تحديات كبيرة على الأنظمة الريعية في الشرق الأوسط. ونتيجة هذا الانخفاض المطرد على سبيل المثال، ستجبرالمملكة العربية السعودية على رفع الضرائب وإلغاء الدعم المحلي، وتحويل برامج المساعدات الخارجية نحو الاستثمارات.
وقد وفرت المملكة منذ فترة طويلة دعما ماليا لجملة من الدول في المنطقة كمصر والأردن، وبالتالي فإن هذه النقلة النوعية في السياسة السعودية ستسلط على تلك الحكومات ضغطا مهولا لتواصل العمل على تنمية القطاع الخاص لتحسين مردودها الاقتصادي.
وفي حين أن الحكومات في العالم العربي قد تجاوزت الحد الأقصى من قدرتها على التوظيف وتغطية الدين العام واستقطاب المنح الخارجية؛ فإن النخبة السياسية والاقتصادية في هذه البلدان ليست مستعدة للتخلي عن امتيازاتها. ونتيجة لذلك، من المرجح أن تقاوم هذه المجموعة الإصلاحات الجوهرية التي تتطلبها هذه الحالة.
وينبغي لنا أن نتوقع المزيد من المعارضة، في صفوف البيروقراطيين في الدولة التي تفتقر إلى مقومات الرؤية الانتقالية، التي تحتاجها الدولة في مسيرتها نحو بعث نموذج اقتصادي شامل ومستدام.
وعلى غرار ذلك، فإنه على بلدان الشرق الأوسط أن لا تتأمل ازدهار اقتصادها، إن لم تقدم على مثل هذه النقلة النوعية. لذلك ليس على هذه الحكومات تغيير نماذجها الاقتصادية فقط، بعد تعويلها لعقود على عائدات الموارد الطبيعية، بل عليها أيضا إجراء تحويرات على مستوى أنظمتها التمثيلية.
ومع ذلك فإن قبول المجتمعات العربية لسياسة خفض الإعانات والوظائف الحكومية والتخلي عن دولة الرعاية بشكل عام، سيدفعهم في المقابل إلى المطالبة بتمكينهم من المشاركة في صنع القرار.
ويبقى العالم العربي عالقا بين الرهانات التي تطرحها مسألة التذبذب الاقتصادي والجمود  السياسي، وبين جهل أغلب الشعوب العربية بضرورة القيام بتغيير جذري في الأنظمة الاقتصادية. وقد انجر عن ذلك وقوع العديد من الحكومات العربية في مأزق، بسبب عدم اكتراثها ببناء مؤسسات حكومية تتماشى مع حاجيات دولها.
وقد أنتجت الموجة الأولى من الثورات العربية التي اندلعت في ديسمبر/ كانون الأول من سنة 2010، الربيع العربي الذي بدأ منذ سنة 2011، وقد كان ذلك بمثابة نتيجة حتمية لانهيار العقود الاجتماعية القديمة. وفي ظل انخفاض أسعار النفط وانغلاق الأنظمة السياسية عن الحوار، فإنه من الممكن  أن تندلع موجة جديدة من الاحتجاجات التي تلوح بوادرها في الأفق، لا سيما وأن الحكومات العربية لا تعتبر نهاية عهد الأنظمة الريعية، بالضرورة اعترافا بنهاية العقد الاجتماعي القديم.
ويجدر القول إن الإصلاح الاقتصادي بالنسبة لهذه الحكومات يعتبر قرارا مصيريا لضمان صمودها في وجه المحن المستقبلية. وفي ظل نظام أكثر انفتاحا، سوف تحتاج الحكومات العربية إلى خصخصة العديد من الشركات التابعة للدولة، وذلك من أجل أن تسهل على أصحاب المشاريع، مأمورية تسوية الوضعية القانونية لشركاتهم الحديثة وتشجيعهم على بعث مشاريع جديدة. لكن في نهاية المطاف، لن ترى هذه الإصلاحات الاقتصادية النور في الدول العربية، إلا إذا كسب المواطنون صوتا قويا في المشهد السيادي.
وجدير بالذكر أن تونس هي البلد الوحيد الذي خطى نحو إبرام عقد اجتماعي جديد، ليحل محل الريعية. أما بقية الدول العربية فتواجه خيارين؛ إما محاربة الساسة العرب لمظاهر الوضع الراهن غير المستدام، مع تحمل كل ما سيترتب عن مثل هذا الصراع، أو البقاء مكتوفي الأيدي وعاجزين عن مقاومة هذه الآفة التي تتفشى سريعا كالسرطان، إلى أن تصل دولهم إلى مرحلة الانهيار.