الرئيسة \  تقارير  \  نتنياهو بين “السلام الإقليمي” و”حروب الظل” ضد إيران وأذرعها

نتنياهو بين “السلام الإقليمي” و”حروب الظل” ضد إيران وأذرعها

21.11.2022
رلى موفّق

نتنياهو بين “السلام الإقليمي” و”حروب الظل” ضد إيران وأذرعها
رلى موفّق
القدس العربي
الاحد 20/11/2022
تحملُ عودة زعيم الليكود بنيامين نتنياهو إلى رئاسة الحكومة، محاطاً باليمين المتطرِّف، الكثير من الأسئلة والتكهنات حول ما سيكون عليه واقع الحال في المنطقة، خصوصاً أن العالم برمّته يعيشُ تحوّلات كبرى، وينشغل في تحديات دوله الداخلية والتأثيرات عليه جراء الحرب الروسية على أوكرانيا الداخلة في شهرها العاشر، وما ستُفضي إليه من توازنات على المسرح الدولي.
والقراءات، على تعدّد اتجاهاتها وزواياها، لا تبدو متناقضة بالنسبة إلى المسارات المتوقع أن يسلكها نتنياهو في القضايا التي تحظى بالأولوية في أجندته السياسية. هو أساساً تحدَّث بوضوح في مقابلته لمحطة لـ”سي.أن.أن” قبيل الانتخابات الإسرائيلية، كيف أن قيادتَه معارضةً صريحةً وواضحةً لتسليح إيران بالأسلحة النووية خلقتْ مصلحة مُتبادلة مع الدول العربية، ولا سيما دول الخليج، في مواجهة تهديد إيران المشترك للاثنين، شارحاً كيف أن صعود التهديد الإيراني من جهة، وصعود قوة إسرائيل في مجالات التكنولوجيا والأمن السيبراني والاستخبارات ضد الإرهاب من جهة ثانية، فتحا الطريق إلى “اتفاقات إبراهام”، والتي يُريدُ أن يُوسِّع دائرتها لتشمل، كهدف دبلوماسي أول له، المملكة العربية السعودية، آملاً أن يَحدثَ ذلك في غضون أسابيع قليلة من فوزه.
نتنياهو اعتبر أن “اتفاقات إبراهام” مع دول الخليج ما كانت لتحصل لولا موافقة السعودية. هذه خلاصة يلتقي عليها حلفاء وخصوم المملكة في قراءاتهم السياسية، لكنهم يرون أن ذلك مختلف عن ذهاب المملكة إلى ملاقاة زعيم “الليكود” في تحقيق “هدفه الدبلوماسي الأول” ويعتقدون أنه حتى لو كانت هناك ضرورة إستراتيجية وحصلت أنواع مختلفة من التعاون، وخصوصاً الأمني – الاستخباراتي، أو ما يمكن أن يوصف بـ”التطبيع الضمني” فلا حاجة إلى الذهاب نحو خطوات علانية ستكون لها انعكاساتها الإيجابية والسلبية والتي تحتاج إلى تحضير الأرضية لها. وفق متابعين، فإنه من غير المتوقع أن تنضمَّ في المدى المنظور دول خليجية غير الإمارات والبحرين إلى صوغ اتفاقات مع تل أبيب. فالمملكة لها اعتباراتها المنطلقة من مكانتها وثقلها في العالم الإسلامي وهي حاضنة الحرمين الشريفين، وسلطنة عُمان تريدُ أن تحافظ على نوع من التوازن في علاقاتها الإقليمية ما بين إسرائيل وإيران، وأن تبقى بوابة خلفية لتفاهمات كبرى، والكويت تنأى بنفسها عن هذه الكأس، فيما قطر – بما ترغبُ به من أدوار ووظائف – قد تخشى من تداعيات خطوة كهذه إن جاءت في غير توقيتها المناسب.
المتوقع عملياً هو تعزيز العلاقات الإسرائيلية – الإماراتية – البحرينية، وتعزيز التعاون والاتفاقات في المجالات الاقتصادية والعسكرية والأمنية. الاعتقاد السائد هو أن نتنياهو لن يألو جهداً في الاستفادة من الظروف الإقليمية من بوابة التهديد الإيراني من أجل الدفع بقوة نحو توسيع دائرة الدول المنخرطة في “اتفاقات إبراهام” التي تُشكِّل مرتكزاً مغايراً للاتفاقيات التي وقعتها إسرائيل مع مصر والأردن وحتى مع السلطة الفلسطينية. سيلجأ إلى استخدام ورقة “السلام الإقليمي” أو “السلام العربي” على حساب “السلام الفلسطيني”، لتفادي ضغوط الخارج حيال السياسة المتوقعة من اليمين المتشدد في ملفات الداخل الإسرائيلي ضد الفلسطينيين في عناوين الأمن والمقدّسات والاستيطان. وهي ورقة – إذا نجح فيها – سيُجيِّرها لمزيد من المكتسبات السياسية مع واشنطن رغم غياب الرهانات الكبيرة على حال من الوئام والانسجام الكليّ مع إدارة جو بايدن الراهنة.
وسيبقى الخطر الإيراني العنوان المفصلي لدى نتنياهو. الرجل واضح في نظرته بأن الاتفاق النووي لم يُشكِّل رادعاً لإيران من تطوير الأسلحة النووية، إذ لم تلتزم به بل كانت تراوغ، وهو ما كشفه لوكالة الطاقة الذرية بعد عملية خاصة للموساد في قلب طهران حصل بنتيجتها على وثائق سرية عن تخصيب في 3 مواقع سرية. يقينه بأن النظام الإيراني سيذهب، باتفاق أو من دون اتفاق، إلى بناء ترسانة نووية، وأن الشيء الوحيد الذي يُوقف تلك الدولة المارقة من تطوير السلاح النووي هو الجمع بين عقوبات قاسية وخيار عسكري معقول. في الواقع لا تبديل في سياسة نتنياهو حيال إيران، هو متمسك باستنتاجه بأن كل ما يفعله الاتفاق النووي هو منح موافقة دولية لإيران لتكون على أعتاب دولة نووية، وأنه لا يمكن تالياً تجنّب حقيقة أن عليك مواجهتها. المسألة وجودية بالنسبة إليه، حتى لو اضطره الأمر إلى الاختلاف مع واشنطن حول حجم المواجهة. ما هو أكيد أن المؤسسة الأمنية-العسكرية، في ظل حكومته، ماضية قدماً وبثبات في “حروب الظل” التي يستهدف بها البرنامج النووي الإيراني وعلماءه، وفي “الحروب السيبرانية “التي أضحت أخطر من الحروب التقليدية، وماضية أيضاً في انتهاج “الحرب الوقائية” الذي تُجسّدها استراتيجية “المعركة ما بين الحروب” التي تهدف من خلالها إلى إضعاف قدرات إيران وأذرعها استعداداً للحرب المقبلة.
الحروب غير الكلاسيكية بتسمياتها المتعددة من “حروب الظل” إلى “الحروب السيبرانية” و”الوقائية” و”المعركة ما بين الحروب” تتوسَّع وتضيق وفق الحاجة والضرورة، ومسرحها يمتد من إيران إلى العراق واليمن وسوريا ولبنان وغزة والضفة حيث أذرع إيران منتشرة. التركيز في استراتيجية “المعركة ما بين الحروب” على سوريا لمنع إيران من تعزيز قدرات كاسرة للتوازن لأذرعها العسكرية وفي مقدمها “حزب الله”، وقطع الطريق أمام خلق بُنى تحتية أمنية – عسكرية على حدود الجولان في الجنوب السوري تكون شبيهة لما بناه “الحزب” في جنوب لبنان. وفق متابعين، فإن جبهة الجنوب السوري تُشكِّل نقطة حيوية لإيران، ولا سيما في ظل الاعتقاد السائد بأن جبهة لبنان قد أُقفلت منذ 2006 والتوصل إلى القرار الأممي 1701، وأن اتفاق ترسيم الحدود البحرية الجنوبية للبنان مع إسرائيل الذي تمَّ الشهر الماضي ليس سوى إشهار انتهاء مفاعيل تلك الجبهة، والذي هو مصلحة للطرف الإسرائيلي تماماً كما لـ”حزب الله”، الذي يعلمُ علم اليقين عدم قدرته على تحمّل كلفة وتبعات فتح حرب جديدة من جنوب لبنان عسكرياً ومالياً واقتصادياً وشعبياً ضمن بيئته.
هذا النمط من الحروب البديلة للحرب الشاملة أو استعداداً لها سيبقى هو السائد في مشهد المنطقة، أقله في المدى المنظور، وإلى حين أن تتبلور معالم ما سترسو عليه الحرب الروسية على أوكرانيا من نتائج على مستوى خرائط التحالفات والتوازنات الإقليمية والدولية.