الرئيسة \  واحة اللقاء  \  نحن وإيران والمستقبل !

نحن وإيران والمستقبل !

04.07.2013
أمير المفرجي


القدس العربي
الخميس 3/7/2013
حظيت العملية الانتخابية الإيرانية بأهمية كبيرة في المجتمع الإيراني، نتيجة للإرادة الشعبية للخلاص من فترة الرئيس أحمدي نجاد، بعد أن فقدت الأغلبية من الإيرانيين الثقة بالنظام، وبعد ان ازداد التشكيك في شرعيته التي فضحتها أحداث التزوير السابقة في 2009، وما رافقها من تداعيات خطيرة أشعلت الشارع الإيراني وراح ضحيتها الكثيرون، نتيجة للقمع الذي تعرضت له شريحة مهمة من المجتمع لمطالبتها بانتخابات ديمقراطية نزيهة .
وقد كان لتغير الظروف الداخلية والخارجية التي تواجه إيران في 2013، كالوضع الاقتصادي المتدهور، الأثر الكبير في الوصول الى هذه النتائج والمعطيات الخطيرة، لان أي تكرار عملية تزوير جديدة لن تكون في صالح مؤسسات النظام وبقائه في الحكم. فقد كان من المؤكد ان التداعيات الجديدة ستكون أعمق بكثير من سابقاتها، وقد تتجاوز اطار الأحزاب الدينية المعتدلة وممثلها المرشح حسن روحاني، لتصل إلى تغير جذري للوضع في إيران.
ثمة مؤشرات داخلية لا تخطئ مثل الوضع الاقتصادي الذي يتدهور نتيجة للعزلة الناتجة عن تدخل سياسة الولي الفقيه في العراق وسورية ولبنان، ناهيك عن التداعيات الخارجية التي ترتبط بعلاقة ملف محادثات إيران النووي مع الغرب في تحديد موقع النظام المذهبي على خارطة الجغرافية السياسية والإقليمية في الشرق الأوسط.
وهنا لا بد من الإشارة إلى الدور الكبير للعقوبات الغربية في التأثير على اقتصاد الحرب العسكري، ونوايا الجمهورية الإسلامية التوسعية، التي كانت أكثر قسوة على طبقات الشعب الإيراني المسحوقة، مما ساهم في زيادة قوة المعارضة الداخلية الرافضة لنظام خامنئي، ومن ثم الذهاب إلى إجماع شعبي لانتخاب المرشح روحاني، للتعبير عن إرادة مشتركة لتغيير سلوك نظام الولي الفقيه وعلاقته الإقليمية والدولية. في نفس الوقت بلورت هذه الانتخابات قدرة الشعب الإيراني على تجديد آماله وطموحاته المشروعة في الديمقراطية والخروج من العزلة، وتطبيع العلاقات بينهم وبين شعوب العالم بعد أن خاب هذا الطموح في ظل حكم رئاسة أحمدي نجاد.
من جانب آخر أفرزت نتائج هذه الانتخابات بعضا من النجاح لنظام الولي الفقيه الذي عرف بفكره المتحجر وعدم قدرته على التطور الانساني والحضاري، والاخذ بعين الاعتبار تطلعات شعبه. فقد ارتبط مجيء السيد حسن روحاني للسلطة، شئنا أم أبينا، مع وجود إرادة سياسية من قمة الهرم الديني في تجنب الثورة الشعبية بعد تصاعد السخط وتدني الحياة الاجتماعية والاقتصادية للشعب الإيراني. وبالتالي الرغبة في خروج النظام من مأزقه مع المجتمع الدولي لرفع العقوبات، حيث ان من قام بتحديد المرشحين الثمانية ومن ضمنهم حسن روحاني هو بالتأكيد من يحدد السياسات القادمة، وهو أيضا من يرسم حدود الحكومة القادمة في السياسة الخارجية والمجال النووي الذي لا ينبغي من (الرئيس المنتخب) من تجاوزها، إلا بعد استشارته ومن ثم إقناعه بالتغيير. وبهذا يعتبر حسن روحاني الذي هو الرئيس الحالي، والخبير السابق في المحادثات النووية بين إيران والأسرة الدولية كوسيط معتمد عليه من الولي الفقيه لإخراج النظام من أزمته الدولية .
فحدود الرئيس الجديد للجمهورية الاسلامية في المجال النووي، واضحة، حيث انه يريد التوصل الى حل سريع للأزمة النووية في أسرع وقت ممكن لرفع العقوبات. لا ننسى أن روحاني كان قائدا لمفاوضات الجانب الإيراني في الفترة من 2003-2005. وهو الذي أقنع المرشد علي خامنئي بضرورة وقف البرنامج النووي العسكري الذي كان يعمل به بطريقة سرية من قبل الباسدران في نهاية عام 2003 بعد احتلال العراق. من هذا المنطق أصبح من الواضح ان مجيء السيد حسن روحاني للسلطة كان نتيجة لعوامل داخلية حتمها الوضع الاقتصادي المتدهور وعزلة إيران إقليمياً، يضاف إلى ذلك حاجة النظام الى المراوغة وتجنب الثورة الشعبية الصاعدة. وبمعنى آخر رغبة الولي الفقيه في الالتفاف على الإيرانيين من أجل تغيير صورته البشعة في نظرهم، للحصول على فرصة جديدة في المصداقية والشرعية، وبالتالي تمرير صورة النظام الراعية للديمقراطية في نظر العالم الخارجي.
وهذه إشارة واضحة الى تشتت وضعف الجبهة الداخلية وإعلان واضح لأُفُولُ النفوذ الإيراني واحتمال بدء سقوط اوراق الضغط التي سخرتها الجمهورية الإسلامية في العراق وسورية ولبنان، من أجل إجبار المجتمع الدولي على قبول المشروع النووي العسكري، الذي جاء به الولي الفقيه وخيوطه الطائفية التي قسمت المنطقة. وهي بالأحرى اشارات ضعف قد تتيح للمجتمع الدولي الفرصة لفرض شروطه بعد رفض الغرب في السابق الائتمان والثقة في العمل مع الرئيس الإصلاحي خاتمي، الذي كان لا يمثل في نظرهم إلا واجهة جذابة تخفي نظاما مراوغا . ولا ندري ان كان عامل المراوغة هذا وتداعيات إيران الداخلية هما اللذان مهدا إلى تصريحات الجنرال الأمريكي جورج كيسي الأخيرة في فرنسا، حين اتهم النظام الإيراني في (مؤتمر نحو الحرية) الذي نظمته المعارضة الإيرانية، في ضلوعه بمقتل الآلاف من العراقيين ومسؤوليته عن التفجير الذي تعرضت له المراقد المقدسة في سامراء.
فتوقيت تصريحات الجنرال جورج كيسي في هذا الفترة بالذات، فيما يتعلق بدور ومسؤولية إيران في الحرب الطائفية في العراق، التي بدأت غداة تدمير مرقد الإمامين العسكريين في سامراء، وما يجري في الوقت الحاضر في سورية ولبنان من حرب طائفية مماثلة قد يوفر المبررات باتجاه نقلة نوعية واقعية خارجة عن نطاق ملفات إيران وأوراقها وساحاتها الإقليمية المتعددة. وكما انها قد تكون بمثابة رسائل تحذيرية موجهة لطهران في سياق زمني رسمته تداعيات الظروف الداخلية السلبية التي يواجهها النظام والتي قد تكون بداية فترة جديدة لحوار تريده الولايات المتحدة منحصرا في مجال سعي إيران لامتلاك الأسلحة النووية .
أما السؤال المهم في ما يتعلق بطبيعة التداعيات القادمة التي سوف تلقي بظلالها على العراق وعلى نظام نوري المالكي التابع للولي الفقيه، فمن الموضوعي توجيه هذا الاستفهام إلى كل من له بصيرة سياسية وطنية متفائلة أنارها الله له من خلالها الاحساس بالوطن المسلوب، من أجل رؤية الأمور المرتبطة بمستقبل البلد غداة هذا التغير المهم القادم من إيران، حيث يبدو جلياً ان الرئيس المنتخب حسن روحاني أقل تحكما بالملف العراقي والسوري، وهما الملفان اللذان بقيا على عاتق الحرس الثوري الإيراني، مقارنة بالقضية النووية ووضع إيران الداخلي، اللذين تم انتخاب الرئيس الجديد من أجلهما. ولكن قد يكون البعد الدبلوماسي لعلاقات إيران مع الملفين السوري والعراقي قد أصبح أكثر وضوحاً وأكثر خطورة للحكومة الإيرانية الجديدة للخروج من هذه الأزمة. فعندما يرتعش النظام في طهران من حمى الثورة الشعبية، ويمس عرش ولاية الفقيه في قم، سوف تموت أرجله وأذرعه في بغـداد ودمشق والمنطقة.