الرئيسة \  مشاركات  \  نحن وهم ، الإخوة الأعداء !

نحن وهم ، الإخوة الأعداء !

29.09.2015
د. محمد أحمد الزعبي





بداية لابد من توضيح مضمون الضميرين المنفصلين "نحن " و" هم " الواردين في عنوان هذه المقالة . إننا نشير بالضمير المنفصل " نحن " إلى البلدان النامية عموماً ( الجنوب ) والوطن العربي منها على وجه الخصوص ، أمّا الضمير المنفصل " هم " فنشير به إلى البلدان الصناعية الكبرى عموماً ، وإلى أوروباوأمريكا على وجه الخصوص ، والتي عادة مايطلق عليها بلدان ( الشمال ) ، وإذا مانتقلنا من العام إلى الخاص ، فإن الضمير " نحن " سيشير إلى ماسبق أن أطلقنا عليها " التغريبة السورية " ( على غرار تسمية التغريبة الهلالية ) بينما سيشير الضمير المنفصل " هم " إلى أوروبا بصورة عامة ،
اعرف أن كتاب القرن الماضي ، ولا سيما اليساريين الحقيقيين منهم ، قد أراقوا كثيراً من الحبر حول هذا الموضوع ( الشمال والجنوب ) ، ولكني أعرف أيضاً أن الكثيرين منهم قد كسروا أقلامهم وأغلقوا دفاترهم بعد سقوط موسكو ، وأصبحت الأفكار والتعابير اليسارية في كتبهم وكتاباتهم , أقرب إلى ملح الطعام الذي لايزيد دوره عن دور " المقبلات " الأخرى ليس أكثر . ومع احترامي لهؤلاء الكتاب ، وإدانتي لتغيبهم عن الساحة الفكرية اليسارية هذه الأيام ،بل وتركها لأدعياء اليسار ، ولأنصاف التقدميين من أنصار بوتن وبشار الأسد وَعَبَد الفتاح السيسي ، بل و أنصار كل الديكتاتوريين في العالم . نعم وبالفم المليان : لم تعد الإمبريالية بنظر هؤلاء اليساريين الجدد ( الليبراليين ) " أعلى مراحل الرأسمالية " !! ، وإنما أصبحت مجرد معبر تاريخي ضروري نحو " الاشتراكية " !! .
 
أنا هنا لا أدعو إلى العودة إلى الوراء ، إلى القرن الماضي ، ولكني سأتوقف عند موضوعين اثنين ، يمثلان الصورة الحقيقية للعلاقة الراهنة ( في هذا القرن ) بين " نحن " و" هم " . أو بين ثورات الربيع العربي ، والدول الغربية الموصوفة بالدول الديموقراطية ، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا ، هذان الموضوعان هما : الإشكالية المتعلقة بالموقف مما بات معروفاً ب " ثورات الربيع العربي " التي انطلقت عام ٢٠١١ ، والإشكالية المتعلقة بما سبق أن أطلقت عليها في مقالة سابقة " التغريبة السورية " ( على غرار التغريبة الهلالية ) والتي تمثلت و تتمثل اليوم بوصول حوالي مليوني مهاجر ( بل مهجّر ) سوري ، إلى أوربا عامة وإلى ألمانيا خاصة حيث تحولت هجرتهم إلى إشكالية وطنية حقيقية تؤرق كلاً من منطقتي الجبذ والنبذ على حد سواء . 
 
لاأريد أن أتوقف فيما يتعلّق بآهداف هذه المقالة ، عند كامل مفاصل المرحلة الاستعمارية في القرنين الماضيين ،ولكني سأشير بالضرورة إلى أهم مفصلين من مفاصل هذه المرحلة ألا وهما اتفاقية سايكس- بيكو ، ووعدبلفور ، اللذين ما نزال نعيش نتائجهما المأساوية ( التجزئة وإسرائيل ) حتى يومنا هذا .
يشير كثير من الكتاب العرب في هذه المرحلة ، إلى أن موقف الدول الصناعية الكبرى من قضايانا القطرية والقومية ، ومنها ثورات الربيع العربي ، إنما تحدده مصالح هذه الدول ، وليس قيمها الديموقراطية المعلنة . والسؤال الذي يطرح نفسه هنا : ترى ماهي هذه المصالح التي تجعل هذه الدول الصناعية العظمى تتجاوز قيمها الديموقراطية والأخلاقية إلى عنصر المصلحة ؟؟. 
من المعروف أن الصناعات الكبيرة ( الشركات عابرة القارات ) عادة ماتحتاج الى ثلاثة أشياء يغلب تواجدها في البلدان النامية ( آسيا ، أفريقيا ، أمريكا اللاتينية ) ، ألا وهي : الخام ولاسيما النفط و السوق الاستهلاكية ولا سيما المعد( بكسر الميم وفتح العين ) والأبدان والبنية التحتية ، ولكي تبقى الطرقات لتحقيق هذه " المصالح " المشار إليها سالكة ، كان لابد من أن ترتبط المصالح السابقة بمصلحة بنيوية غير معلنة وغير ظاهرة و هي ،أن تبقى البلدان النامية متخلفة في المجال الصناعي ، كي لاتصلالمواد إلى مرحلة متقدمة تستغني فيها عن الصناعات المستوردة ، وتصبح هي بحاجة إلى خيرات بلادها الموجودة فوق الأرض أو تحتها .
 إن المصلحة غير المعلنة وغير الظاهرة الثالثة هي التي أطاحت ( حسب تقديرنا ) ، بصدام حسين في العراق ومحمد مرسي في مصر ، وهي التي تجعل الدول الصناعية المعنية تضع اليوم وزنها السياسي والاقتصادي والعسكري كاملاً لوقف دومينو ثورات الربيع العربي الديموقراطية ، والإبقاء على عملائها في الوطن العربي ولاسيما بشار الأسد وَعَبَد الفتاح السيسي وآخرين على عروشهم إلى ماشاء الله . 
 لقد سمعت الرئيس المنتخب محمد مرسي يقول في آخر خطبة له : إن دولة لاتصنع بنفسها ولنفسها الغذاء والدواء ووسائل الدفاع ، لايمكن اعتبارها دولة مستقلة . وعندها التفت إلى صديق كان يستمع إلى خطاب مرسي معي وقلت له : لقد انتهى الرجل ! نعم لقد كان وما يزال للدول الصناعية العالمية الكبرى ، الدور الأكبر ، في انقلاب السيسي على مرسي في مصر ، وأيضاً في منع سقوط نظام بشار الأسد في سوريا على يد ثورات الربيع العربي ، رغم كل مجازره ورغم كل براميله المدمرة ، ورغم ملايين النساء والأطفال التي قتلها ، والتي دمر بيوتها ، والتي هجّرها ، ورغم لعبة القط والفأر التي ظل يلعبها مايسمون أنفسهم زوراً " أصدقاء الشعب السوري " على مدى سنوات الثورة التي بدأت في ١٨آذار ٢٠١١ وما تزال مستمرة إلى اليوم !! .
لقد قال أبو الطيب المتنبي ذات يوم : إذا ترحلت عن قوم وقد قدروا ألّا تفارقهم فالرَّاحلون هم
ونحن نقول هنا واليوم ، إن من يستطيع وقف قتل وتهجير نساءنا و أطفالنا ، ولا يفعل ، إنما هو شريك في قتل وتهجير هؤلاء المواطنين السوريين ، وليس بشار الأسد وحده . والسؤال الملحّ الذي يطرح نفسه هنا : ترى من هو ذلك الفارس القادر على منع بشار الأسد من ممارسة هوايته القذرة ، في قتل أطفال ونساء وشيوخ الشعب السوري ولا يفعل ؟؟ ، وبالتالي الذي ينطبق عليه مضمون بيت شعر المتنبي ، أي أنه شريك في قتل أطفالنا ؟؟ . أترك للقارئ الكريم الإجابة على هذا السؤال . 
 
بينما كنت أنظر إلى آلاف السوريين من أبناء جلدتي من النساء والأطفال والشباب ، هذا المساء عبر التلفاز ، وهم يصارعون الجوع والعطش والموت والخوف والتعب ، كيما يصلوا إلى بلد أوربي غربي ، يعتقدون أنهم بوصولهم إليه سوف يودعون ذلك الجوع والعطش والخوف والتعب والموت تحت الأنقاض وبراميل بشار الأسد المتفجرة والعمياء ، وصواريخه الفراغية ، ومشاهدتهم أطفالهم وهم يلفظون أنفاسهم في أحضانهم . أو بين فكي سمك القرش ، سواء في البحر الأبيض المتوسط ، أو في بحر إيجه ، تساءلت عن السبب الجوهري لهذه الظاهرة الانسانية المؤلمة ، ؟ وجاأني الجواب : إنها براميل بشار الأسد ، وصواريخه ، وطائراته ، وخبراؤه الروس ، وقوات حلفائه الإيرانيين ، وقوات حسن نصر الله ، وأسلحة عبد الفتاح السيسي ، وصمت المجتمع الدولي .
نعم لقد سكت الجميع عن قتل أطفالنا واغتصاب نسائنا وتدمير مدننا وقرانا من قبل نظام بشار الأسد الطائفي وشبيحته الداخليين والخارجيين ، ولكن طائر العنقاء سوف يظل يصيح في آذان وفي ضمائر هؤلاء الساكتين صباح مساء قائلاً : الساكت عن الحق شيطان أخرس
 أمّا " التغريبة السورية " الراهنة ، تغريبة صيف 2015 فيمكن حصر الضمير المنفصل " نحن " هنا بالمليوني سوري ، الذين غامروا بأنفسهم وأولادهم ، في الانتقال بزوارق المهربين المطاطية ، وقواربهم الخشبية المهترئة ، ليوصلهم عبر بحر إيجه ، من مدينة أزمير التركية إلى اليونان ، كنقطة عبور وانطلاق إلى أوروبا الغربية الغنية ، ولا سيما ألمانيا والسويد . وأيضاً حصر الضمير المنفصل " هم " بدول الاتحاد الأوروبي بقسميها : الشرقي والغربي ، ولا سيما دول العبور بين اليونان وأوروبا الغربية . 
لاأريد أن أتوقف كثيراًعند المعاناة ومحاولة الإهانة والإذلال التي لقيها هؤلاء الإخوة الهاربون من ألموت ( براميل بشار الأسد وصواريخه الموجهة وطائراته ) الى بلاد تحميهم من هذا الموت وتمنح أطفالهم ونساءهم فرصة ممكنة لحياة كريمة ، خالية من البراميل ومن أزيز الطائرات ودوي الصواريخ . ولكن ذلك لايمنعنا من الإشارة إلى الدور السلبي والمدان وغير الأخلاقي الذي لعبته بعض دول أوروبا الشرقية ، ولا سيما هنغاريا في هذا المجال . كما لايمنعنا أيضاً من الإشارة إلى صمت الدول الغربية كلها ، عن السبب الحقيقي لهجرة هذه الملايين من السوريين من بلدهم ومن قراهم ومدنهم إلى أوروبا ، ونعني بهذا السبب - بطبيعة الحال - نظام بشار الأسد الديكتاتوري والفاشي والطائفي والوراثي . 
 
لقد زارني قبل قليل أحد الأصدقاء وقرأ على مسامعي من الفيسبوك القصة المؤلمة التالية ، والتي سأوردها بسبب علاقتها بموضوع هذه المقالة : 
شاهد بعض من يقفون على شاطئ إحدى المدن المتوسطية ، شخصاً قادماً من بعيد سباحة إلى الشاطئ ، وعندما وصل وكان منهكاً ، استلقى على الرمل لاهثاً ، وسأل من يحيط به : هل هذه هي اليونان ؟ ، فأجابه المحيطين به ، بل هذه هي طرطوس ! ، فما كان من هذا الشخص بعد أن سمع كلمة طرطوس ، والتي يعرف على مايبدو أنها مدينة موالية لنظام بشار ، حتى عاد مسرعاً إلى البحر ، مسلماً أمره لله ولأسماك القرش ( !!) ولكن ليس لشبيحة بشار . 
 
إن ماأريد أن أقوله هنا لأصدقائنا الأوروبيين : إن السكوت عن دور بشار الأسد في هذه الهجرة الملايينية ، يجعل الاستقبال الجيد للاجئين السوريين من قبل بعض دولكم ، يفتقر إلى المضمون الحقيقي للتعاطف الإنساني ، حيث يتم وضع الباحث عن المساعدة الإجتماعيّة ، والباحث عن الحرية في سلة واحدة ، وهذا مالا نرضاه لا لنا ولا لكم .