الرئيسة \  واحة اللقاء  \  نزيف الدموع على شعب بأكمله

نزيف الدموع على شعب بأكمله

08.09.2015
العزب الطيب الطاهر



الشرق القطرية
الاثنين 7/9/2015
 
لا أود أن أكون جزءاً من البكائية السائدة حالياً، الناتجة عن غرق الطفل السوري "إيلان" مع والدته وشقيقه على أحد شواطئ تركيا, خلال رحيل عائلته هربا من قسوة الأحوال وسوء المعيشة والضنك, الذي يفرض حصاره على البلاد والعباد, ضمن آلاف رأوا أن اللجوء بعيدا عن الوطن هو الحل, بيد أن المشهد على وجه الإجمال لا يبعث على استدرار الدموع, أو بالأحرى استنزافها من المآقي فحسب, ولكنه يؤشر إلى المدى الخطير وغير المسبوق الذي بلغته الحالة السورية, في شقها الإنساني متجاوزة الحالة الفلسطينية, الناتجة عن اغتصاب الكيان الصهيوني, بكل قسوته وإفراطه في القوة لحقوق وأرض شعب,منذ أكثر من سبعة عقود, حيث لم يبلغ عدد اللاجئين سوى ست ملايين فلسطيني في الشتاب, بينما تجاوز عدد اللاجئين والنازحين السوريين في الداخل والخارح رقم الــ 13 مليون شخص, وهو ما اعتبره الدكتور نبيل العربي الأمين العام للجامعة العربية, الكارثة الإنسانية الأشد بشاعة ومأساوية في العصر الحديث واللافت أنها – أي هذه الكارثة - نجمت عن حاكم للشعب السوري, يزعم أنه جاء عبر انتخابات نزيهة وحرة, مما يؤهله للحديث باسمه والبقاء في الحكم رغم أنفه, ومن ثم فإن البكاء ونزف الدموع ,يكون من أجل شعب بأكمله دفعه بشار الأسد وزمرته الحاكمة, إلى الهجرة قسرا وملاقاة الموت اليومى, والإذلال المشفوع بالتوسل والتوسل في الموانئ وعلى الحدود, وفي الطرقات وعلى الشواطئ والركض من العسس والبصاصين, والذين يهدونهم في بعض المناطق طعاما وزجاجات مياه, ولكن بشرط ألا يبقوا في المساحات التي تخضع لسيطرتهم.
إن المسؤولية الأولى والأخيرة فيما جرى للطفل إيلان.. ولغيره من أطفال لم يحظوا بفرصة التصوير والمتابعة, تقع بالدرجة الأولى على عاتق الزمرة التي يقودها بشار, أو على وجه الدقة هي التي تقوده, فهي المتسببة في كل ما جرى لسوريا الوطن والشعب نتيجة تكريسها لمنهجية غطرسة القوة, والتمسك بالحل الأمني في مناهضة ثورة شعب, خرج في مطلعها مسالما مطالبا باستعادة حقوقه في الحرية والعدالة والديمقراطية, وبناء دولة المواطنة وليست دولة الحزب القائد, والفئة المذهبية المهيمنة على كل مفاصل الوطن, وكانت النتيجة قتل أكثر من 300 ألف مواطن سورى, وجرح مئات الألوف الآخرين, ولجوء ونزوح أكثر من 13 مليون بالداخل والخارج, والأخطر دفع مئات الألوف إلى الهجرة إلى الشواطئ الأخرى على المتوسط ودول أوربا,عبر سلوك الدروب غير المشروعة, فتكون الحصيلة الموت غرقا أو سجنا, أو على صلبا على قارب مطاطى أو خشبى متهالك بعد دفع تحويشة العمر.
صحيح أنه دخل على خط الأسباب القسرية للهجرة واللجوء إلى الخارج,عامل التنظيمات الإرهابية التي سيطرت على أكثر من نصف مساحة الوطن, وفي مقدمتها تنظيم داعش وجبهة النصرة, غير أن صعودهما إلى المشهد كان نتيجة وليس سببا, نتيجة لتعنت بشار وغياب الرؤية الصحيحة عن تقديره للموقف, إثر انفجار ثورة الشعب السوري, والتي نظر إليها من منظور ضيق ومتعال في الآن ذاته, واعتبر أن الوطن مختزل في ذاته وذاته هي الوطن, فدفعته الزمرة الحاكمة خاصة في بعدها الأمني والعسكري, ومجموعات رجال الأعمال المحيطين بنظام حكمه, إلى التمسك بالبقاء في السلطة, على الرغم من أن نظامه لا يسيطر سوى على مساحة تتراواح بين 10 إلى 15 في المائة, وعلى أكثر تقدير 20 في المائة من مساحة سوريا, بل إن داعش يقترب من العاصمة دمشق, وثمة فصائل قريبة من وسط العاصمة, ولو توحدت الفصائل الثورية غير المتطرفة, والتي تنأى بنفسها عن منهجية الإرهاب الأسود, لأمكن إسقاط نظام بشار بأسرع مما يتصور, على الرغم من الإسناد الذي يحصل على من روسيا,عبر تقديم العتاد العسكري, والذي يقترب من حد المشاركة في القتال ضد الثوار بشكل مباشر وفق تقرير لصحيفة نيويورك تايمز أمس الأول, أو من إيران وميليشيات شيعية في كل من لبنان والعراق.
إن جثمان الطفل الصغير إيلان - وأنا هنا أنقل عن بيان المناشدة التي وجهها إياد مدني الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي- إلى المجتمع الدولي برمته بأن يسقط كل الاعتبارات من حساباته باستثناء "الروح الإنسانية"، و"الكرامة الإنسانية" في معالجته لأزمة اللاجئين السوريين- الذي ألقت به الأمواج على الساحل جثة هامدة، قد عطل لغة الكلام وأخرس كل الألسنة، وذلك حتى يذكرنا بحجم المأساة الإنسانية الكبرى التي كابدها ولايزال يكابدها هو ومئات الآلاف من السوريين، أطفالاً ورجالاً وشباباً وشياباً.
فقد أرغموا، شأنهم في ذلك شأن العديد من أبناء بلدهم الآخرين، على الانطلاق في رحلات غاية في الخطورة والصعوبة، آملين في الحصول على حياة تحفظ أمنهم وكرامتهم في كنف أسرهم وأحبابهم, إن معاملة اللاجئين بطريقة غير التي تحفظ كرامتهم والتي تعاملهم بالرحمة والشفقة، عمل يؤلم ضمير الإنسانية.
وثمة مفارقة تتوقف عندها مناشدة مدني, وهي أن اللاجئين السوريين الذين قضوا نحبهم في عرض البحر المتوسط, أو قضوا اختناقا داخل شاحنة لتهريب البشر في النمسا، ليس من بينهم شخص واحد مسئول عن اندلاع الأزمة السورية,أو عن إخفاق جهود إيقافها.. لكنهم، مع ذلك، ومازالوا يعتبرون الضحايا المباشرين لهذه الأزمة ولفشل المجتمع الدولي، وخاصة أعضاء مجلس الأمن وبلدان المنطقة في إيجاد حل لها.. وبالتالي فإن هذا الوضع يجب ألا يستمر ولا ينبغي له.
ويتابع قائلا: "إن إنسانيتنا هي التي تغرق في ثنايا أمواج البحر المتوسط، وقيمنا ومبادئنا وكرامتنا الإنسانية هي التي تقضي اختناقاً. ومن ثم يجب علينا أن نضع حداً لهذه المأساة على الفور.
وبالطبع، أوافق مدني على مطالبته كافة الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي, والمجتمع الدولي برمته,إلى وضع الخلافات جانباً وحشد جميع الجهود لمساعدة أبناء الشعب السوري ولاجئيه, بحسبان أن هذه الأزمة ليست أزمة سورية أو شرق أوسطية أو أوروبية أو إسلامية، بل هي أزمة إنسانية عالمية تروح ضحيتها أرواح بشرية غالية.
لكن المعضلة – والكلام لكاتب هذه السطور- تكمن بالأساس في النظام الإقليمي العربي, والذي تجسده الجامعة العربية وعجزها عن التعامل مع هذه الإشكالية \ المأساة، وهو ما أقر به أمينها العام الدكتور نبيل العربي,عندما سأله الصحفيون عن رؤيته لتداعيات غرق الطفل إيلان, فانطلق معبرا عن هذا العجز قائلا: إنني أعرب عن أسفي الشديد لما جرى للطفعل ولكن معالجة موضوع اللاجئين أكبر من أن تقوم به الجامعة العربية, معتبرا أن المعالجة الحقيقية لتلك المأساة, تكمن في حل المشاكل السياسية في سوريا، مشيرًا إلى أنه رغم وجود مجهود دولي وعربي في هذا الصدد لكنه لم يفض إلى شيء, لافتا إلى أن استمرار الوضع المأسوي في سوريا – نتيجة استمرار الحرب - انعكست آثاره المدمرة على الشعب السوري, وما عانى منه من تهجير ولجوء ونزوح ومعاناة خارج سوريا وداخلها, يتطلب تضامنًا عربيًا وإجراءات عملية عاجلة للتخفيف من معاناة الشعب السوري, بالسعي لوقف القتال والإسهام في توفير متطلبات الإغاثة الإنسانية.
إن الآلام التي فجرتها واقعة الطفل إيلان عميقة, غير أن القفز عليها لن يتحقق إلا بفعل يعيد سوريا إلى سيرتها الأولى, بلادا للبهاء والخضرة والحقول والجمال ,بمنأى عن حكم بشار الأسد الذي لا يتعين أن يكون جزءا من معادلة الحل, لأنه هو الذي صنع معادلة المشكلة, وفي الوقت ذاته المحافظة على الدولة السورية ومؤسساتها الفاعلة, وتطهيرها مما علق بها من زمن بشار وزمرته قتلة الأطفال ومستخدمي البراميل المتفجرة ضد شعبهم وحتى لو ادعوا أنهم يحاربون الإرهاب, فهم الذين فتحوا شهيته للتمدد والانتشار, مطلوب من بشار أن يتجرع سم الرحيل وربما الهجرة قسرا.