الرئيسة \  واحة اللقاء  \  نسيج إيراني ماهر

نسيج إيراني ماهر

17.06.2013
د.باسم الطويسي

الغد الاردنية
الاثنين 17/6/2013
السؤال التقليدي حول من يحكم إيران، وكيف يُحكم هذا البلد الخلافي؛ يعود بقوة اليوم بعد نتائج الانتخابات التي جاءت بالإصلاحيين مرة أخرى، عقب حكم دام ثمانية أعوام للمحافظين الذين طالما وصفوا بالتطرف. هذا إضافة إلى سؤال: هل ما يحدث هو تبادل ذكي للسلطة في واحدة من العقلانيات السياسية القومية التي تعرف التاريخ جيدا، وتضاريس الجغرافيا السياسية، ومتى تعاند العالم، ومتى تمد له اليد؟
يعود الإصلاحيون إلى الحكم في طهران بعمائم الفقهاء؛ فالإشارات الرمزية لها دلالاتها الكبيرة في منظومة الحكم والأيديولوجيا في هذه البلاد المتخمة بالتاريخ ونقمة الجغرافيا ونعمهما معاً؛ أي إن الإصلاح والاعتدال تحت سقف العمائم. وهناك تقليل من قيمة الانتخابات الإيرانية بأكملها لدى العديد من المدارس الاستراتيجية التي تراقب ما يحدث في هذا البلد منذ أكثر من ثلاثة عقود ونصف العقد، على اعتبار أن طبيعة النظام الإيراني وجوهر الديمقراطية الدينية لا يسمحان إلا بحدود معلومة من التغيير ضمن معايير اللعبة الداخلية للنظام.
ومع الأخذ بعين الاعتبار كل هذه المحددات، إلا أن مراجعة تاريخية لتبادل السلطة بين التيارات السياسية، بالمقارنة مع الأزمات التي تعيشها طهران في كل مرحلة، وطبيعة علاقاتها مع العالم الغربي والإقليم، تحدد كيف يجب أن يكون مزاج السلطة في طهران في كل مرحلة. إذ احتاج تثبيت المشروع النووي الإيراني رجلا قادرا على مقارعة العالم بتطرف بحجم وسلوك محمود أحمدي نجاد؛ وهو ما تم على مدى السنوات الماضية.
ويبدو اليوم أن مصالح إيران بحاجة إلى نوع من الاعتدال، ولغة أكثر قرباً للعالم -وهي الوظيفة التي يؤديها موقع رئيس الجمهورية الإسلامية- أكثر من مسائل الأوضاع الاقتصادية والأزمات الداخلية.
العقلانية السياسية القومية الإيرانية تقدم أنموذجاً مختلفاً من الأداء السياسي. فالنظام الإيراني يقدم مقاربة للمصالح القومية بثوب ديني، يوظف الطائفية والجهاد، ويستدعي خطابات المستضعفين في الأرض ومحاربة الشياطين، ليصب كل ذلك في مصلحة بناء القوة.
وحتى إن اختلفنا مع قيم النظام ومنهجه، فإنه لا يمكن أن ننكر الإعجاب بالقدرة على إدارة المصالح على مدى السنوات الماضية، من خلال إدارة طموحات إيران نحو امتلاك قدرات نووية، وسط ترقب العالم وحساسيته المفرطة حيال هذا الملف الشهير. هذه الدبلوماسية النووية عملت طوال السنوات الماضية على إحداث تسويات مفاجئة أحيانا، وأخرى هادئة، تعيق تحويل الملف الإيراني إلى مجلس الأمن الذي يعني فرض عقوبات جديدة على إيران، وصولاً إلى تشريع استخدام القوة في مرحلة لاحقة.
وقد وصل التصعيد مداه في حقبة الرئيس أحمدي نجاد الذي دافع بمهارة عالية، لا تخلو من التطرف، عن حياكة خيوط الملف النووي عبر علاقات دقيقة وحذرة، تمتد من الصين وروسيا، مرورا بالترويكا الأوروبية، ووصولا إلى حالة الغموض الاستراتيجي الذي يلف علاقات إيران بالولايات المتحدة، وكأن حياكة هذا الملف صناعة يدوية لسجادة فارسية قشيبة. هذا إلى جانب توظيف عناصر اللعبة السياسية الدولية والإقليمية، وخلق حالة توازن دقيق بين جملة من المصالح، لعل أهمها الموقف في العراق، وطموحات إيران الإقليمية الآخذة في النمو نحو دولة إقليمية ذات قوة ضاربة، إضافة إلى غموض ربما مقصود في الاستراتيجيات المتبادلة في علاقاتها مع الغرب؛ ذلك الغموض الذي يريح الطرفين معا، ولا يظهر منه للعلن إلا تاريخ صراع المصالح الطويل الذي تنبعث منه روائح النفط والمياه والكعكة النووية الصفراء، رغم ما يظهر على السطح من أنفاس الأيديولوجيا وصراع الهويات.
بين خطاب الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي- في العام 2000 أمام القمة الاسلامية- والذي غاب عنه تماما خطاب الثورة والصراع، وبين خطابات أحمدي نجاد المملوءة بالوعيد والتهديد، وصولا إلى القادم الجديد حسن روحاني، تدور عقارب الساعة الإيرانية دورة كاملة، تختلف فيها اللغة والشعارات، لكن محور الزمن الإيراني واحد؛ وهو المهارة في إدارة لعبة المصالح الدولية.