الرئيسة \  واحة اللقاء  \  نصرالله وتنظيم الدولة .. أسئلة لا بد منها

نصرالله وتنظيم الدولة .. أسئلة لا بد منها

25.08.2014
ياسر الزعاترة



الدستور
24-8-2014
في خطابه بمناسبة ذكرى حرب تموز 2006، ، تطرق أمين عام حزب الله حسن نصر الله إلى قضية تنظيم الدولة الإسلامية أو “داعش” بحسب تعبيره والتعبير السائد، وما كان لنا أن نتطرق إلى الأمر لولا أن ذلك يتم في سياق من تجريم الثورة السورية، وفي سياق من تجاهل الحقائق الموضوعية التي تدين “الولي الفقيه” الذي يعلن نصرالله تبعيته وتنظيمه له.
سخر نصرالله من القائلين بعمالة التنظيم لإيران وسوريا، ونحن معه في ذلك تماما، وشخصيا نفيت ذلك منذ أن ظهرت هذه النظرية الغريبة التي لا تمت إلى السياسة بصلة، وتبسِّط الأمر على نحو مخل عبر استخدام منطق الجرائم الجنائية عبر سؤال من المستفيد؟ وهو سؤال لا يبدو مقنعا في عالم السياسة، فضلا عن أن جوابه ليس موضع إجماع في الأصل، لاسيما أن المشهد السياسي عموما مركب ومعقد على نحو لا يجعل من السهل قراءته بدقة في كثير من الأحيان.
لحسن الحظ لم يردد حسن نصرالله مقولات إيرانية سائدة حول عمالة التنظيم للولايات المتحدة وإسرائيل، وهي مقولات تورط هو شخصيا فيما يشبهها في السابق، ومعه آخرون من قادة الحزب، إذ اكتفى هذه المرة بالقول، إن أمريكا “غضَّت النظر” عن التنظيم كي “تستفيد منه”، وفي تصريحات أخرى كثيرة اعتبر أن الكيان الصهيوني يستفيد منه أيضا، وعموما فسياسة أمريكا الشرق أوسطية غالبا ما تتحرك على إيقاع الهواجس الإسرائيلية، ولولا ذلك لما كان موقفها في سوريا كما هو عليه، وحيث مُنح النظام وداعموه فرصة تدمير سوريا وضرب حزب الله نفسه وإيران، وتركيا وربيع العرب برمته، لأن من العبث توجيه الإدانة لشعب خرج يطلب الحرية مثل سائر الشعوب في ربيع العرب، ولم يكن متآمرا مع أحد، ولم يتلق أمرا من أحد.
لن نناقش نصر الله في ممارسات الذبح التي يقوم بها تنظيم الدولة، فتلك يرفضها كل عاقل، بما في ذلك منظرو السلفية الجهادية كالمقدسي وسواه، لكننا نتوقف معه عند حكاية أن أمريكا “غضت النظر” عن التنظيم كي تستفيد منه، مقللا من شأن الضربات الجوية التي تقوم بها واشنطن ضده، والتي أعادها إلى قضية كردية ونفطية، مع أن الكل يعرف أن الصفقة كانت مع إيران وهي أولية، ويمكن أن تكتمل لاحقا باتفاق النووي (كانت تنحية المالكي هي الجزء الأول منها).
طبعا لم يقل لنا نصرالله رأيه في الضربات الأمريكية، وهل يؤيدها أم لا؟ وهل التدخل الأمريكي في العراق محمود، وفي سوريا ملعون (ماذا لو تم ضد الدولة؟!)؟ فتلك حكاية تكشف الكثير من التناقض في خطاب ما يُعرف بمعسكر المقاومة والممانعة الذي اكتقى بالكلام فيما كانت غزة تذبح أمام العالم أجمع (غيره في المعسكر الآخر مارس التآمر طبعا).
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: كيف غضت أمريكا النظر عن تنظيم الدولة؟ أليس هو من قاد الحرب ضدها في العراق وأنهكها على نحو دفعها للهرب ووضع البلد برمته رهن الإرادة الإيرانية؟ ألم يكن بشار الأسد يتعاون مع التنظيم في العراق حتى هدده المالكي بتحويله إلى محكمة الجنايات الدولية بتهمة قتل العراقيين؟ هل نسي نصر الله ذلك كله، وهل نسي أنه كان يشيد بالمقاومة العراقية التي كان التنظيم جزءا أساسا منها قبل أن يشرع في استهداف الشيعة، ومن ثم المنخرطين في العملية السياسية من السنّة؟!
لقد كان تنظيم الدولة (كان التوحيد والجهاد، ثم قادة الجهاد في بلاد الرافدين، ثم الدولة الإسلامية في العراق)، وبعيدا عن أي خلاف معه بعد ذلك هو رأس الحربة في إفشال مشروع الغزو الأمريكي للعراق الذي كان يستهدف إيران وسوريا أيضا، فكيف غضَّت أمريكا النظر عنه؟!
لتذكير نصرالله أيضا، فقد كان التنظيم في حالة تراجع واضحة خلال سنوات ما قبل الربيع العربي بسبب ظهور الصحوات التي كانت في جزء منها ردا على اشتباكه مع العديد من القوى والفعاليات في المجتمع العربي السني، وبالتالي فقدانه الحاضنة الشعبية. بعد ذلك دخلت ظاهرة السلفية الجهادية مرحلة التراجع بعد انتصار الثورة في تونس ومصر وجزئيا في اليمن (سلميا)، لكن ما أعادها إلى المشهد بقوة من جديد (في مقدمتها التنظيم المذكور) هو رد بشار على ثورة الشعب السوري، ورد المالكي على العرب السنَّة بقمع حراكهم السلمي، مع الإصرار على تهميشهم.
لذلك كله، فإن المسؤول الأول والأكبر عن تمدد تنظيم الدولة، ليس أمريكا، وإنما إيران التي وقفت إلى جانب طاغية يقتل شعبه، وآخر يهمِّش جزءا أساسيا من الشعب، ويدير البلد بروحية طائفية إقصائية.
لن يعترف نصرالله بذلك، لا هو ولا مريدوه، ولا عموم المنحازين  لمن يقتل شعبه في سوريا، وهم أنفسهم الذين يرحبون اليوم بضرب أمريكا لتنظيم الدولة، بينما كانوا حتى الأمس يرونه عميلا لها.
تنظيم الدولة كان ردا على غطرسة إيران وحلفائها، وسيبقى قائما وقويا حتى تعود إلى رشدها وتقبل بحجمها الطبيعي في المنطقة، وتكف عن إعلان الحرب على الأمة واقعيا، بينما تتحدث عن التعايش في الكلام الإعلامي، ولو كان سلوكه (أعني تنظيم الدولة) منضبطا لحصل على تأييد كبير من الأمة، لكن المصيبة أنه يشتبك مع الجميع على نحو لم يترك له إلا عضلاته الذاتية وقليلا من المؤيدين، وهذه لا تكفي وحدها، علما أن الرد على غطرسة إيران في سوريا والعراق ليس حكرا عليه، بل يشارك فيه آخرون، فعلا وقولا، وما هذه العزلة التي تعانيها إيران وشركاؤها عن غالبية الأمة سوى دليل على ذلك.