الرئيسة \  واحة اللقاء  \  نصر الله والمقامرة بمصير اللبنانيين

نصر الله والمقامرة بمصير اللبنانيين

04.02.2015
أوّاب المصري



الشرق القطرية
الثلاثاء 3-2-2015
مرّ لبنان الأسبوع الماضي بقطوع خطير، بعد العملية العسكرية التي نفذها حزب الله في مزراع شبعا. ولو أرادت إسرائيل تكرار ما فعلته عام 2006، لكانت مختلف المناطق اللبنانية تتعرض لقصف إسرائيلي مدمر. لكن إسرائيل اكتفت بردة فعلها التلقائية بإطلاق عدد من القذائف العشوائية على قرى الجنوب، ونجح حزب الله بالاحتفاظ بما تبقى من ماء وجهه، بعدما أعاد لذاكرة العالم أن دوره ليس محصوراً بمشاركة النظام السوري في قتل شعبه، فهو أيضاً يواصل دوره في مواجهة إسرائيل. علماً أن ما يقوم به الحزب بمواجهة إسرائيل لايقارن بدوره في سوريا. فالمواجهات التي خاضها حزب الله مع إسرائيل منذ عام 2006 لم تتعد أصابع اليد الواحدة، وهي مواجهات باتت أقرب للمناوشات سرعان ما تتم السيطرة عليها ومنع تفاقمها كما شهدنا قبل أيام. والقتلى الذين سقطوا من صفوف الجيش الإسرائيلي على يد الحزب منذ قرابة عشر سنوات هم كذلك لايزيد عددهم عن أصابع اليدين. في حين أن الحزب يخوض منذ أكثر من ثلاث سنوات حرباً متواصلة في سوريا، والضحايا الذين تسبب بقتلهم من السوريين وكذلك من الفلسطينيين (في مخيم اليرموك) باتوا بالآلاف، والمعركة مازالت مستمرة...
العملية العسكرية التي نفذها حزب الله في مزارع شبعا هي رد مباشر على استهداف إسرائيل مجموعة من قادة الحزب العسكريين وكذلك أحد كبار ضباط الحرس الثوري الإيراني في منطقة القنيطرة السورية. هذا الاستهداف أضلعه ثلاثة: حزب الله ومعه إيران وهما الجهة المعتدى عليها، إسرائيل وهي الجهة المعتدية، سوريا وهي البقعة الجغرافية التي حصل على أرضها الاستهداف. رغم ذلك أبى حزب الله إلا أن يحشر لبنان في المعادلة، وكأن لبنان لايكفيه من المشاكل والمصائب التي سبق للحزب أن تسبب بالكثير منها. فكان رده بعملية عسكرية نفذها في منطقة مزارع شبعا اللبنانية تسببت بقتل وجرح عدد من الجنود الإسرائيليين. كان بإمكان حزب الله تنفيذ عملية مشابهة من الجهة السورية بعدما انتقل آلاف مقاتليه إليها، خاصة أن الاستعدادات والتحصينات الإسرائيلية على جبهة الجولان هي أضعف بكثير من تلك على الجبهة اللبنانية. وهو حينها كان سيحقق أهدافاً إضافية، كمحاولة تبييض صورة النظام السوري السوداء من خلال إشراكه في مواجهة مباشرة مع إسرائيل، وكذلك إحراج بعض الدول العربية والمعارضة السورية الذين كانوا سيبدون وكأنهم في خندق واحد مع إسرائيل. رغم كل ذلك أصر حزب الله -كما دائماً ودون استئذان- على حشر لبنان حكومة وشعباً وجيشاً واقتصاداً وبنية تحتية في مواجهة مفتوحة مع إسرائيل.
ماذا لو كررت إسرائيل السيناريو الذي قامت به عام 2006، حين تذرعت بخطف حزب الله لجنديين من جنودها، فشنت عدواناً عسكرياً واسعاً استهدف مختلف المناطق اللبنانية من الجنوب إلى الشمال، لاسيما البنى التحية من جسور ومحطات كهرباء وتدمير آلاف المنازل، إضافة لمقتل المئات وجرح الآلاف، ونزوح قرابة مليون ونصف لبناني. بعيداً عن الحسابات الإسرائيلية الداخلية والخارجية التي حالت دون تنفيذ عدوان واسع، بماذا كانت تفكر قيادة حزب الله حين أقدمت على توريط لبنان بحرب إسرائيلية شاملة؟ هل يعتقد حزب الله أن لبنان قادر على تحمل نزوح سكاني مشابه لما حصل عام 2006، في الوقت الذي يستضيف على أرضه قرابة مليون ونصف مليون نازح سوري؟ هل يعتقد حزب الله أن البنية التحتية للبنان المهترئة ستصمد أمام أي عدوان جديد؟ هل يعتبر الحزب أن الاقتصاد اللبناني الذي يقف على كف عفريت قادر على تحمل تكلفة إعادة إعمار ما قد يدمره العدوان الإسرائيلي؟ هل يعتقد حزب الله أنه مازال يمتلك رصيداً من التعاطف والتعاون بين اللبنانيين يمنحه الغطاء الشعبي للمقامرة بمصيرهم؟!.
هي ليست المرة الأولى التي يرغم بها حزب الله لبنان واللبنانيين على خوض معارك ليست لهم. فعلاوة على الجبهة الجنوبية مع إسرائيل، ورّط الحزب لبنان –ومازال- بمواجهة على حدوده الشرقية والشمالية مع الجماعات الإرهابية التي أرادت أن تثأر من دور حزب الله في سوريا، وقد نجح الحزب بالدفع بالجيش اللبناني إلى مواجهة هذه الجماعات رغم أن المعركة ليست معركته.
حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله أكد من وراء شاشة كبيرة أن حزبه لايخشى وقوع حرب مع إسرائيل. من يسمع هذا الحديث يظن أن نصر الله هو المتضرر من هذه الحرب، متناسياً أن العبء الأكبر لحرب مماثلة ستكون على كاهل الشعب اللبناني والدولة اللبنانية، الذين يتلقون الضربة دون أن يصلهم قرشاً من المال الإيراني "النظيف" لإعادة إعمار ما تدمر.