الرئيسة \  مشاركات  \  نصر الله في خطابه الأخير .. هل يهرب إلى الأمام؟

نصر الله في خطابه الأخير .. هل يهرب إلى الأمام؟

05.02.2015
الطاهر إبراهيم




لا يجهل أحد في سورية ولبنان أن إسرائيل غير معنية بقتال حزب الله في الوقت الحاضر ولا من قبل، ولا تخيفها عنتريات حسن نصر الله التي يتقمصها بين وقت وآخر. وقد كشفت ضربة القنيطرة التي قتل فيها ستة من كبار كوادر حزب الله وجنرال إيراني، أن إسرائيل قد غرست داخل حزبه من ينقل لها أي تغيير يطرأ على الأسلحة التي ترسلها إليه طهران، فتقوم بقصفها قبل وصولها إلى مستودعاته في لبنان.
ما لم يقله نصر الله في خطابه الأخير يوم الجمعة في 30 كانون الثاني الماضي أن المجموعة التي استهدفتها إسرائيل في القنيطرة لم تكن في مهمة ضد إسرائيل، بل في مهمة ضد مقاتلي جبهة النصرة في هضبة الجولان التي كان مقاتلوها يعبرون منها إلى جرود عرسال في لبنان لقتال جنود نصر الله.
إسرائيل، وبرغم الهدنة الطويلة مع حافظ أسد ومن بعده وريثه بشار منذ عام 1974،وامتدت أربعين عاما، والهدنة مع حزب الله حسب القرار 1701 للعام 2006، فإنها لا تسكت على أي دورية لحزب الله تقترب من حدود لبنان الجنوبية. مع ذلك آثرت السكوت على مقتل جنديين إسرائيليين قتلهما الحزب، فلم ترد عليه كي لا ينشغل عن قتال المعارضة السورية. مع ذلك فإن إسرائيل كلما علمت بوجود أسلحة يكدسها الحزب في سورية، فإنها توجه طائراتها كي تقصف تلك الأسلحة. سورية بطبيعة الحال كانت لا ترد على قصف إسرائيل. وحزب الله كان "يطنش" ويعتبر أنه غير معني بالقصف، خصوصا بعد تورطه في سورية.    
سكوت إسرائيل عن وجود بضع مئات (وليس آلافا كما زعم نصر الله تحريضا لإسرائيل) من مقاتلي جبهة النصرة في الجولان السوري لا ينبع من رضاها عما يفعله هؤلاء، بل لأنها تريد أن تستمر الاشتباكات بين جيش بشار أسد وبين مقاتلي جبهة النصرة على مبدأ: (فخار يكسّر بعضه)، لأن أي قتيل من الطرفين يصب في خانة إسرائيل.
ما جاء في خطاب نصر الله الذي حاول فيه قلب انكساره إلى انتصار يعتبره المراقبون هروبا إلى الأمام ويعتمد على تفاهمات تمت بين طهران وتل أبيب تمت من تحت الطاولة، وبعضها من فوقها برعاية واشنطن. لأن الطرفين يواجهان عدوا مشتركا هو الفصائل الجهادية السنية في سورية. وقد سمعنا نتنياهو يعلن رغبته بعدم استمرار القتال مع حزب الله، لأسباب تتعلق بالانتخابات في إسرائيل. أما نصر الله فكان يحرك قبضته عبر شاشات القنوات من داخل السرداب الذي يقبع فيه، وقد اطمأن أن المواجهة انتهت مع إسرائيل.
لوعدنا إلى مجموعة حزب الله التي استهدفتها إسرائيل في القنيطرة وفيها جهاد بن عماد مغنية الذي قتلته إسرائيل عام 2008 في دمشق وجنرال إيراني كبير مساعد للجنرال قاسم سليماني، كانت مهمتها دراسة أرض تسيطر عليها قوات جبهة النصرة التي كادت أن تستولي على ما تبقى من هضبة الجولان في يد بشار.كما اتصلت بقوات الجيش الحر الذي حرر معظم الألوية العسكرية المتمركزة في درعا. كانت مهمة مجموعة القنيطرة دراسة كيفية منع مقاتلي جبهة النصرة من الانتقال إلى جرود عرسال في لبنان حيث مواقع عسكرية لحزب الله.
بالتأكيد فإن إسرائيل أخبرت بمهمة تلك المجموعة، أخبرها بها مخبرها المغروس في حزب الله. وقد فضلت إسرائيل استهداف تلك المجموعة وأن تقتل أفرادها لكي تقول لطهران أن يد إسرائيل تطاول كل من يقترب من حدودها، حتى لو كانت مهمته هو قتال عدو مشترك لهما مثل جبهة النصرة.
في السياق أكد وزير الحرب الصهيوني موشيه يعلون صباح الخميس، أن حزب الله أبلغهم عبر قوات “يونيفيل” في جنوب لبنان، بأنه غير معني بمواصلة التصعيد، وأن قتل الجنديين  الإسرائيليين يمثل نهاية للتصعيد. في حين كشفت القناة الإسرائيلية الأولى ليلة الخميس أيضا أن تل أبيب أبلغت حزب الله أيضا بشكل غير مباشر، عدم رغبتها بالتصعيد من خلال دعوتها للمستوطنين في الشمال إلى العودة لنمط حياتهم العادي.
بالتأكيد، فإن التصعيد لا يخدم نتنياهو لانشغاله في الانتخابات البرلمانية. أما حزب الله، فإن قتل الجنديين الإسرائيليين يحفظ بعض ماء الوجه الذي أهدرته عملية القنيطرة والاستهدافات الإسرائيلية السابقة لأسلحته على حدود سورية، لكنه لا يستطيع المضي أكثر في قتال إسرائيل بسبب التوازن الحرج بينه وبين المعارضة داخل سورية أو على الحدود في جرود عرسال. ثم إن حزب الله محكوم بتعليمات طهران التي ترفض التصعيد مع إسرائيل ما قد يؤثر على بقاء نظام بشار.
استطرادا، ورغم الوضع المأساوي، للمعارضة السورية بسبب رفض واشنطن عن تسليحها، حتى المعتدلين منها، فقد سجلت هذه المعارضة انتصارات ضد جيش بشار وميليشيا حزب الله في حلب وفي ريف إدلب وفي دمشق وفي درعا.
بالجملة، فإن وضع المعارضة السورية لا يسر الصديق، بسبب تخلي أكثر الدول الداعمة لها. وأما حزب الله الذي يعتمد على الحبل السري الذي يمده بالحياة من طهران، فإننا قد نسمع انتكاسات في قوته في القريب العاجل، وأن عنترياته في خطابه الأخير إنما هو هروب للأمام ، ومن ينتظر رجبا يجد عجبا!