الرئيسة \  واحة اللقاء  \  نصر الله في صورة أخرى

نصر الله في صورة أخرى

11.05.2015
ماجد كيالي



المستقبل
الاحد 10-5-2015
لم يأت حسن نصر الله في خطابه (الثلاثاء الماضي) على ذكر علي عليان القائد العسكري في حزب الله ونائبه توفيق النجار، وباقي مقاتلي حزبه، من الذين سقطوا صرعى المواجهات المجانية في منطقة القلمون في ريف دمشق الغربي، أي في الأراضي السورية، والذين كانت وسائل الإعلام ووسائط التواصل الاجتماعي تتحدث عنهم، آنذاك، لم يأت على ذكرهم البتة، وكأنهم لم يكونوا موجودين، أو كأن ليس لهم قيمة تذكر، ولا حياة ولا أهل ولا أسماء.
في الواقع لا يوجد أي مبرر لزعيم هذا الحزب تجاهل هؤلاء، أو التقليل من شأنهم، وعلى الأقل من باب تعزية ذويهم، وهو الذي عوّد جمهوره على الافتخار بمقاتليه وتمجيد منازلاتهم ووسم أفعالهم بالشجاعة والبطولة.
لا يوجد اي مبرر لهذا النسيان، وبالأصح لهذا التنكر، ولا حتى من قبيل درء الحرب النفسية، التي ادعى أنها تستند الى مجرد ادعاءات تحاول النيل من معنويات جمهوره، فقط التفسير الوحيد لضحايا الحزب إنما يكمن في ما يتم حجبه، أي في الشعور بأنه لا قيمة البتة لكل الضحايا، في سبيل قضية الحزب، أو قضية تغوله على اللبنانيين، ويأتي ضمن ذلك بالتأكيد الطائفة التي يخطفها، أو التي بات يحتكر تمثيلها.
والحال، فإن الحزب الذي لا يبالي بمعاناة وعذابات السوريين، ولا بضحاياهم، الذين بات عددهم يزيد عن الثلاثمئة ألف، والذي يشارك في قتلهم، لن يهمه مصرع عشرات أو مئات أو حتى ألوف اللبنانيين، حتى لو كانوا من جمهور "الشيعة" أو غيرهم من دون أن ننسى أن هذا الحزب سكت على ميشال سماحة، وعلى كثيرين من أمثاله، من الذين كانوا يشتغلون على التفجير في اللبنانيين، من موقع الشراكة معهم في خدمة المشروع الإيراني ـ السوري، إذ لا يوجد شعب لبناني أو عراقي أو سوري أو يمني، في مصطلحات هذا الحزب، فقط ثمة قضيته كذراع سياسية وعسكرية وطائفية للنظام الإيراني.
ناحية أخرى يمكن ملاحظتها في الخطاب المذكور وهي ان نصر الله الذي تعود على بث روح الحماسة في جمهوره، وعلى الظهور بمظهر المفتخر، والمتغطرس، والمتوعد، تخلى عن كل ذلك دفعة واحدة، في خطاباته الأخيرة. وعلى الأرجح فقد بدا في خطابه الأخير كأنه ظهر كرفع عتب، ما يعزز الاعتقاد بأنه كان يود أن يتحدث عن شيء، وأن يزف لجمهوره شيئا ما، لكنه اضطر، مع الأخبار الواردة من ساحات القتال في سوريا، إلى الحديث عن شيء آخر، وعلى نحو آخر، مختلف تماما. أي ان الصورة التي حاول نصر الله الظهور بها كانت صورة للحجب والتورية ولإنكار الواقع، مع محاولة تهدئة روح الموالين والمتعاطفين. هذا يفسّر أن نصر الله حاول التقليل من أهمية النجاحات التي حققتها المجموعات السورية المقاتلة، في الشمال والجنوب وحتى في منطقة القلمون، سيما إذا أخذنا بالاعتبار مشاعر النصر والحبور والاحتفاء التي حاول تعميمها نصر الله وحزبه ابان تراجع الجماعات السورية المسلحة، ونحن نتذكر القصص المشينة عن توزيع جمهور الحزب الحلوى في بعض مناطق لبنان، ابان سقوط بابا عمرو في حمص (مطلع 2012) أو القصير (منتصف 2013) مثلاً، مع كل ما تمخضت عنه من جرائم ومذابح ارتكبها النظام ومن معه بحق السوريين.هكذا فإن هذا الخطاب، لاسيما في شقه السوري، جاء مختصرا وخاليا من الروح الحماسية، أما في المضمون فجاء مليئا بالتناقضات والأضاليل، ومنها ارتكازه على قضية خاسرة تتمثل بالتوظيف في المشروع الإيراني/الطائفي في المنطقة، من لبنان الى اليمن مرورا بسوريا والعراق، ويأتي ضمن ذلك الموقف الشائن المترتب على السقوط الأخلاقي في الدفاع عن نظام الأسد، القائم على الاستبداد والافساد، وعلى قتل السوريين وتخريب عمرانهم.
فعلاً هذا أمر لافت للانتباه إذ لا يمكن تفسير إقدام زعيم ميلشيا طائفية، في بلد بحجم لبنان، على ادعاء سياسة تشمل المشرق العربي كله وصولاً إلى اليمن، لولا اشتغاله في خدمة مشروع اكبر، أي الاشتغال كتابع للنظام الإيراني، وهو مشروع لا مصلحة للشعب اللبناني، ولا السوري أو العراقي أو اليمني، فيه. المشكلة أن نصر الله يأخذ على السعودية، وغيرها، التدخل في اليمن، وهي على حدودها الجنوبية، متناسيا أن إيران تتدخل بكل فجاجة في سوريا، كما في اليمن، وانها باتت منذ سنوات في موقع الهيمنة في العراق. والأنكى ان نصر الله يحمل على السياسات التي تنتهجها الولايات المتحدة لأنها لا تلاقي هواه، أو لأنها تتوخى بعض الموازنة بين الميليشيات التي يتحالف معها، والأطراف العراقية الأخرى، في حين يتناسى أنها هي التي مكنت قادة تلك الميلشيات من التحكم بالعراق والهيمنة عليه.
في غضون هذا، نسي نصر الله أن حليفه المالكي، الذي استقبله في ضاحية بيروت الجنوبية، حكم العراق لمدة عقد تقريبا، وقدم أسوأ الأمثلة عن اقتران الفساد والاستبداد والطائفية والعمالة لإيران، بدليل ما حصل، إذ تم اهدار أو نهب أكثر من ثلاثمئة بليون دولار، وقد تبين أن ثمة أكثر من خمسين ألف وظيفة وهمية في كشوف دولة المالكي، في السلكين المدني والأمني، ناهيك عن انهيار الجيش العراقي الذي أُنفق عليه عشرات بلايين الدولارات، وظهور جماعات "داعش" واستيلائها على جزء كبير من الاراضي العراقية.
تحدث نصر الله أيضاً عن تقسيم العراق، متناسياً ما فعلته إيران وميلشياتها، في دول المشرق العربي وصولاً إلى اليمن، وما فعله حليفه المالكي، مع ترسيخ الفساد والعصبيات الطائفية وتحويل شعب العراق إلى ميليشيات متحاربة، وأن الطبقة العراقية الحاكمة التي يدافع عنها جاءت على ظهر دبابة اميركية.
في الجزء السوري من خطابه تجاهل نصر الله انه داعم لنظام يحكم شعبه منذ قرابة نصف قرن، بواسطة القوة والإكراه، وبكل عناصر الاستبداد والفساد، وانه انحاز لهذا النظام ضد شعبه، منذ بدايات الثورة السورية، وقبل ظهور اي من الجماعات المسلحة، والأهم من كل ذلك أن هذا الحزب بات شريكا في جريمة قتل السوريين، وأنه أسهم في ذلك ببروز الجماعات المسلحة، بكل أشكالها، وأن رجال حزبه يُقتلون ويُقتلون في الأراضي السورية، وأنه شريك في جلب ترددات الانفجار السوري إلى الداخل اللبناني.
باختصار، بدا نصر الله، هذه المرة، بائساً، وفي واحدة من أهم لحظات ضعفه وانكفائه وانكشافه.