الرئيسة \  واحة اللقاء  \  نصر لإسرائيل.. نصر للأسد

نصر لإسرائيل.. نصر للأسد

03.11.2013
منار الرشواني


الغد الاردنية
السبت 2/11/2013
لطالما كانت الاعتداءات الإسرائيلية على سورية، خبراً سعيداً لنظام بشار الأسد. فقبل اندلاع الثورة في العام 2011، كان هذه الاعتداءات تُعزّز وصفه بأنه نظام "مقاومة وممانعة"، وتُغطي ضمن ذلك على حقيقة صمت جبهة الجولان منذ العام 1973، فضلا عن تبرير الفساد والاستبداد اللذين ينهشان روح السوريين قبل أجسادهم. أما أثناء الثورة، وإن إلى وقت قريب فقط، فقد أُريد للاعتداءات الإسرائيلية أن تكون دليلاً على خيانة الثورة وعمالتها، ولو باستغباء الذات عبر المراهنة على فقدان الناس ذاكرتهم، والتي تحفظ جيداً أن هذه الاعتداءات التي طالما مارس نظام الأسد تمام "ضبط النفس" إزاءها، إنما تسبق اندلاع الثورة بسنوات مديدة!
لكن الآن، وإذ تتواصل الاعتداءات الإسرائيلية بشكل روتيني وغير مسبوق، وآخرها قبل أيام، فإنه يمكن القول إنها لم تعد تفيد الأسد ونظامه إعلامياً، بل هي باتت بمثابة حبل نجاته للاستمرار في الحكم. والغريب أن ذلك ليس إلا بسبب ما تُلحقه من دمار ضخم بترسانة الصواريخ الاستراتيجية السورية، بالتزامن مع تدمير البرنامج الكيماوي على يد منظمة حظر الأسلحة الكيماوية.
ففي تقريره "الجواسيس داخل دمشق"، والمنشور في مجلة "فورين بوليسي" الأميركية بتاريخ 19 أيلول (سبتمبر) الماضي، يوضح كبير مراسلي الشؤون العسكرية والاستخبارية في صحيفة "يديعوت أحرنوت" الإسرائيلية، روننبيرغمان، أن تركيز المسؤولين الإسرائيليين لم يكن ينصب أساساً على الجيش النظامي السوري، الذي ازداد ضعفاً بسبب إنهاكه في قمع الثورة. الهاجس الإسرائيلي ومبعث القلق كانا البرنامجين "الصاروخي" و"الكيماوي" (ولاحقاً البرنامج النووي المجهض)، اللذين تم تطويرهما بشكل منفصل عن الجيش النظامي بل وعلى حسابه، وكانا مرتبطين ببشار الأسد، وقبله والده حافظ، بشكل شخصي.
هنا يبدو التفسير للمفارقة في تحول تدمير البرنامجين السوريين الأهم إلى وسيلة لإقناع إسرائيل والغرب ببقاء الأسد في حكم سورية. إذ بتحقق هذا التدمير، يُفترض أن تطمئن إسرائيل إلى أن الأسد ما عاد يشكل أي تهديد من أي نوع لها، وكل ما يريده هو البقاء في الحكم؛ كما يشهد على ذلك "صمته" و"تعاونه". وبحساب عقلاني، يُفترض بالغرب وإسرائيل تالياً الحرص على الأسد وبقائه، لاسيما مع قرب الاتفاق مع إيران (وحزب الله بالنتيجة)، ولأن بديل الأسد هو مجموعات متعددة، بعضها غامض التوجهات والرؤى، ولربما يكون بينها من ما يزال يؤمن بحق سورية في الجولان الهادئ حد تحويله منتجعاً عالمياً! بل وأيضاً حق الفلسطينيين في أرضهم! أو قد يحاول على الأقل استغلال المطالبة بتلك الأراضي والحقوق المستلبة، لبناء شرعية أو شعبية ما، كما فعل الأسد ذاته.
في سياق هذا الحرص على طمأنة الغرب وإسرائيل، يمكن تفهّم إعلان الأسد، من دون مواربة، في مقابلة مع مجلة دير شبيغل الألمانية بدايات الشهر الماضي، امتناعه عن الرد على أي عدوان إسرائيلي محتمل. كما يمكن أيضاً تفهّم تعاون النظام منقطع النظير لتدمير السلاح الكيماوي السوري. وليس مستبعداً أن يكون أول من يدخل "السفيرة" في حلب بعد قوات الأسد والمليشيا الطائفية اللبنانية والعراقية، هم المفتشون الدوليون؛ لتدمير وإعطاب منشآت إنتاج المواد الكيماوية الموجودة هناك.
أما الأمر الأشد دلالة، فهو تشارك الطائرات العسكرية السورية والإسرائيلية سماء سورية اليوم، لا مواجهة بل تكاملاً، لتدمير الهدف ذاته بشكل كامل: سورية. لكن حتى هنا يؤدي النظام المهام القذرة باستهداف المدنيين بطائراته، فيما يتولى الإسرائيليون الإجهاز فقط على المواقع العسكرية السورية!