الرئيسة \  واحة اللقاء  \  نطفئ شمعة لنوقد بركانًا آتيًا

نطفئ شمعة لنوقد بركانًا آتيًا

20.03.2019
نزار السهلي


جيرون
الثلاثاء 19/3/2019
نطوي عامًا جديدًا من عمر الثورة السورية، واكبنا خلاله أحداثًا كبيرة وتطورات عديدة، رسمت مسيرة الشعب السوري وثورته، تفاعلات عميقة شهدتها الجغرافيا السورية والعالم من حولها، رسخت على ساحتها سيطرة وحشية دامية للأسد، وجعلت أنياب الدب الروسي ومخلبه تقطر دمًا، ومكّنت الاحتلال الإيراني فوق حطام السوريين، وإذا كان من المعترف به أن السوريين قدّموا أغلى التضحيات لمواجهة الطاغية وحلفائه، ومواجهة خذلان العالم كله، بما فيه خذلان من “واكب” تضحياتهم لفظًا؛ فإن الطموحات والهمم عالية جدًا، وما تزال أكبر من المنجزات التي حققها السوريون.
القضية الناشئة أمام الشعب السوري، وهو يودّع عامًا من التضحيات ويستقبل موجات قتل ودمار، أن النظام بدأ مع قوة الاحتلال الروسي رسم باقي اللوحة في الشمال السوري، لتكون مكتملة مع الحطام الكلي، وهذا يفسح أمام ثورتهم مجالات أوسع لدراسة بدائل كانت مطروحة منذ البداية، لكن وحشية النظام غطّت على كل شيء، من دون الشعور بالحاجة إلى اتخاذ قرارات من شأنها تضييق الخناق على السوريين أكثر، بعد افتضاح وحدة الجبهة المعادية لهم، عربيًا وإقليميًا.
في هذا المجال، يمكننا التقرير أن العالم أخذ يُدرك أنه لا يمكن تحقيق السلام بالعدل أو بغير العدل للسوريين، من دون معالجة جذرية لجرائم النظام التي ارتكبها بحق سورية والسوريين، جرائم هي منشأ الكارثة السورية التي بدأت قبل خمسة عقود، وشكّلت بديهة حقيقية منذ ثمانية أعوام، وصارت بالنسبة إلى بعض مراكز القضاء الأوروبي والضمير الإنساني، قناعة مستجدة ومسلّمة جديدة في التعاطي مع القضية السورية، مع اشتداد سيطرة الأسد بالحطام والنار والجثث.
يستتبع هذا بالضرورة أن كل محاولة يروّج لها المحتل الروسي، عن طريق آلة الدمار الأسدية، لإيجاد حل يتفق مع عقلية الإجرام المجربة في الأقاليم الروسية أو “السوفيتية” فوق الجغرافيا السورية للإخضاع التام، مكتوبٌ لها الفشل التام، لأسباب سورية بحتة نابعة من خصوصية وفرادة الجرائم التي ارتكبها النظام وحلفاؤه، وإذا عدنا لوقائع أعوام السوريين المنصرمة؛ وجدناها حافلة بأساليب مدموغة بالأسدية.
ثمانية أعوام، درجت معظم الدراسات على تناول جوانب مختلفة لمسلك النظام، ومنها الدعائية والأيديولوجية، لمحاولة إثبات بطلان وزيف حرية الشعب السوري، ذلك أن قياس منطق القانون وشرعة حقوق الإنسان، أو مئات الأدلة والبراهين التي تثبت انتهاك النظام للقانون الدولي وارتكابه لجرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية، هي من مظاهر المواجهة المقبلة مع النظام، وتتجاوز نظرة السوريين لأنفسهم، كمحامين يقومون بمرافعات حقوقية أمام محكمة كونية مطلقة الحياد.
وكما استثمر النظام كل مظاهر القوة والوحشية إلى أقصى حد ممكن، يجب استثمار كل مظاهر القانون الدولي والإنساني لمحاصرته وملاحقته لعدم الإفلات من العقاب، من خلال القدرة على تجنيد الطاقات إلى الحد الأقصى، وبعيدًا من التدخلات والتجاذبات التي كانت سببًا في إطفاء شموع السوريين في طريق معتم من مسيرتهم المستمرة.
عام جديد يطفئ فيه السوريون شمعتهم الثامنة، وأكثر من أي وقت مضى، يجدون أنفسهم أمام امتحان صعب يستوجب قرارات حاسمة وواضحة، قادرة على فضح الخديعة التي طالتهم، ومحاكمة النظام وأعوانه عن جرائم الإبادة الجماعية وتفريق السوريين وتهجيرهم وطمس شخصيتهم وإذابتها في مرآة الطاغية، امتحان يمكن تجاوزه في عالم اليوم، وعام الثورة الجديد، وبقدر ما أن الأمور والأحداث لم تجرِ وفق ما نرغب ونشتهي في الأعوام الماضية، لأكثر من سبب، فإن الراهن لا يجوز أن نتعامل معه وكأنه خالد وثابت وقدر لا يُرد.
أخيرًا، في عام السوريين الجديد، وفي هتافات أهل درعا ضد صنم الطاغية، يمكننا أن نجزم، وإن كان التحليل التاريخي لا يسمح بالجزم القاطع، بأن النظام في بداية التراجع والتقهقر، وهذا لا يعني أنه حقق بعض “السيطرة” وعرقل وأبطأ سرعة تقهقره وانهياره، كما لا يعني أن الثورة السورية ستكون بمنأى عن الانتكاسات المرحلية والطارئة، لكن ما تم تحقيقه هو أن التآكل البنيوي للنظام، على الصعيد الاجتماعي والثقافي والفكري والأيديولوجي والأخلاقي، نهش قلبه، حتى لو سحقت فاشيته شموع السوريين، فإنهم يتهيؤون لتثوير بركان آت لملايين الأسباب المقيمة بينهم.