الرئيسة \  واحة اللقاء  \  نظام الاستبداد والعقلية الاستبدادية

نظام الاستبداد والعقلية الاستبدادية

09.08.2014
لؤي صافي



الحياة
الخميس 7/8/2014
يتهم بشار الأسد خصومه السياسيين بالخيانة في خطاباته المتكررة، وتنظيم "داعش" ومن لف لفه يسم القوى الثورية الخارجة عن سلطانه بالكفر، وكلاهما يستبيح الخصوم والمعارضين، وكلاهما يسعى إلى فرض رؤيته الأحادية على الآخرين. لكن المشكلة لا تقف عند أعداء الثورة السورية بل تنخر في الجسد المنتفض على الظلم والاستبداد. فقد أظهرت تجربة السنوات الثلاث ونيف الماضية من عمر الثورة جهوداً مهمة للتخلص من نظام الاستبداد، ولكنها لم تشهد قدراً كافياً من العمل للتخلص من عقلية الاستبداد التي ولّدت النظام كما ولّدت التطرف والتشدد، والتي انتشرت خلال العقود الأخيرة على مستوى السلوك والثقافة العامة داخل المجتمعات العربية التي خضعت لأنظمة مستبدة.
مواقع التواصل الاجتماعي مليئة بخطاب التخوين والتهديد تجاه قوى ثورية وسياسية معارضة لم تتماه في رؤيتها ومواقفها مع تلك التي تبناها معارضون آخرون أطلقوا أحكام التخوين والعمالة ضد رفاق الدرب الثوري الذين لم يتفقوا معهم. العديد من الكتائب المقاتلة أصدر بيانات بعد اتخاذ "الائتلاف الوطني" السوري قرار المشاركة في مفاوضات جنيف، ونهجت في خطابها نهج التخوين والتهديد وهدر الدماء. أصوات مشابهة صدرت مؤخراً نحو مبادرة أحمد معاذ الخطيب، واتهمته بالتآمر على الثورة وخيانتها فقط لأنه دعا إلى إنهاء حالة الاقتتال والدخول في حل سياسي لا تتوافر شروطه الموضوعية.
السنوات الثلاث الماضية قدمت لنا جملة من المواقف "الاستبدادية" من شخصيات وأفراد محسوبين على الثورة، ويعملون داخل صفوفها، تظهر بين الفينة والأخرى من خلال أقوالهم ومواقفهم تجاه مخالفيهم. فالاستبداد عقلية وطريقة في التفكير والعمل قبل أن يكون نظام حكم. الاستبداد السلطوي كظاهرة من ظواهر الاجتماع السياسي يتولد في مجتمع تغلب على أفراده الشخصية الاستبدادية، وهي شخصية أنانية وثوقية عدوانية في سلوكها وردود أفعالها، سواء امتلكت السلطة أو القوة أم لم تمتلك.
العقلية الاستبدادية تتميز، أولا، باستغراقها في ذاتها ومشاعرها وهمومها ورؤيتها الذاتية، فهي غير قادرة على التعاطف مع غيرها، وتفهم مواقف مغايرة لموافقها التفصيلية، واستشعار أن اختلاف الظروف والخبرات يمكن أن يولد خيارات متعددة، وأن هذه الخيارات يجب أن تحترم طالما بقيت ضمن الإطار العام الذي تحدده الأهداف المشتركة. وبالتالي فهي لا تحترم الاختلاف والتعدد وتصر دائماً على أن تفرض رؤاها ومواقفها على الآخرين حتى عندما تختلف خبراتهم واهتماماتهم.
وتتميز العقلية الاستبدادية ثانياً بموقف وثوقي أحادي، يساوي بين القناعات الذاتية أو المواقف الشخصية والحقيقة المطلقة من جهة، وبين قناعات الآخرين والباطل الكامل من جهة أخرى. فالحق هو ما ارتآه صاحب العقلية المستبدة والباطل ما ارتآه من يخالفه. وبالتالي فصاحب العقلية الاستبدادية يلجأ إلى تكفير (في الحالة الدينية) وتخوين (في الحالة الوطنية) من يخالفه الرأي والاجتهاد والفهم والاعتقاد.
وأخيراً، وبناء على ما تقدم، فإن العقلية الاستبدادية تتميز بالعدوانية، لأنها تسارع إلى الهجوم واستباحة المخالف في الرأي والموقف، فتلجأ إلى شيطنته وكيل الشتائم والأوصاف التحقيرية على مستوى الخطاب، وصولاً إلى الاعتداء الجسدي والعملي عند القدرة للتخلص من المخالفين والمعارضين. وفي هذه المرحلة الأخيرة يتجسد الاستبداد على مستوى الأنظمة الاستبدادية، والشخصيات والحركات التسلطية، التي تعاني منها شعوب الربيع العربي.
طبعاً هذه ليست دعوة إلى الامتناع عن النقد والاختلاف. الاختلاف في الرأي أمر طبيعي لأن المجتمع الإنساني الحر متنوع بطبيعته، والنقد ضروري لتصحيح الأخطاء وإثراء الرأي. ما ندعو إليه هو التأكيد على أن الثورة التي تسعى إلى التحرر من حالة الاستبداد يجب أن لا تقتصر في جهدها التغييري على تغيير رموز الاستبداد وحسب، بل أن تبذل غاية وسعها لتغيير العقلية والممارسات التي يمثلونها والتي حملتهم إلى تدمير البلاد وتهجير العباد، وهي عقلية الاستبداد وممارسات التسلط.
* كاتب وناشط سياسي سوري