الرئيسة \  مشاركات  \  نظرة في خطاب أوباما – باي باي امريكا

نظرة في خطاب أوباما – باي باي امريكا

31.05.2014
هيثم عياش



كاتب ومفكر سياسي
انصت اكثر المهتمين بالسياسة الامريكية والدولية  للخطاب الذي ألقاه الرئيس الامريكي باراك اوباما قبل يوم أمس الاربعاء 28 أيار/مايو حول سياسته الخارجية وتأكيده على ان سياسة البيت الابيض الخارجية سياسة سلمية والتدخل العسكري للضرورة الملحة فقط  وتوضيحه بأن انهاء ماساة الشعب السوري يجب ان تنتهي عبر السبل الدبلوماسية والسياسية معتبرا في الوقت نفسه تنظيم ما يُطلق عليه بـ / القاعدة / الخطر الذي لا يزال يحدق بالولايات المتحدة الامريكية وبالعالم أجمع مطالبا مجلس الشيوخ الامريكي / الكونجرس / إضفاء مزيد من الاموال لريع محاربة امريكا القاعدة والارهاب .
خطاب الرئيس الامريكي صفعة لأعضاء ائتلاف المعارضة السورية وخارج الائتلاف الذين ينظرون الى واشنطن بأن مفتاح انهاء حكم الطاغية بشار اسد ونظامه  وانهاء مأساة الشعب السوري بيد واشنطن مثل الصفعة التي وجهتها موسكو على وجه شخصيات المعارضة السورية من الاتئلاف وخارجه الذين لا يزالون يعتقدون بأن انهاء  مأساة شعبنا بيد موسكو التي تدعم بشار اسد بالمال والحديد والنار .
باي باي أمريكا – وداعا  يا أمريكا – هذه الجملة كانت قد قالتها وزيرة الخارجية الامريكية السابقة مادلين اولبرايت عندما استلم الرئيس الامريكي السابق السيء الصيت جورج بوش / الابن / عام 2001  مفتاح البيت الابيض اذ كانت تعتبر استلام الجمهوريين زعامة  البيت الابيض تغييرا جذريا لسياسة الديموقراطيين الذين يبدون على وجوههم ابتسامة صفراء يحبون السلام ويضمرون الحرب ضد الجميع اما الجمهوريون فهم يطالبون بتأديب العالم اجمع ويضمرون الحقد ضد الجميع ، فالتدخل العسكري في افغانستان واحتلال العراق كان بمثابة مقدمة لإنزواء المتحدة الامريكية في زاوية من زوايا العالم التي قام اوباما بتنفيذها فسحب جيوشه من العراق وترك ذلك البلد في فوضى امنية وحكومة عنصرية ويريد الان الانسحاب من افغانستان مع ابقاء 10 آلاف جندي فيها خشية وقوعها بقبضة الارهاب من جديد .
باي امريكا – وداعا امريكا – شبيهة بتلك الجملة التي أطلقها مستشار الرئيس الامريكي السابق جيمي كاركر للشئون القومية بريجنسكي – باي باي  منظمة التحرير الفلسطينية لوضع يدها بيد ايران الخمينية فايران خذلت الفلسطينيين ونكصت بوعودها بتحرير فلسطين من النهر حتى البحر كما خذلت المسلمين في جميع بقاع العالم ، وها هي امريكا  وموسكو تخذلان ائتلاف المعارضة السورية  وتقدمان الدعم القوي لبشار أسد  وخذلت موسكو الانفصاليين الاوكرانيين وتراجع الغرب عن دعم اوكرانيا . .
لن تتدخل امريكا اوباما عسكريا لإنهاء ماساة الشعب السوري . فأوباما كان قد أكد بأن استعمال الاسلحة الكيمياوية تجاوز للخطوط الحمراء وهدد أسد بالويل والثبور لاقدامه على قصف الغوطة وغيرها بتلك الاسلحة ثم أغلق على نفسه أبواب مكتبه ليقول بعد ذلك ان مأساة السوريين يجب ان تنتهي سياسيا . صحيح ان اوباما قام بتنفيذ بعض وعوده ، فقد وعد بقتل اسامة بن لادن ، فقتله غيلة كما يقتل اللصوص رجلا أعزل في ظلمة ليل أليل ، وسحب جنوده من العراق وتركه في فوضى امنية وسياسية يحكمه حكومة عنصرية بشعة ، أما أن يقوم بتوجيه ضربة عسكرية لنظام سوريا فهو بعيد كل البعد لأن المصلحة الرئيسية هي من اجل حماية الكيان الصهيوني .
خطاب اوباما كان واضحا يكمن بالغاء دور امريكا كشرطي بالعالم وانتهاج سياسة سلمية والتدخل عسكريا للضرورة فقط  وهو بالتالي انسحاب امريكا من الاضواء ، ويرى رئيس لجان شئون السياسة الخارجية بالبرلمان الاوروبي / السياسي الالماني / ايلمار بروك  بان خطاب اوباما الاخير بمثابة تهديد  مباشر لإنهيار حلف شمال الاطلسي / الناتو / الذي يعتبر نفسه القوة الرئيسية بالعالم على استعداد للتدخل عسكريا بالدول التي تعاني من حروب وقلاقل سياسية وامنية اضافة الى ماساة شعوب كثيرة وخاصة الشعب السوري والارهاب في نيجيريا وافغانستان الموضوعة على كف عفريت ، بينما يؤكد عضو شئون السياسة الخارجية والدفاعية بـ / الكونجرس الامريكي / جون ماكاين بإعلان زعيم الادارة الامريكية الاخير فقد الثقة تماما بالولايات المتحدة الامريكية وشريك غير امين للـ /ناتو / والامم المتحدة وبالتالي فان اعلانه مخالف تماما لاعلانه بقاء واشنطن زعيمة العالم سياسيا وعسكريا. بينما ترى عضوة شئون السياسة الخارجية والدفاعية بالبرلمان الالماني سابقا ايلكيه هوف بأن الولايات المتحدة الامريكية التي حرضت الرئيس الاوكراني السابق فيكتور يانوكوفيتش على عدم الاصغاء لاستياء اوروبا لرفضه التقارب معهم بكلمة مسئولة شئون السياسة الاوروبية بوزارة الخارجية الامريكية فيكتوريا نولاند / فوك ذا اوروب /  تركت الاوكرانيين تحت رحمة الروس وعلى الاوروبيين ان يحرضوا حكومات تلك الدول المناوئة لسياسة الولايات المتحدة الامريكية وتخشى منها / فوك ذا امريكا / واوباما بسياسته الخارجية الجديدة جعل من حلف شمال الاطلسي / الناتو / أضحوكة  كما جعل من واشنطن مستهزئا بها . بينما أعرب ناطق كتلة السياسة الخارجية للمسيحيين الديموقراطيين بالبرلمان الالماني فيليب ميسفليدر عن أسفه لاستمرار مأساة الشعب السوري فقد كانت اوروبا تأمل بتدخل عسكري محدود للامريكيين والاطلسي / الناتو / لوضع حد لاراقة بشار أسد دماء شعبه .
لا أحد يثق بأوباما ، اذ وصلت نسبة الارتياح لسياسته الخارجية ببلاده الى 24 بالمائة فقط بينما ترى نسبة وصلت الى 64 بالمائة ان امريكا فقدت وجهها وهيبتها منذ استلام اوباما  مفاتيح البيت الابيض فالخطاب الذي ألقاه بجامعة القاهرة عام 2010 من اجل اعادة حبل الوصل بين الغرب والعالم الاسلامي بقي حبرا على ورق وصفير خافت في غابة خالية من الحيوانات والبشر أيضا . ويعتقد وزير الخارجية الالماني السابق يوشكا فيشر ان انتهاء ماساة الشعب السوري في يده وليس في يد ائتلاف قوى المعارضة السورية واذا ما استمرت المعارضة تثق بواشنطن فربما لا تنتهي مأساة ذلك الشعب حتى يأتي رئيس جديد لامريكا من الجمهوريين والى ذلك الوقت فان سقوط المزيد من الالاف يجب ان يكون حتميا  فأمريكا كانت وضعت العراق وسوريا وايران وكوريا الشمالية في محور الشر عام 1991 زمن الرئيس الامريكي جورج بوش / الاب / صاحب نظرية سياسة نظام عالمي وتم محو العراق من ذلك المحور عام 2003 اثر احتلال واشتنطن لبغداد اي بعض حوالي ثلاثقة عشرة عاما والنظام السوري سيمحى من تلك اللائحة اما بلاقضاء عليه او ارتماءه بشكل مطلق بأحضان واشنطن  ، كما ان على الاوكرانيين التأقلم بأن بلادهم ستنقسم الى شرقية وغربية .
فالناتو وعلى حد رأي خبير شئون السياسة الدفاعية لاوروبا بمعهد برلين العلمي يوسف / جوزيف / رار ليس بمقدرته تأديب روسيا او سوريا وغيرهما من الدول بدون الادارة الامريكية كما ان الاوروبيين ملتزمون بسياستهم السلمية التي أذلتهم وأذلة الكثير من شعوب اوروبا ، فتهديدات زعيم / الناتو / اندريه فوج راسموسين  موسكو مؤخرا بالكف عن التحرش باوكرانيا ودول البلطيق الثلاثة ليتوانيا واستونيا وليتلاند وانهم / الناتو / لن يدع تلك الدول عرضة لروسيا حبرا على ورق وعواء كلب ، فالكلب الذي يعوي لا يضر والدول الثلاثة المذكورة تعرف تماما ان راسموسين غير صادق وهو يعرف تماما انه يكذب ، وأوباما لا يختلف تماما عن راسموسين واعلانه السياسة السلمية خروج من المسئولية .
المعارضة السورية التي تثق بأمريكا وروسيا ومعها الحكومة الاوكرانية التي تنتظر الفرج من الغرب ان تنتظر الكثير من المفاجئات فانهاء نظام سوريا  لا يتم الا بقوة السلاح وعدم تقسيم اوكرانيا يكمن بارادة الاوكرانيين على حد قول رئيس لجان شئون السياسة الخارجية بالبرلمان الالماني سابقا روبريخت بولنتس .
وحال اوباما السلمي والعسكري مثل قول خراش بن الحارث  الهذلي :
ما أنت إلا كعيرٍ خاف ميسمه ... قد يضرط العير والمكواة في النار