الرئيسة \  واحة اللقاء  \  نعم، سوريا محتلّة

نعم، سوريا محتلّة

14.09.2015
غازي دحمان



المستقبل
الاحد 13/9/2015
هل بقي شيء من ممارسات الاحتلال لم يجر تطبيقه في سوريا، أو ليست سوريا واقعة تحت احتلال كامل الأوصاف والمعايير؟ طرح هذا السؤال مفيد لناحيتين، الأولى بحثية تقنية، ذلك أن مصطلح الثورة على النظام من الواضح أن الزمن تجاوزه، ولم يعد قادراً على تفسير الحالة الراهنة في سوريا، وفقد دلالاته تالياً، إضافة إلا أنه بات يؤدي دوراً سلبياً لغير مصلحة الثوار ذلك أنه يجري استخدامه لتسليط الضوء على بعض الانحرافات التي ضربت الثورة، ولكنه يبقي النظام محافظا على نقائه الاصطلاحي، ولا يلحظ حقيقة ان هذا الكيان تلاشى في إطار مشروع إقليمي أكبر وأوسع، وصار ما كان يسمى بالنظام، عدا كونه كياناً فوضوياً، مجرد بنية فرعية لبنية أكبر، يتم تحريكها خارجياً، لتحقيق وظائف ذات أثر سلبي على الإقليم السوري.
الفائدة الثانية، البحث عن مقاربات عملانية تتطابق مع واقع الحال، ذلك أن لكل حالة استعداداتها المختلفة كما ان لها استحقاقاتها ومترتباتها، مع ملاحظة أن ترحيل توصيف الحالة السورية من إطار الثورة إلى إطار مقاومة الاحتلال، تستدعي حصول نمط مختلف من المآلات والتسويات، التي تنتهي إليها الأزمة، وذلك بفرض الطرف المحتل طرفاً مقرراً ومعترفاً بحقوقه، التي سيتم انتزاعها في هذه الحالة من خانة مكاسب الثورة، وقد يصار إلى تحصيله امتيازات معينة، لقاء تفكيكه للحالة الاحتلالية، وهو ما حاولت الثورة تجنبه طوال السنوات الماضية.
لكن يبدو أن البيئة الإقليمية والدولية، الحاضنة للحدث السوري، تفرض هذا الواقع على السوريين، إذ تصر الدول الداعمة للنظام (روسيا وإيران) على الحصول على صفة المحتل، ليتسنى لها تثبيت امتيازاتها، ورفع سقوفها التفاوضية، فيما يبدو متناسبا مع قراءتها للحالة على أنها تشكل فرصة لتحقيق مكاسب جيو استراتيجية، في ظل مرحلة انتقالية على صعيد النظام الدولي، ومترتباته الإقليمية والدولية... فرصة يمكن الانطلاق منها والبناء عليها لاستكمال أوراق اعتمادها كقوة فاعلة ومؤثرة.
وللوصول إلى هذه الحالة مورست على الأرض السورية، وبحق السوريين، كل أشكال الاحتلال بنسختها الأخيرة، التي طورتها الصهيونية في فلسطين، من اقتلاع للسكان وتوطين أجانب بدلاً منهم، إلى المجازر الوحشية المتنقلة، بما فيها من ذبح واغتصاب وانتهاك، لإرعاب السكان ودفعهم إلى الهرب، كما ان العنصر الفاعل في كل هذه الحالات (الأداة) هو في الغالب عنصر خارجي، إيراني وتوابعه أو روسي، والعنصر السوري هو جزء من الكرستا المنفذة لقاء أجر آني، ينحصر في الحصول على معاش العناصر ذوي الرتب المتدنية، أو الحصول على جزء من الأرباح، كالمناصب، والسماح ببعض الاستثمارات لأصحاب الرتب الأعلى، بالإضافة إلى أن الأهداف المتوخاة من وراء هذه العملية هي أهداف أجنبية مرتبطة بمشاريع جيو استراتيجية لأطرافها، ولا علاقة للإقليم السوري بها.
لكن لماذا علينا الآن أن نعترف بأننا في مواجهة احتلال، ولماذا المغامرة بإمكانية خسارة جزء من مكاسب الثورة ومنها تكنيس ما يسمى بالنظام، من دون أن يترتب علينا التزامات إقليمية ودولية؟ الواقع علينا الاعتراف أن إيران وروسيا حققتا فائدة كبرى على حساب الثورة، حيث مارستا كل أفعالهما السابقة تحت يافطة مساعدة نظام شرعي، وأن هذا النظام يواجه نمطاً من التمرد، تقوم به فئات وشرائح من السكان، لكن ليس غالبية السكان. وبالتالي فإن النظام وفي إطار القانون الدولي، يحق له طلب المساعدة من دول حليفة، وذلك يندرج في الاتفاقيات التي جرى توقيعها بينه، بوصفه ممثلاً للدولة وبين الدول الأخرى، وتحت هذا العنوان يمكن تقديم كل أشكال الدعم والمساندة، ووضعها في خانة إما تنفيذ تعاقدات سابقة مثل عمليات توريد الأسلحة، أو في إطار تفعيل اتفاقيات التحالف المشترك في أطر الدفاع والحرب.
في المقابل رفض النظام الدولي الاعتراف للمعارضة القيام بمهام دولة، وهو ما جعلها تظهر عاجزة عن القيام بمهام جدية تحولها إلى بديل ممكن للنظام، وجمّد فعاليتها في إطار العمل العسكري، من دون تقديم المساعدات اللازمة، والمعلوم أن العمل العسكري تخللته اختراقات هائلة نتيجة دخول او استدخال قوى غير ملتزمة بالثورة، حيث لم يكن لدى المعارضة القدرة الكافية على ضبط الميدان، المفتوح أصلاً لكل أشكال الاختراق والنشاطات الاستخباراتية المشبوهة. والأدهى من ذلك، أن المجتمع الدولي حمّل وزر كل الخطايا الحاصلة في هذا الميدان على عاتق الثورة!
وفي النتيجة، وضمن المساحة التي حددها المجتمع الدولي لعمل الطرفين، لم يعد ممكناً الاستمرار بمقولة الثورة على النظام لأننا أمام تداعيات أكبر من ثورة وتتوازى مع نتائج حرب يشنها تحالف دولي. حجم الدمار وكوارث التهجير وكمية الدم المهدور قرائن تدل على ذلك. ليست ثورة بل هي مقاومة لاحتلال. كما أن الطرف الآخر ليس نظاماً، بل هو كيان مندمج في إطار القوى الاحتلالية، وإحدى أدواتها التشغيلية ذات التكلفة الرخيصة.