الرئيسة \  واحة اللقاء  \  نعم فلتقصف أمريكا دمشق

نعم فلتقصف أمريكا دمشق

28.08.2013
د. خليل قطاطو



القدس العربي
الثلاثاء 27/8/2013
قالها السيد احمد الجربا رئيس ‘الائتلاف السوري الوطني’ المعارض، على استحياء، داعيا امريكا ودول العالم للتدخل بكافة السبل لوقف مجازر النظام، اذ لم يعد الكلام والتنديد يكفي الآن. وها انا اقولها بصراحة ومباشرة فلتقصف امريكا دمشق، من دون تأخير.
مجزرة القتل بالاسلحة الكيماوية في الغوطتين الشرقية والغربية لدمشق يجب الا تمر بدون عقاب. الصور والفيديوهات القادمة من هناك مؤلمة ولا يمكن وصفها. منظر الاب العاجز الذي يحاول انقاذ طفله من براثن الموت وهو في الرمق الاخير، لا يمكن ان يتحمله قلب اي انسان.
يحيرني سؤال بسيط، النظام يتهم المعارضة بانها هي التي استعملت الكيماوي، وحتى لو صدق المغفلون مثل هذا الادعاء المخالف للمنطق، فلماذا على الاقل في الساعات الاولى لانتشار خبر المجزرة لم يبادر هذا النظام الى محاولة ادخال الادوية واجهزة التنفس الى المناطق المنكوبة لانقاذ من بقي على قيد الحياة والحيلولة دون ازدياد اعداد الضحايا. سيقول المدافعون عن هذا النظام ان تلك المناطق هي تحت سيطرة الثوار (العصابات الارهابية المسلحة بمنطقهم ) والرد سيكون بسيطا، وهل كان الثوار سيرفضون، اجيبوا.
هذا النظام الذي يقتّل ابناء شعبه يمنة ويسرة، وما زال يدعي انه حريص على ارواحهم، لماذا يتلكأ في السماح لمراقبي الامم المتحدة بالتحقق في ملابسات الواقعة، وهم هناك غير بعيد عن مسرح الجريمة؟ لماذا ان لم يكن هو المجرم الذي اقترفها؟ عدم معاقبة النظام السوري سيعطيه الضوء الاخضر لارتكاب المزيد طالما ان الرد لن يتجاوز التنديد والاستنكار والقلق الشديد. ما الفرق بين الموت بالكيماوي أو غيره، أليس كله موتا؟ قد يكون ولكن الكيماوي فتك في يوم واحد بالف وستمئة شخص، يشكل الاطفال منهم نسبة ليست باليسيرة، أليس هذا فرقا جوهريا؟
سيوصف كل من يؤيد الضربات الجوية الامريكية (ان حصلت) بالعمالة لامريكا واسرائيل من قبل النظام السوري وشبيحته في ايران ولبنان ومصر، فليكن ولكن منذ متى كان هذا النظام يشكل اي خطر يذكر على اسرائيل؟ في دول الطوق حول اسرائيل كان يعتقل كل من يحاول التسلل الى الاراضي المحتلة، اما في سورية بشار ومن قبله والده فلم يعتقل احد. ليس لان النظام كان يسمح لهم بالعبور، بل لان حماية اسرائيل كانت هدفا استراتيجيا له، ولم يجرؤ احد من الاقتراب من الحدود التي بقيت خرساء منذ اربعة عقود. اما ما حدث قبل سنوات بان غرر النظام بفتية فلسطينيين بعبور حدود الجولان والجنوب اللبناني واستشهاد بعضهم، فهذا يحسب على النظام لا له.
اما عن الدعم الايراني لحزب الله بالسلاح عن طريق سورية، فقد كان النظام السوري يقبض الثمن من ايران، وما زال، بلايين الدولارات. كاد حافظ الاسد يقايض كل هذا بالسلام مع اسرائيل، عبر ما هو معروف بوديعة رابين، لولا تغير الواجهة السياسية وقتها لاسرائيل، وربما حينها اضطرت ايران لتدفع اكثر. الان تورط حزب الله بوقوفه الى جانب النظام بدلا من الشعب السوري، وكــــان يظن انه سيستطيع الاستمرار باللعبة في الملعب السوري فقــــط مجنبا لبنان ويلات حرب جديدة في الملعب اللبناني. ألم يقلها السيد حسن نصر الله صراحة في خطابه قبل اشهر مخاطبا خصــــومه السياسيين في لبنان: ‘دعــونا نتقاتل هناك في سورية وليس هنا في لبنان’. ألم يكن هذا قصر نظر سياسي او خطأ سياسيا فادحا لا يقع فيه حتى المبتدئون في سنة اولى سياسة؟ لم يمر سوى أشهر قليلة وها هي شرارة الحرب في سورية تنتقل الى الضاحية الجنوبية وطرابلس. الكل توقع هذا عدا السيد حسن نصرالله وحزبه.
القصف الامريكي للنظام السوري لن يصب في مصلحة اسرائيل، على الاقل في المدى المنظور، فالجيش السوري الان منهك، مدافعه وصواريخه وطائراته كلها موجهة شمالا وشرقا وجنوبا، وليس غربا أصلا. القصف سيصب في مصلحة السوريين الذين يقتلهم هذا النظام كل يوم بدم بارد، سواء بالكيماوي او بغيره ، تعددت الاسباب والموت واحد.
سيتنطع العروبيون والقوميون والبعثيون ويتباكون على حرمة الارض والسماء العربية على الاجنبي الغازي، وسينشدون على مسامعنا معزوفة سايكس ـ بيكو الجديدة، وسمفونية تقسيم المقسم وتجزيء المجزأ. ولكل هؤلاء نقول ان حرمة ارواح هؤلاء الاطفال الصرعى بالغازات الكيماوية اهم مما تتقولون.
قد يقول قائل ان النظام سيستغل الضربات الجوية لصالحه ليدلل على وطنيته وعمالة الثائرين ضده، الا ان هذه الضربات لن تغير من قناعات احد، لا المساندين للثورة ولا داعمي النظام. يبدو ان القناعات قد ترسخت وكل سيفسرها كيفما شاء في كل الاحوال. لكن المؤكد انها ستعطي النظام درسا بان العالم لن يستمر بالسكوت على جرائمه، وستحد من قدراته العسكرية ومن قدراته على الاتصال والتنسيق على جبهات متعددة، وستلجمه عن استعمال هذا السلاح المحرم دوليا مرة اخرى.
قد يؤدي التدخل العسكري الامريكي (أو حزب الناتو) الى تداعيات اقليمية ودولية متسارعة قد تعقد الموضوع اكثر ويكون الثمن باهظا. ايا كانت التداعيات فان هذا النظام المجرم يجب ان يزول، كما زال النظام النازي، ونظام الخمير الحمر، والنظام الصربي والقذافي والرواندي. البديل هو بقاء هذا النظام واستمرار المجازر، والخيار بلا شك بين امرين احلاهما مر.
سنتان ونصف السنة منذ بدأ هذا النظام حملة الابادة ضد الشعب السوري (ولا اقول شعبه ) وآن له ان يرحل. وسيزهر الياسمين الدمشقي وشقائق النعمان ويحل الربيع الذي طال انتظاره، ليس في سورية فحسب ولكن في بقاع اخرى من عالمنا العربي، التي ما زالت في خريفها، وربما أخّر ربيعها مذابح ومجازر الفيحاء وشقبقاتها التي آن لها أن تنتهي، والى الابد.