الرئيسة \  واحة اللقاء  \  نعم لـ "تكرار" هزيمة الروس في أفغانستان؟ ولكن

نعم لـ "تكرار" هزيمة الروس في أفغانستان؟ ولكن

12.10.2015
د. وائل مرزا



الشرق القطرية
الاحد 11/10/2015
مَن قال إن السوريين لا يريدون تكرار التجربة الروسية المريرة في أفغانستان، هذه المرة في سوريا؟
ما من سوريٍ، يَحكمُ على ما فعله الأسد بشعبه، بعين الإنصاف والموضوعية، يرفضُ ذلك دون جدال. بل إن هناك (محايدين)! باتوا أقرب لهذا الموقف، بعد إذ رفعَ الروس ورقة التوت، كما يُقال، نهائياً عن عورتهم. وتَنَاسوا، في عملية (استغباء) تتنافسُ في وصفها الوقاحةُ مع النفاق، المفارقة بين عدد مرات (الفيتو) التي استخدموها في مجلس الأمن ضد أي (تدخلٍ أجنبي)، في حين تنتشر بوارجهم وطائراتهم ودباباتهم اليوم على أرض سوريا، وفي سمائها وسواحلها!
ثمة رغبةٌ طاغيةٌ بين السوريين في أن يحصلَ ذلك. والأمرُ لايتوقفُ عند الرغبة بالتأكيد، بل إن فيهم رجالاً مستعدين، عملياً، لأن تكون هذه (الملحمة) السورية مع الروس درساً يجعلهم يندمونَ على قرارهم كما لم يحصل من قبل، وتنتهي معهُ أحلامهم بمجرد التفكير في الاقتراب من (المياه الدافئة) إلى الأبد..
لكننا نطرح السؤال في معرض تحرير القول فيه من زاويتين.
فالبعضُ، من ناحية، ينوحُ ويتباكى، وينذر بالويل والثبور، تحت عنوان (الخوف) الشديد مما يُسمى (أفغنة) سوريا. في هذا الإطار، يبدو الأمر، في حقيقته، ممارسةً لترفٍ ثقافي نخبويٍ مُتعالٍ على تضحيات السوريين، لايبالى بآلامهم وآمالهم، عملياً، تحت دعاوى وعناوين (ثقافوية) تنظيرية باردة. دعاوى تقف عند نقطةٍ مثالية مؤداها الفعلي يتمثل، في نهاية المطاف، بضرورة تجنب (الاصطدام) مع الروس في سوريا عسكرياً.. و(الإصرار) بدل ذلك على (تَفُّهُم) الموقف الروسي! وإقناع النفس بأنه جاء ليساعد في محاربة (الإرهاب)، والتواصل معهم، بناءً على ذلك. وبكل هذا التفكير (الرغائبي)، كيلا نصفه بالـ (غبي) أو (التوريطي)، عسى ولعل أن يُمكن التوصل إلى تفاهماتٍ معينة معهم. والمهم في النهاية ألا تحصل (الأفغنة).
لكن المهم في استخدام المصطلح، هنا، لا يتعلق بدراسة وتجنب العناصر والأسباب التي يمكن أن تؤدي إلى حصول السلبيات التي ظهرت في أفغانستان بعد هزيمة السوفيات / الروس.. فالغاية فقط استعمالُ الرواية أعلاه للحيلولة دون حصول تلك الهزيمة.. هذه ممارسةﱡ تقوم بها شرائح كبيرة، إعلاميين وكُتاب وساسة، من مؤيدي النظام بالتأكيد، لأن بإمكان تلك الرواية، الآن، أن تكون العنصر الرئيس في إستراتيجيةٍ كبرى تدخل في إطار الحرب المعنوية الحساسة الآن، عنوانُها (التخويف).
رغم هذا، يقوم بنفس الممارسة إعلاميون وكُتاب وساسة آخرون، بعضهم (رمادي).. بينما يُسمي بعضهم الآخر أنفسهم مؤيدين للثورة السورية، بل وغيورين عليها..
لاتضعُ هذه الطريقة في التفكير، وأصحابُها، الأمور في نصابها الحضاري والثقافي والسياسي الكبير، ولا يحاول أهلُها التفكير بإمكانية استفادة الشعوب من تجارب التاريخ، كما سنحاول أن نفعل فيما يلي.
ومدخلُ الكلام هنا، في الحقيقة، موجهٌ للشعب السعودي والقطري والإماراتي وشعوب الخليج بأسرها. فبعيداً عن أي مديحٍ مُبتذل لايليق بالمقام، ولا بمن ينتسب لثورة سوريا وقِيمِها، ما من شعوب، في بلاد العرب والمسلمين قاطبةً، تُبدي مقادير من الشهامة والمروءة والغيرة والإحساس، وتعيش همﱠ السوريين بصدقٍ نادر، وتحاول تقديم كل عونٍ ممكن، كما هو حال أهلنا في الخليج.
هذا وصفٌ تُثبته الوقائع والأرقام والمعلومات بطريقةٍ لاتقبل الجدل والتشكيك، خاصةً لمن هم أقربُ لكل ماله علاقةٌ بالمشاريع الفردية والجماعية والشعبية والرسمية، المُعبِّرة عملياً عن المشاعر التي نتكلم عنها.. وثمة جميلٌ في عُنق الشعب السوري، إنسانيٌ وروحي وثقافي، بعيداً عن السياسة وحساباتها، سيتعبُ السوريون في محاولتهم ردﱠ شيءٍ منه في المستقبل.
ومرةً أخرى، ظهر ما نتحدثُ عنه خلال الأيام الماضية، على شكل خطب ومقالات وتصريحات وبيانات فردية وجماعية، تصب بقوةٍ في إطار الحث على تقديم كل أنواع الدعم للسوريين، مرتبطاً هذه المرة بالغزو الروسي لسوريا.
لكننا نريد سوياً، كسوريين وخليجيين، أن نعمل بكل ما أوتينا من حكمة الآن، لنُحقق الهدف المذكور أعلاه: أن تُهزم روسيا في سوريا، بشكلٍ، ليس كثيراً على الله والتاريخ، أن يكون سبباً في سقوط بوتين ونظامه، تماماً كما كانت الهزيمة في أفغانستان من أهم أسباب سقوط الاتحاد السوفياتي بأسره.
غير أن هذا يجب أن يحصل بدراسةٍ وتخطيط وتوازنات تليقُ، من ناحية، بشعوب تعرف كيف تتعلم من دروسها على طريق تحقيق (مقاصدها) الكبرى حضارياً وشرعياً.. وتَحفظُ، من ناحيةٍ أخرى، ليس فقط استقرار سوريا بعد تحريرها، بل، واستقرار دول الخليج، وتحفظ أمنها في جميع المجالات.
بصراحة ووضوح، يجب في هذا المقام تحديد ما تحتاج إليه سوريا لتحقيق ذلك الهدف، وما لا تحتاجُ إليه.. وأن يحصلَ هذا بحسابات لاتُزعزع، في نفس الوقت، لاحاضراً ولامُستقبلاً، السلم الأهلي والأمن والاستقرار، في مجتمعات الخليج.
في هذا الإطار، أولاً وقبل كل شيء، لاتحتاج سوريا إلى مقاتلين.. وقد أثبت رجالهُا أن باستطاعتهم، بشيءٍ من الدعم، قهر النظام ثم ميليشيات مايُسمى (حزب الله) ثم الإيرانيين! والاضطرارُ إلى قدوم الروس، في الحقيقة، يُصدﱢقُ هذه الحقيقة بحسابات إستراتيجية، بعيداً عن التفكير البسيط في هذا الموضوع.
لاحاجة لسوريا أيضاً بأن تُعرض قضيتها، لا على الخليجيين ولا على العرب والمسلمين، بمدخل (الملاحم والفتن) ونهاية الدنيا.. فهذا يمكن أن يُحدِث، ولو عن غير قصد، خلطٌاً ليس في مصلحة الشعب السوري وثورته.. ويمكن أن يكون فيه تعسفٌ، وأحياناً، تناقضٌ بين الروايات والواقع، بطريقةٍ لاتنسجم ابتداءً مع منهجٍ إسلاميٍ أصيل، يتحرى الدقة والأمانة و(الوسطية) في التعامل مع مثل هذه القضايا المتعلقة بحاضر الشعوب ومستقبلها.
نَفهم تماماً، ونُقدر، التفاعل الذي نشعر، كسوريين، بحرارة صدقه مع الثورة السورية، ونُؤمن بأنها ستكون تمهيداً لتغييرٍ حضاري كبير.. لكن ثمة طريقةً في (استعجال) الملاحم والفتن ونهاية الدنيا لاتصلح مدخلاً للتعامل مع الموضوع السوري.. فهي، حين تكون مُلتبسةً بالتعسف والتناقضات، لن تترك فسحةً للعقل والفهم والتخطيط، والتعامل مع التعقيد الكبير المحيط بالثورة السورية.. بل ستنقلبُ سبباً لذبحها بالفوضى والخلاف والاستعجال.. ناهيك عن أن تترك مجالاً لإعمار الأرض والحكم الرشيد فيها بغض النظر عن التسميات.
كيف تُدعمُ الثورة السورية إذاً؟ حسناً.. بوضوح وشفافية، ثمة ساحةٌ أساسية تتعلق بالعمل العسكري ومتطلباته، يجري العمل عليها على مستوى الدول والحكومات. نذكر هذا لئلا نتهرب من أي موضوع.
لكن ثمة ألف طريقة وطريقة أخرى، تتطلب دعم شعوب الخليج، يعمل من خلالها سوريون في مشاريع حساسة بلغة العصر، توحيداً لصفوفهم.. وحشداً إعلامياً ودبلوماسياً عالمياً ضد الغزو الروسي، من مخاطبة الروس في عقر دارهم، إلى خلق زخمٍ إعلامي وحقوقي عالميٍ ضد غزوهم الواضح.. وهذا أمرٌ لم يكن ممكناً، لهذه الدرجة، قبل الغزو، في التقاليد العالمية.. إلى غيرها من مشاريع عديدة.
خلاصة الموضوع تتمثل في أن نتعلم دروس التجارب الماضية ونتجنب سلبياتها، على سوريا وشقيقاتها.. وأن نعمل، من جانبٍ آخر، بطرق خلاقة ومُبتكرةٍ للمساهمة في تحقيق الهدف المُشترك، وهذا نشاطٌ يحصل الآن بكثافة، ولن يعدم المُهتمون أساليب الوصول إليه وإلى أصحابه للمساهمة فيه.