الرئيسة \  واحة اللقاء  \  نهاية الشرق الأوسط

نهاية الشرق الأوسط

11.08.2014
سمير الحجاوي



الشرق القطرية
الاحد 10/8/2014
تشهد خارطة "الشرق الأوسط " تغيرات كبيرة، تكاد تكون جذرية، وقبل التطرق إلى تحليل مجريات الأحداث في المنطقة لابد من تحليل مصطلح "الشرق الأوسط" وهو المصطلح الذي نحته الغرب ويستخدمه للإشارة إلى العالم العربي في الدرجة والأولى.
يعود اختراع هذا المصطلح إلى ضابط بريطاني إبان الحقبة الاستعمارية المباشرة، فقد أراد أن يسمي بلاد العرب بغير اسمها، لإلغاء هويتها القومية وإفساح المجال أمام "غير العرب" من امتلاك جزء من الأرض العربية، لأن استخدام مصطلح الوطن العربي أو العالم العربي لا يسمح بوجود أي كيان غير عربي على الأرض العربية، وتزامن اختلاق هذا المصطلح بمعناه الجغرافي والسياسي مع مؤامرة "سايكس – بيكو" البريطانية الفرنسية عام 1916 لتقاسم المنطقة العربية بينهما، ومن ثم صدور وعد بلفور لإقامة دولة لليهود في فلسطين عام 1917 واحتلال البريطانيين لفلسطين في عام 1918، وهو تزامن سمح لبريطانيا الاستعمارية بترتيب الأوضاع في المنطقة بما يخدم مصالحها وهيمنتها ويفسح المجال لتنفيذ وعد بلفور بإقامة الكيان اليهودي.
في هذه المرحلة تم زرع "إسرائيل" في المنطقة التي أعيدت تسميتها بالشرق الأوسط ، وهي تسمية تتعلق بالجغرافيا والاتجاهات، ولا يمكن أن تكون لها هوية دينية أو عرقية أو حضارية واحدة، لأنها تضم أعراقا وأديانا وتواريخ متباينة لأناس لا يربط بينهم رابط، والمقصود هنا بالطبع اليهود الذين يتم جلبهم من كل حدب وصوب، ومن أقاصي الأرض دون أن يكون لهم أي جذور في الأرض العربية، سوى "حزمة من الأكاذيب والأوهام والأساطير". ومن هنا فإن مصطلح "الشرق الأوسط " يعد ضرورة لازمة لوجود "إسرائيل" غير العربية وغير المسلمة والتي لا ينتمي مهاجروها الذين أطلقوا عليهم وصف "سكان" إلى ثقافة العرب وتاريخهم وحضارتهم، وتم إدراج هذا المصطلح لاستخدامه في المحافل الدولية، واعتماده على الخرائط، وفي وسائل الإعلام والكتيبات التي تصدرها الشركات للتعريف بمنتجاتها، وتم سلخ وإقصاء مصطلح العالم العربي نهائيا من الاستخدام.
بالطبع تطور هذا المصطلح في المرحلة اللاحقة ليشمل إيران وتركيا، ثم تم توسيعه ليشمل المنطقة الممتدة من أفغانستان وحتى المغرب، أو من أفغانستان وحتى مصر كما في تقسيمات قيادة المنطقة الوسطى الأمريكية، وبالتالي أصبح هناك أكثر من تعريف لهذا المصطلح تختلف فيما بينها على تحديد حدود "الشرق الأوسط"، لكنها تتفق جميعها على عدم وجود "عالم عربي"، وهو إلغاء يتعلق بالترتيبات الاستعمارية البريطانية الفرنسية وبعدها الأمريكية للعالم العربي لضمان السيطرة والتحكم بالعالم العربي وبقائه مقسما ومشرذما ومتناحرا، وتأمين محيط أمن للكيان الجديد "دولة إسرائيل"، وهو ما حدث بالفعل.
الآن وبعد أقل من عام من تأسيس "الشرق الأوسط" فإن هذا الكيان الهلامي آخذ في الانهيار، فتنظيم الدولة الإسلامية أو ما يسمى "دول الخلافة"، يتمدد في العراق وسوريا، وعمد إلى حركة رمزية تتمثل بهدم الحدود بين سوريا والعراق بالجرافات، واستولي على ربع العراق وثلث سوريا، وها هو في طريقه إلى السيطرة على إقليم كردستان، وتساقط المدن أمام مقاتليه الواحدة تلو الأخرى، وربما يكون بصدد مد سيطرته إلى لبنان بعد ما جرى في مدينة عرسال، وإلى الجنوب تمكنت حركة المقاومة الإسلامية حماس ومعها المقاومة الإسلامية الفلسطينية من صد هجوم جيش الاحتلال الإسرائيلي على غزة، ووقفت له موقف الند، وكانت للمقاومة اليد العليا في الحرب البرية، وها هي تفرض شروطها في القاهرة، وفي ليبيا فإن الثوار الإسلاميين الذين دحروا القذافي سيطروا على مدينة بنغازي وطردوا منها قوات العقيد خليفة حفتر، ويتمزق اليمن بين القاعدة والحوثيين، وتضيع البوصلة في مصر مع الانقلاب العسكري وتدرج الوضع هناك إلى المواجهات مع إعلان رافضي الانقلاب تأسيس "المجلس الثوري المصري"، إضافة إلى نشر السعودية 30 ألف جندي والاستعانة بجنود من مصر وباكستان لحماية حدودها الشمالية من احتمالات غزو مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية، ويعيش الأردن حالة من القلق لا يقل عن القلق السعودي.
هذه التغيرات مجرد عناوين تشير إلى بداية نهاية الشرق الأوسط، كما أسسه الاستعمار البريطاني الفرنسي، الأمر الذي يطيح بكل المعادلات المعمول بها حاليا، خاصة مع تأكيد أمريكا، زعيمة حلف شمال الأطلسي، وأقوى دولة غربية، أنها لن ترسل جنودا للقتال ولن تتدخل بريا في المنطقة، مما يعني أن القوى المحركة لتغيير حدود المعادلات وتوازنات القوى ستكون محلية بالدرجة الأولى.