الرئيسة \  واحة اللقاء  \  نهج إيران في التحول الديموغرافي بسوريا.. الأدوات والعوامل والتحديات 

نهج إيران في التحول الديموغرافي بسوريا.. الأدوات والعوامل والتحديات 

24.08.2020
صحيفة الاستقلال


صحيفة الاستقلال 
الاحد 23/8/2020  
تمهيد 
خلال العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين، كثفت إيران من مساعيها لفرض التحول الديمغرافي والانتشار الثقافي في سوريا، بعد أن كانت جهودها التي بدأتها منذ مطلع ثمانينيات القرن العشرين تقتصر –وبشكل محدود جدا– على استخدام بعض الأدوات وتوفير الظروف الملائمة لأنشطتها. 
وكان لاندلاع الصراع المسلح في سوريا بعد الاحتجاجات الشعبية عام 2011، دور بارز بإعادة نظر إيران في سياسات التحول الديمغرافي والانتشار الثقافي في سوريا، التي تعتمد عليها أصلا في إعادة تعريف الأمن القومي لها منذ تأسيس الجمهورية عام 1979، في سياق مبدأ تصدير الثورة. 
والمقصود بالتحول الديمغرافي التغيرات التي تطرأ على السكان قسرا أو طوعا نتيجة العوامل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وغيرها من وفيات وفرص عمل وهجرة وموجات عنف بما فيها الاحتجاجات وما يترتب على ذلك من تغيير لهوية السكان وتشكيل الأمن والسياسة المحلية[1]. 
فيما يُقصد بالانتشار الثقافي مجموعة الأساليب التي تساهم في انتشار العادات والتقاليد واللغات والأديان بين مجتمع وآخر، وهي تقوم على عوامل التبادل والهجرة والغزو وغيرها[2]. ويمكن القول إن الانتشار الثقافي لا يعتمد فقط على أدوات القوة الناعمة والقبول أو الانسجام بين المجتمعات –كما تنص النظرية– بل يشمل أيضا أدوات القوة الصلبة. 
وبناء عليه، تستعرض هذه الورقة أهم خطوات إيران لتغيير الهوية الثقافية في سوريا منذ 4 عقود، والتي تسارعت وتيرتها بين عامي 2011 و2020، إضافة للتطرق إلى الأساليب التي اتبعتها لتحقيق هذه الغاية والآثار المحتملة لهذه الإستراتيجية. 
أولا: أدوات الانتشار الثقافي الإيراني في سوريا 
1) القوة الناعمة 
أ. أدوات دينية 
أتاح وصول حافظ الأسد إلى السلطة في سوريا عام 1970، المجال أمام إيران لنشر المذهب الشيعي في البلاد – ولو بشكل محدود نظرا للقيود التي فرضها– مستفيدة من حرصه على إظهار انتمائه للإسلام بما ينسجم مع دستور البلاد، وبناء عليه جاءت فتوى موسى الصدر عام 1973 بانتماء الطائفة العلوية إلى الإسلام الشيعي، والتي عززها بيان طرابلس في نفس العام الذي شارك فيه 80 رجل دين منهم 74 سوريّا. 
لم تفوت إيران فرصة تشكيل "جمعية الإمام المرتضى" عام 1981، والتي تأسست بغرض مواجهة الإخوان المسلمين عبر حشد أكبر شريحة من المجتمع ضدهم بالمال والقوة والسلطة، حينما كان جميل الأسد يسعى للحصول على دعم مالي ومعنوي من رجال الدين الشيعة، والذي بموجبه استطاعت إيران إنشاء عشرات الحسينيات في الساحل السوري قبل أن يتم إنهاء الأنشطة فيها مع قرار حل الجمعية في عام 1983[3]. 
وفي عام 1988، وافق حافظ الأسد على طلب إيران رعاية أضرحة كل من عمار بن ياسر وأبي بن قيس النخعي وأويس القرني، في محافظة الرقة، والإشراف على ترميمها وتوسعتها وبناء جامع كبير عليها كأحد المقامات المقدسة الشيعية. وقد تم تدشين هذا الجامع رسميا في عام 2004. 
مع حلول عام 1990 بدأت إيران تشرف أيضا على مقامات كل من السيدة زينب والسيدة رقية في العاصمة دمشق والصحابي حجر بن عدي في درعا بريف دمشق ونقطة المشهد في محافظة حلب. 
في الواقع استفادت إيران آنذاك من رغبة حافظ الأسد بعد انتهاء حرب الخليج الأولى في الحصول على دعم منها لضمان انتقال سلس للسلطة إلى ابنه باسل الأسد[4]. 
ومع استلام بشار الأسد الحكم في عام 2000، استأنفت إيران بناء الحسينيات في مختلف المحافظات السورية وبدون موافقة أمنية، ودون تبعيتها لوزارة الأوقاف، رغم أنها دُور عامة للشعائر الدينية، مستفيدة أيضا من حرص الرئيس الجديد آنذاك على توطيد سلطته الناشئة. 
وبعد اندلاع الصراع في سوريا عام 2011، باتت إيران أكثر قدرة على نشر التشيع وبناء المقامات مستفيدة من عوامل القوة والمال والسلطة، بإشراف مباشر من هيئة مزارات آل البيت والمليشيات التابعة لها، التي بمجرد سيطرتها على مناطق في ريف محافظة دير الزور عام 2018، شرعت ببناء عدد من دور العبادة، مثل مزار عين علي في الميادين، بزعم أنه موقع جلوس ناقة الإمام علي، إضافة إلى فرض الأذان وفق المذهب الشيعي في مدن عدة، مثل البوكمال، ومنح عوائد مالية أو موارد عينية للأفراد مقابل تشيعهم. 
وعلى نحو مضطرد، بدأت الأنشطة الدينية الشيعية التي ترعاها إيران بالظهور إلى العلن، لكنها كانت تقتصر منذ عام 2001 على الأماكن الشيعية وفي المناسبات الدينية، حيث احتفلت مرارا بمراسم عاشوراء في الجامع الأموي وأسواق دمشق القديمة مثل الحميدية، في مشهد لم يكن مألوفا لدى السكان المحليين من قبل. 
في عام 2018 وقع بشار الأسد المرسوم التشريعي رقم /16/، الذي يفتح المجال أمام إيران لتكرار نموذج "المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في لبنان"، كونه ينص على إنشاء "المجلس العلمي الفقهي الأعلى"، إضافة إلى مأسسة الشأن الديني في سوريا ضمن وزارة الأوقاف، خصوصا وأن القرار يسمح للأجانب بشغل الوظائف الدينية بما فيها المناصب العليا بعد منحهم جنسية استثنائية من الوزير. 
وساهم المشروع في دعم الجهود الإيرانية لتصدير مشروع الثورة الإسلامية إلى المجتمع السوري من خلال السلطة الدينية التي ستكون إحدى أهم مؤسسات الحكم إلى جانب العسكري والسياسة والاقتصاد. 
ب. أدوات تعليمية 
تأسست أول حوزة علمية في سوريا عام 1975، من قبل رجل الدين الشيعي الإيراني حسن مهدي الشيرازي الذي لجأ إلى سوريا عام 1970 هربا من العراق. وبين عامي 1995 و2000 تم تأسيس 5 حوزات أخرى في العاصمة دمشق، وحتى عام 2007، وصل هذا العدد إلى 40 حوزة في عموم البلاد[5]، وحتى عام 2019، بلغت 69 حوزة[6]. 
ومعلوم أن الحوزة العلمية هي مراكز لتعليم أصول المذهب الاثني عشري الشيعي من فقه وحديث وتربية وفلسفة. ويعتمد نظام التدريس فيها على الحلقات لا الصفوف، ويترك للطالب المجال لاختيار الكتاب والمدرّس. 
في عام 2003 تم ترخيص أول جامعة شيعية في سوريا، وفي عام 2005 تم إحداث مديرية للإشراف على الحوزات في وزارة الأوقاف، وحتى عام 2007 تم تأسيس 10 معاهد شرعية بعضها كانت حوزات بالأصل. 
وفي عام 2014، أصدر بشار الأسد مرسوما بتعليم المذهب الشيعي في المدارس السورية إلى جانب المذهب السني، إضافة إلى افتتاح أول مدرسة شيعية قرب جبلة بريف اللاذقية تحت اسم الرسول الأعظم في العام ذاته. 
وعلى مستوى التعليم العالي شهدت سوريا في عام 2005، افتتاح قسم اللغة الفارسية في جامعة دمشق وتباعا قامت بنفس الخطوة جامعات حمص وحلب وتشرين والفرات. 
وفي عام 2007، اتفقت وزارة التعليم العالي في سوريا ووزارة العلوم والتكنولوجيا والأبحاث في إيران على تأسيس جامعة الفارابي في اللاذقية. 
وفي عام 2011، أصدر بشار الأسد مرسوما يقضي باعتراف وزارة التعليم العالي بمجمع السيدة رقية الخاص بتدريس العلوم الشرعية للمذهب الاثني عشري الشيعي، تحت اسم "معهد الشام العالي"، والذي بات يُعرف بجامعة بلاد الشام للعلوم الشرعية. 
وفي عام 2016، وقعت إيران اتفاقا مع النظام السوري ينص على تبادل المنح سنويا، فتمنح إيران 200 منحة دراسية مقابل 60 منحة دراسية سنويا من الجانب السوري. وكان أول تنفيذ للقرار في آب/ أغسطس من العام نفسه، مع تحميل الطلاب النفقات لا إلى الدولة. 
وفي عام 2018، افتتحت إيران 7 جامعات في سوريا: وهي كلية المذاهب الإسلامية في جامعة دمشق[7]. والفردوسي وأمير كبير والزهراء الخاصة بالإناث في حماة، بموجب اتفاق تعاون ينص أيضا على تبادل الطلاب وإرسال البعثات التعليمية[8]. و3 جامعات أخرى هي "آزاد إسلامي"، "المصطفى"، "تربية مدرس"، الخاصة بتخريج أساتذة الجامعات[9]. 
وتساعد الحوزات العلمية والمدارس والمعاهد الشرعية والجامعات والبعثات التعليمية في تحقيق انتشار ثقافي إيراني أكبر في سوريا في إطار التنشئة الدينية الاجتماعية، أي بما يضمن لها حضورا طويل الأمد. 
ج. أدوات إعلامية 
منذ إعلان بشار الأسد في آب/ أغسطس 2006، تشكيل ما أسماه بـ"محور المقاومة"، امتلكت إيران فرصة جديدة لوصول أكبر إلى المجتمع السوري، لا سيما من ناحية القبول بها، وبات انتشار صور لحسن نصر الله وآية الله الخامنئي إلى جانب صور بشار الأسد أو شقيقه ماهر أمرا شائعا، ولاقت الدراما الإيرانية التي قام التلفزيون السوري بدبلجة بعض أعمالها مثل "مسلسل يوسف" و"أصحاب الكهف" رواجا كبيرا، وأصبح الجمهور السوري يميل إلى متابعة القنوات الإخبارية الإيرانية أو المدعومة إيرانيا الناطقة بالعربية مثل "قناة العالم" و"قناة المنار" كمصادر للمعلومات. 
وكان أول تعاون رسمي معلن في قطاع الإعلام بين إيران والنظام السوري في تشرين الأول/ أكتوبر 2017، حينما زار وفد من الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون الإيراني دمشق برئاسة مديرها العام عبد العلي علي عسكري، وتم توقيع مذكرة تعاون مشترك تنص على تعزيز وتطوير العلاقات الإعلامية، وتبادل الخبرات الإعلامية والثقافية، والعمل المشترك على الإنتاج الإعلامي والدرامي والأفلام الوثائقية، إضافة لتأمين البنى التحتية الأساسية للإذاعة والتلفزيون إلى جانب التدريب والتطوير الإعلامي[10]. 
وبالفعل لم تمض سوى أيام على توقيع بروتوكول التعاون الإعلامي حتى تم افتتاح قناة "العالم سوريا"، ببث تجريبي، ومحتوى سوري يركز على البرامج العامة أكثر من الخبرية والمواد ثقافية والفنية والاقتصادية إلى جانب البرامج السياسية. 
وتحاول إيران من خلال وسائل الإعلام دعم وجهة نظرها حول دورها في المنطقة ككل، وليس في سوريا فقط، ونشر التوجهات الطائفية إلى جانب الخطاب السياسي، حيث يلاحظ أن كل هذه الوسائل تحمل خطابات دينية واضحة. 
3) القوة الصلبة 
أ. أدوات عسكرية 
منذ تدخل حزب الله في سوريا بشكل علني مطلع عام 2013، وما تلاه من انخراط للمليشيات التابعة لإيران التي انضوت تحت غرفة عمليات حلفاء سوريا في عام 2017 بقيادة قاسم سليماني، كان للقوة العسكرية دور بارز في دعم مساعي إيران للانتشار الثقافي في سوريا، سواء من خلال عمليات إعادة التوطين أو أنشطة التشييع أو عسكرة المجتمع المحلي على غرار تجارب لبنان والعراق. 
استخدمت إيران القوّة عبر المليشيات التابعة لها في استبعاد المعارضين لسياساتها من السكان المحليين في سوريا، من قبيل اعتقال 20 رجل دين في مدن ريف دير الزور الشرقي عام 2019، كانوا قد أبدوا رفضهم المطلق لرفع الآذان وفق المذهب الشيعي، والسيطرة على المراكز الثقافية، كما حصل في مدينة دير الزور، وتحويلها إلى مراكز ذات طابع ديني أو ثقافي إيراني، إضافة إلى تأسيس مليشيا حزب الله السوري في درعا وحمص ودير الزور منذ عام 2017. 
قدمت المليشيات التابعة لإيران الدعم اللازم لتأسيس الحوزات والمزارات، ولم تتوان أيضا عن تغيير أسماء بعض القرى كما حصل في ريف دير الزور الشرقي، وكذلك كتابة عبارات ذات طابع مذهبي على الجدران وتقديم الحماية للجمعيات الخيرية والمؤسسات الثقافية لنشر برامجها وأنشطتها والمشاريع الخدمية التابعة لإيران والتي تهدف أصلا لاستقطاب السكان المحليين. 
ب. أدوات مالية 
خصصت إيران مبالغ مالية طائلة لدعم سياسات الانتشار الثقافي في سوريا، ويشمل ذلك تكلفة افتتاح قناة "العالم سوريا"، ومكاتب وسائل الإعلام غير المحلية التابعة لها، ويشمل أيضا تمويل إنشاء الحوزات والمراكز الثقافية والجمعيات الخيرية والجامعات والمعاهد الشرعية والمدارس والمراقد وغيرها، إضافة إلى عمليات استقطاب السكان المحليين للمذهب الشيعي عبر التجنيد، والتي يتقاضى فيها الشخص قرابة 200 دولار (وهو مبلغ جيد ضمن الوضع الاقتصادي الحالي في سوريا) أو امتيازات أمنية ومعونات غذائية. 
ثانيا: عوامل التغيير الاجتماعي 
1) العامل الديمغرافي 
في الفترة بين عامي 1991 و2000، كانت سوريا قد استقبلت أعدادا كبيرة من اللاجئين العراقيين عقب الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها مدن الجنوب الشيعية، وأقام قسم كبير من هؤلاء لفترة طويلة في أحياء العاصمة دمشق التي كانت تأخذ طابعا شيعيا شيئا فشيئا مثل السيدة زينب. 
ومنذ ذلك الحين وحتى الآن، استمرت عمليات تجنيس بعض هؤلاء اللاجئين من الشيعة، أو تجنيس إيرانيين. وتتم عمليات التجنيس وفق المادة السادسة من المرسوم رقم (276) لعام 1969، لكن عمليات التجنيس لم تأخذ شكلا ممنهجا إلا بعد بدء الاحتجاجات الشعبية في سوريا عام 2011. 
ولا يمكن معرفة نطاق عمليات التجنيس، حيث لا تُنشر أسماء المجنسين كما في بعض الدول الأخرى. لكن المعلومات التي استطعنا الحصول عليها من عاملين سابقين في وزارة الداخلية تفيد بأن العدد هو بالمئات. ويعني ذلك أن إيران لا تطمح لإحداث تغيير سكاني مباشر من خلال عمليات التجنيس، وإنما تهدف من خلالها إلى تسهيل الإجراءات القانونية التي تمكنها من تنفيذ عمليات شراء العقارات أو تسجيل الجمعيات، إلى غير ذلك من الترتيبات. 
2) العامل الاقتصادي 
منذ عام 2011، بدأت إيران توقيع سلسلة من التفاهمات والاتفاقيات مع النظام السوري للنفاذ إلى الاقتصاد السوري والسيطرة على العديد من قطاعاته، من الطاقة الصناعة والتجارة والاتصالات والبناء وصولا إلى مشاريع إعادة الإعمار[11]. 
ويساعد تنامي نفوذ إيران في الاقتصاد السوري على فرض سياساتها بما فيها المتعلقة بالتغيير الاجتماعي، لكن السيطرة أو الحضور الواسع في قطاع البناء ومشاريع إعادة الإعمار يشكلان أهمية تفوق بقية القطاعات، إذ يمكن لها بموجبهما إعادة تشكيل البنية التحتية والعمرانية لمناطق عديدة بما ينسجم مع سياسات فرض التحول الديمغرافي، بصرف النظر عن الأهداف الاقتصادية والسياسية الأخرى. 
في كانون الأول/ ديسمبر 2019، وقعت إيران اتفاقا مع النظام السوري يقضي بتقديم التسهيلات اللازمة لتأسيس شركات إيرانية سورية حكومية مشتركة في مجالات البناء والتعمير والطرق والجسور والبنى التحتية للنقل والدراسات والاستشارات والخدمات الهندسية، إضافة إلى بناء 30 ألف وحدة سكنية في 26 منطقة لتنفيذها كضواح سكنية 20 ألفا منها في محيط العاصمة دمشق[12]. 
وغالبا ما تعمل العديد من البنوك والمؤسسات المالية المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني، مثل بنك أنصار الإيراني، ومؤسسة مهر المالية، على تقديم المزيد من التسهيلات ومنح القروض الكبيرة أمام المستثمرين، من أجل تنفيذ اتفاقيات التعاون مع النظام السوري. 
وإلى جانب الاتفاقيات الموقعة مع الدولة، وسعت إيران من عمليات الشراء المباشر للعقارات السكنية والتجارية والأراضي الزراعية، ويتم ذلك في الغالب عبر وسطاء سوريين، لتنتقل الملكية بعد ذلك إلى إيرانيين أو عراقيين أو لبنانيين مجنسين. 
وقد حصلت عمليات الشراء العقاري الإيراني على دفعات قانونية من خلال سلسلة من المراسيم التشريعية التي صدرت خلال السنوات الثمانية الماضية، وكان أهمها: 
في عام 2012، وقع بشار الأسد المرسومين التشريعيين رقم (40) و(66). ويقضي الأول بإزالة مخالفات البناء والثاني بإحداث منطقتين تنظيميتين في محيط العاصمة دمشق واحدة جنوب شرق المزة وثانية جنوب المتحلق الجنوبي. ويفتح المرسوم المجال أمام نقل ملكية بعض العقارات إلى غير مستحقيها، في ظل عدم تمكن الكثير من المالكين من الاعتراض خلال فترة الشهور الأربعة المنصوص عليها. 
في عام 2013، وقع بشار الأسد المرسوم التشريعي رقم (25) الذي سمح بتبليغ المدعى عليه بالدعوى غيابيّا، عن طريق الصحف في المناطق الساخنة، أو أن تصدر مراسيم رئاسية تسمح ببيع وشراء الأراضي السورية على قاعدة الربحية والتشاركية، مما أتاح للمستثمرين الإيرانيين المجال لشراء العقارات والأرضي على نطاق واسع. 
في عام 2015، وقع بشار الأسد المرسوم التشريعي رقم (19)، والذي يقضي بإنشاء شركات سورية قابضة، بهدف إدارة واستثمار أملاك الوحدات الإدارية في المحافظات، مما يعني إتاحة المجال أمام المستثمرين الإيرانيين لشراء أملاك رجال الأعمال السوريين المتعثرين وتحويل مشاريعهم لشركات قابضة تستثمر الأملاك العامة حسب المرسوم. 
في عام 2018 وقع بشار الأسد المرسوم التشريعي رقم (16)، والذي يفتح المجال أمام إيران لامتلاك عقارات تابعة لوزراة الأوقاف التي سبق وأن قامت بخطوة مماثلة في عام 2015 بمنح إيران عقارات في محافظة طرطوس. 
في عام 2018، وقع بشار الأسد المرسوم التشريعي رقم (10)، والذي يجيز إحداث مناطق تنظيمية ضمن المخطط التنظيمي، مما يتيح المجال أمام الشركات الإيرانية للاستثمار في إطار إعادة الإعمار. 
وجاء هذا المرسوم بعد سلسلة من المراسيم والقوانين ذات الرقم (12) لعام 2016 الخاص بإعطاء صفة ثبوتية للنسخة الرقمية لوقائع الحقوق العينية المنقولة عن الصحيفة العقارية، في الجهة العامة المنوط بها قانونا مسك سجلات الملكية العقارية. والرقم (33) لعام 2017 الذي يقضي بتنظيم آلية العمل في إعادة تكوين الوثائق العقارية المتضررة كليا أو جزئيا، أو التي ثبت فقدانها نتيجة الحوادث الطارئة، واعتبارها تتمتع بالقوة الثبوتية. وإصدار قانون التخطيط وعمران المدن رقم (23) لعام 2015، والقانون رقم (3) لعام 2018 الخاص بإزالة أنقاض الأبنية المتضررة. 
في الواقع، جاءت المراسيم والقوانين – سابقة الذكر– بعد عمليات تهجير قسري ممنهجة للسكان المحليين قام بها النظام السوري منذ عام 2012، والتي أدت إلى نزوح وهجرة الملايين من السوريين[13]. 
وتُظهر سياسات النظام في التعامل مع قضية اللاجئين رغبته الفعلية في منع عودة الجزء الأغلب منهم، حيث فرض الحصول على موافقة أمنية قبل عودة أي لاجئ (بما يشبه إجراءات الحصول على تأشيرة دخول)، وقام باعتقال وقتل عدد من العائدين من الحاصلين على موافقات أمنية مسبقة، ورفض السماح للمنظمات الدولية أو أي فاعل مستقل بمراقبة عملية إعادة اللاجئين. 
ويمثل بقاء اللاجئين والنازحين السوريين (حوالي نصف سكان سوريا) شرطا أساسيا لنجاح مشروع التغيير الديموغرافي الذي ترعاه إيران. ويعول النظام ومعه إيران في هذا السياق بشكل كبير على عامل الزمن، إذ إن مرور سنوات أكبر على بقاء اللاجئين خارج بيوتهم سوف يدفع أعدادا أكبر منهم لطلب اللجوء في أوروبا، بما يجعل احتمال عودتهم في المستقبل محدودا، كما أن آخرين سوف يؤسسون لحياتهم الجديدة في دول الجوار، بما يحد أصلا من رغبتهم في العودة. 
كما يعول النظام ومعه إيران على عامل إحداث أكبر تغيير ممكن على الأرض، بما يجعل العودة إلى الأماكن الأصلية مستحيلا أو شبه مستحيل، مثل تجريف المناطق المدمرة أو شبه المدمرة، والبدء بمشاريع عمرانية جديدة. 
هذه التغييرات ستجعل العودة إلى المنطقة، حتى في حالة حل سياسي شامل، أمرا مستبعدا، إذ إن السكان الأصليين لن يجدوا ذاتهم في الأبنية الجديدة التي ظهرت في هذه الفترة، ويفضلون البقاء حيث يقيمون الآن، أو الانتقال إلى مناطق أخرى. 
2) العامل الثقافي والإنساني 
أسست إيران عام 1995 "بيت النجمة المحمدية" كأول جمعية ثقافية في سوريا، وتلاها تشكيل "هيئة خدمة أهل البيت" في عام 2001، ومن ثم "هيئة علي الأصفر لشباب كربلاء" عام 2004. 
وفي عام 2009 تم تأسيس "المستشارية الثقافية الإيرانية" في العاصمة دمشق، حيث أصبح الإشراف على هذه الجمعيات مباشرا من طرف المستشارية، وتحول العمل إلى شكل أكثر تنظيما. 
استمرت إيران بعد عام 2011 بإنشاء المؤسسات ذات الطابع الثقافي، مثل "منظمة جهاد البناء"، و"المركز الثقافي الإيراني"، و"مجمع الصراط الثقافي" الذي أنشأ بدوره "جمعية كشافة الإمام المهدي". 
وتقوم تلك الجمعيات والهيئات بأنشطة متعددة تشمل إقامة الرحلات الترفيهية للأطفال من مناطق دمشق الجنوبية والمشاركة في المسيرات، وإقامة العروض المسرحية بحضور رجال دين، وصولا إلى إقامة تدريبات رياضية ذات طابع عسكري تحاكي الحرس الثوري[14]. 
كما تقوم تلك المؤسسات بعقد محاضرات لرجال الدين الشيعة، وافتتاح المكتبات لإعادة الكتب وإقامة المعارض لنشر المطبوعات وبيعها بأسعار رمزية أو توزيعها مجانا، وتوزيع المجلات والجرائد التي تروّج للعقائد الشيعية. 
وشملت أدوات إيران في التغيير الاجتماعي القطاعَ الإنساني، إذ لم تفوت فرصة بناء المستشفيات والمستوصفات أو النقاط الطبية ذات الطابع الخيري في المدن والقرى السورية، مثل "مشفى الخميني" في دمشق و"المشفى الخيري" و"مركز الرائد الطبي" في حلب. 
وتقوم هذه المنشآت إلى جانب الجمعيات الخيرية سابقة الذكر بتقديم العلاج والدعم العيني لعوائل المليشيات التابعة لإيران والمقربين منهم، إضافة إلى استهدافها للجمهور العام، حيث يتم دمج العمل الإنساني أو الطبي بالأنشطة الدعوية والثقافية، من قبيل منح مراجعي العيادات كتيبات دينية. 
كما شملت الجهود الإيرانية قطاع التعليم أيضا، حيث وقعت في كانون الثاني/ يناير 2020، اتفاقية تعاون تربوي مع النظام السوري تمنحها حق تأهيل المدارس والمشاركة في طباعة الكتب وضبط الامتحانات ودعم التعليم المهني والتقني وغير ذلك من بنود. 
4) العامل السياسي 
لم تتوان إيران عن استقطاب المكونات والشخصيات السياسية والمجتمعية في سوريا، بغرض التحالف معها أو على الأقل ضمان عدم عرقلة جهودها. 
في مطلع عام 2017، استطاعت استمالة زعيم عشيرة البقارة في سوريا نواف البشير إلى صفوف النظام السوري بعد أن كان ينشط في صفوف قيادة المعارضة السورية. وفي نهاية عام 2019، استقبل مستشار المرشد في إيران علي أكبر ولايتي وفدا يضم قادة عشائر وشيوخ من سوريا على رأسهم نواف البشير، لدعم سياساتها شرق البلاد. 
ولدى إيران نفوذ واسع في قطاع الدولة في سوريا، وتستفيد من ولاء عدد كبير من الشخصيات، وأبرزهم: مفتي الجمهورية أحمد بدر الدين حسون، ووزير الأوقاف محمد عبد الستار، ووزير التعليم العالي سابقا هاني مرتضى، وأنور النابلسي الذي شغل منصب مدير أوقاف درعا، وخالد عبود عضو مجلس الشعب، وغيرهم. 
خاتمة 
بدأت الجهود الإيرانية للحضور الثقافي والديني في سوريا بُعيد نجاح ثورة الخميني في إيران، حيث أتاح التحالف بين حافظ الأسد ونظام الخميني مساحة للتحرك الإيراني في سوريا. إلا أن هذا التحرك كان منضبطا ومحدودا في عهد الأسد الأب، والذي كان حريصا على الإمساك بالتوازنات الداخلية بشكل كامل، وعدم السماح حتى لحلفائه بالإخلال بها، كما كان قادرا بفعل امتلاكه لطيف واسع من الأوراق الخارجية على إبقاء الفاعلين الخارجيين خارج الساحة السورية. 
ويظهر تحليل النشاط الإيراني في سوريا والمنطقة أنها لا تعتمد على حضورها الثقافي والمجتمعي كركيزة للتأثير بعيد المدى، حيث ترى أن هذا الحضور يوفر ضمانة للمشروع، في حين أن الحضور العسكري يمكن أن يتأثر بالمعطيات السياسية والأمنية وحتى الاقتصادية. ويلاحظ أن المشروع الإيراني يتصف بالنفس الطويل والاستثمار البطيء، والذي قد يستغرق أحيانا عدة عقود قبل أن ينضج بشكل كامل. 
وتمثل هذه الصفات أبرز ما يميز المشروع الإيراني عن غيره من المشاريع في سوريا والمنطقة، بما في ذلك المشروعين الروسي والتركي، وحتى الأميركي. إذ تكتفي تلك المشاريع بالسيطرة الميدانية على الأرض، إلى جانب تدخل محدود أو معدوم في أنماط التفكير للسكان، وخاصة من النواحي الدينية، الأمر الذي يجعل حضورها وتأثيرها مرتبط بوجودها العسكري المباشر فقط. 
ويواجه المشروع الإيراني في سوريا تحديات آنية ومستقبلية كبيرة، وهو ما تحاول إيران التعامل معها من الآن بطرق مختلفة. ومن أبرز هذه التحديات: 
عودة اللاجئين إلى مدنهم وقراهم، الأمر الذي من شأنه يُعطل أو يؤخر مشاريع التغيير الديموغرافي. وتعمل إيران في هذا الصدد على عرقلة مشاريع إعادة اللاجئين بشتى الطرق، وخاصة من خلال رفض تقديم أي ضمانات لسلامتهم، ودعم السماح للمنظمات الدولية بمراقبة عملية إعادة اللاجئين، وعدم منح الموافقات الأمنية لعودة اللاجئين، وغيرها من الأدوات. 
إجراء تغيرات فعلية في بُنية النظام الأمنية والسياسية، إذ إن مثل هذه التغيرات يمكن أن تقوض نظام الحماية الذي يتوفر لعملها في دمشق، والذي مكّنها خلال السنوات الماضية من التمدد في كل مفاصل الحياة والمجتمع في سوريا.استمرار العقوبات الاقتصادية على إيران، حيث تحدث هذه العقوبات من الإمكانيات الاقتصادية التي يمكن أن تخصصها طهران لمشاريع التمدد الخارجي. ورغم اعتماد إيران عموما على أنماط رشيدة اقتصاديا، ومحاولتها تأمين موارد إضافية من خلال الأعمال التجارية أو أعمال التهريب، وخاصة المخدرات، إلا أن هذه الموارد لا تكفي وحدها لتغطية التكاليف الكبيرة لمشاريع التمدد الاجتماعي والثقافي والديني والعسكري. 
وفي ظل غياب المؤشرات عن إمكانية حصول تغيير جذري في طبيعة توازنات القوى القائمة حاليا في دمشق، فإن من غير المتوقع أن تقدم إيران على تخفيض أنشطتها في سوريا طواعية على المدى المنظور، ولا أن تقوم أي جهة دولية بإجبارها على ذلك. 
المصادر: 
[1] جاك جولدستون وإريك كوفمان ومونيكا دافي توفت، "الديموغرافيا السياسية تعيد التغيرات السكانية تشكيل الأمن الدولي والسياسة الوطنية". مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية، 2014. 
[1] تُنسب نظرية الانتشار الاجتماعي إلى علم النفس الاجتماعي، وكان أوّل من أصّل أفكارها ألفريد كروبر عام 1940، لكن النظرية تعرّضت لاحقاً إلى نقد ومن ثم تطوير لمضمونها. 
[1] "البعث الشيعي في سوريا". المعهد الدولي للدراسات السوريا، 2009، ص42. 
[1] "البعث الشيعي في سوريا". المعهد الدولي للدراسات السوريا، 2009، ص73. 
[1] البعث الشيعي في سوريا". المعهد الدولي للدراسات السوريا، 2009، ص158. 
[1] "من الدعم العسكري إلى الثقافة والاقتصاد.. إيران تسيطر على مفاصل سوريا بالكامل". المرصد السوري لحقوق الإنسان، 17-7-2019، https://cutt.us/9SDRt 
[1] "بعد لقاء خرازي بوزير الأوقاف السوري: تأسيس كلية للمذاهب الإسلامية في دمشق". وكالة تسنيم، 28-2-2018، https://cutt.us/zrwZH 
[1] "لأول مرة.. جامعة حماة توقع اتفاقيات تعاون علمي وتبادل ثقافي مع 3 جامعات إيرانية". الوطن، 28-10-2018، https://cutt.us/xlMg7 
[1] "وزير العلوم يعلن: انشاء فرع لـ جامعة تربية مدرس' في سوريا". وكالة إرنا، 14-11-2018، https://cutt.us/sHtAD 
[1] "وفد إعلامي إيراني في دمشق ولقاءات وزارية مكثفة". قناة العالم، 15-7-2017، https://cutt.us/tWAc8 
[1] "كيف سيطرت إيران على مستقبل سوريا الاقتصادي؟". إضاءات، 11-4-2019، https://cutt.us/m6q14 
[1] "30 ألف وحدة سكنية مع إيران". الوطن، 15-12-2019، https://cutt.us/nkru4 
[1] "التغيير الديمغرافي والتهجير القسري في سوريا". وحدة التنسيق والدعم، 29-6-2017، https://cutt.us/QghSQ 
[1] "تشييع أطفال دمشق برعاية مفتي النظام.. كشافة الإمام المهدي الآن في دمشق". زمان الوصل، 9-3-2014، https://cutt.us/pmixk