الرئيسة \  واحة اللقاء  \  "نوفمبر باريس"

"نوفمبر باريس"

17.11.2015
د. خالص جلبي



الاتحاد
الاثنين 16/11/2015
في ليلة الجمعة 13 من شهر نوفمبر، العدد الذي يتشاءم منه الغربيون، وقبل منتصف الليل كانت باريس على موعد مع ست ضربات موجعات، أحدها بجانب ستاد رياضي لفريقين رياضيين بين ألمانيا وفرنسا، كان من المفروض أن يشهده الرئيس الفرنسي أولاند، مما دفع الفريق الأمني المسارعة بإنقاذ الرئيس بسرعة، والثانية في مطعم ياباني قضى على 18 من السواح، أما الضربة الكبيرة فكانت في مسرح ضخم هو ‏Bataclan حيث يقضي القوم عطلة نهاية الأسبوع، فتم احتجازهم  وقتلهم، وإذ تسربت تغريدات أن الجناة يتابعون القتل تم اقتحام المكان مما رفع وتيرة القتلى، لتكون حصيلة نهاية الليلة 128 قتيلاً و 250 جريحاً حالة 99 منهم حرجة.
وللمرة الأولى تطفأ أنوار برج إيفل منذ عام 1889م بعد مرور 126 عاماً، ويعم الظلام باريس، ويعلن الرئيس حالة الطوارئ لمدة 12 يوماً، يمكن اعتقال المشتبهين وغير المشتبهين من يشاؤون، والطرد من البلد من يريدون، واقتحام أي منزل في أي وقت ومصادرة أي شيء يحبون. إنها حالة (الخروج عن القانون) ودخول حالة (الأحكام العرفية العسكرية).
حالة الأحكام العرفية التي أعلنها (أولاند) ومعها إغلاق حدود فرنسا، ثم العثور على جواز سوري وآخر مصري وثالث فرنسي بين ثمانية من المقتولين من الانتحاريين، قتلت الشرطة واحداً، وقتل السبعة الآخرون أنفسهم بأحزمة ناسفة. إنهم مدربون على القتل الجماعي بعقلية مصممة على الموت بكل سبيل. ومنه ينبع خطر التكوين الفكري الديني الاستشهادي، لأنه خارج منظومة العقل والرشاد، وليس من خلطة أشد تفجيراً من حماس دون وعي، وتضحية دون فقه، وسيارة مليئة بالبارود دون ضابط وفرامل؟
ثم نطق إعلان "داعش" أن ما حدث هو لمواجهة الحملة الصليبية التي تضرب دار الخلافة الإسلامية؟ أنه أول الغيث.
ما حدث كان تالياً لموجة من الفزع الأعظم، فقد سبق موت الفرنسيين، موت 224 راكباً على ظهر طائرة روسية، حاول جاهداً بوتين ولافروف (لفلفة) الخبر، أن الإرهابيين أحقر من أن ينالوا من التكنولوجيا الجهنمية التي يحملونها إلى قواعدهم في حميميم وطرطوس. ثم تلى ذلك تفجير مقر "حزب الله" في جنوب بيروت، فتابعت رحلة الموت دربها، ليأخذ 43 من "حزب الله" ومن شايعهم. ولا نعرف الضربة القادمة في رأس من ستحل.
العالم يبكي، وباريس تندب وتنوح في "سبتمبر نيويوركي" جديد؟ من الغريب أن أميركا صاحت فوراً: نحن مستعدون لأي هجمة، وصاح بشار: إنه ضد الإرهاب، وهو صاحب مصنع للإرهاب بامتياز، وكان أوباما في مقدوره قبل ولادة المسخ (داعش) ومعه الجهابذة صناع السياسة فهامة القوم من أوروبا الضغط على الأنظمة الشمولية في الشرق، أن تخفف قبضتها على المخنوقين من الشعوب الرخيصة عفواً نحن ولكنها المصالح وقصر النظر والشهوات، فدفعوا الثمن أغلى كما رأينا في "شارل إبدو" و"نوفمبر باريس".
وهنا لا يستبعد أن يكون من صنع ما حدث في باريس أصابع المخابرات الأسدية كما نطق مفتيهم من قبل فولغ في دماء الناس الأبرياء، الذين هم وقود المؤامرات من مخابرات إيرانية وموساد و"كي. جي. بي" وأميركية وأوروبية. المشهد العام يقول بثلاث أمور: عالم يعيش حالة فوضى، إرهاب معمم على قوس الكرة الأرضية، والعولمة أصبحت ليست في منظمة التجارة العالمية وصندوق النقد الدولي، بل هي الجريمة المنظمة العالمية تنتقل كما تنقل فيروسات "سارس" و"كورونا" وفيروس إنفلونزا الطيور و"إيبولا". أذكر جيداً حين كتبت إلى جريدة الشرق الأوسط مقالتي عن أحداث سبتمبر أن الأصابع توجهت فقط للسؤال عن (كيفية) حدوث ما حدث؟ ولم يتم التوجه قط إلى السؤال الجذري لم يحدث ما يحدث؟ وهو سؤال حركه البعض ولم يصغ له أحد تجاهلاً وعمداً.