الرئيسة \  تقارير  \  نيزافيسيمايا : كيف أصبحت آسيا مجالًا للمنافسة بين تركيا والصين؟

نيزافيسيمايا : كيف أصبحت آسيا مجالًا للمنافسة بين تركيا والصين؟

27.12.2022
أناتولي كومراكوف

نيزافيسيمايا : كيف أصبحت آسيا مجالًا للمنافسة بين تركيا والصين؟
كتب بواسطة: أناتولي كومراكوف
ترجمة وتحرير: نون بوست
الاثنين 26/12/2022
على خلفية تنامي الوجود الاقتصادي لتركيا والصين في المنطقة بات تغير دور روسيا أمرًا محسوسًا، فوفقًا لتقرير جديد صادر عن نادي فالداي الدولي، فإن العقوبات الغربية المناهضة لروسيا لم تفكك بعد العلاقات الاقتصادية التي تجمع روسيا مع جمهوريات آسيا الوسطى. مع العلم أن عدد سكان آسيا الوسطى ما بعد الاتحاد السوفياتي اليوم يناهز حوالي 77 مليون شخص، معظمهم من الشباب، ففي حين يبلغ متوسط ​​عمر سكان كازاخستان 31.8 سنة؛ يبلغ في طاجيكستان 25.3 سنة. وبالنسبة لروسيا فإن متوسط ​​عمر السكان يقارب 40 عامًا، بينما في دول الاتحاد الأوروبي يبلغ حوالي 43.9 عامًا.
وفي ظل تطور اقتصاد منطقة آسيا الوسطى بشكل ديناميكي يبلغ الحجم الإجمالي للناتج المحلي 350 مليار دولار.
في الحقيقة؛ إن موقع دول المنطقة التي تعتبر مفترق طرق التجارة التي تربط بين آسيا والشرق الأوسط وأوروبا يجعل خُمس جمهوريات آسيا الوسطى جذابة للاستثمار ليس فقط من حيث الممرات، بل بفضل الإمكانات الصناعية والتجارية لديها. ومع ذلك؛ يرى مؤلفو التقرير الصادر عن نادي فالداي أنه بسبب البعد عن طرق التجارة البحرية والتطور الضعيف لنظام النقل والخدمات اللوجستية، لم تتحقق إمكانات الاستثمار في المنطقة بالكامل حد الآن، مما يدفع القوى العاملة إلى البحث عن فرص عمل في الخارج.
وبسبب اختيار روسيا التعاون تجاريا مع الاتحاد الأوروبي وعدم تأثير مبادرة الحزام والطريق الصينية المعلنة في عام 2013 على المنطقة لم يتغير الوضع.
ويقول مؤلفو التقرير: "في بلدان مثل كازاخستان أو قيرغيزستان، يعيق الفساد والهياكل العشائرية فضلا عن انتشار رهاب الصين الاستثمار الصيني هناك". في الوقت نفسه؛ تبدي الولايات المتحدة - التي لديها مصالح اقتصادية حقيقية في كازاخستان مثل امتلاك الشركات الخاصة حصة كبيرة من إنتاج النفط - اهتمامًا باستخدام المنطقة كأداة للتأثير على أكبر خصومها هناك وهما روسيا والصين.
وبناء عليه؛ تنص إستراتيجية الولايات المتحدة الخاصة بالمنطقة للفترة الممتدة بين عامي 2019 و2025 على تخصيص حوالي 9 مليارات دولار لدعم الإصلاحات الديمقراطية والمبادرات الإنسانية والنمو الاقتصادي. في الوقت نفسه؛ تحاول دول اتحاد أوروبا الغربية اختراق المناطق المهمة بالنسبة لروسيا في المنطقة، وبالخصوص فرنسا، التي تحاول شركاتها الدخول في مشاريع لبناء محطات للطاقة النووية على خلفية نشاط روس أتوم في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك في تركيا.
ويضيف خبراء نادي فالداي بأن "إلغاء الاتفاقيات مع أوروبا ينعكس بشكل كبير على الرفاهية الاقتصادية والاجتماعية للبلد، مع العلم أن الاتفاقات ذاتها يستخدمها الغرب كرافعة إضافية للضغط على قيادة كازاخستان".
ويقر التقرير ذاته أن بكين لم تغير بعد سياستها تجاه دول آسيا الوسطى وتلتزم بالإستراتيجية السابقة والتي تتمثل في التركيز على الاقتصاد دون التدخل في الشؤون الداخلية وتكوين صورة إيجابية عنها. ناهيك عن ذلك؛ تهتم الصين بتشغيل طرق النقل واللوجستيات الحالية، والتنمية الاقتصادية المستقرة والاستقرار السياسي في المنطقة.
ومنذ بداية القرن العشرين؛ حاولت تركيا لعب دور زعيم المجتمع التركي باعتبارها أول دولة في العالم تعترف باستقلال دول آسيا الوسطى. ومع ذلك؛ فإن التفاعل في إطار مجلس التعاون للدول الناطقة بالتركية، الذي أنشأته تركيا عام 2009، والذي يشمل معظم دول آسيا الوسطى، يحدث إلى حد كبير في سياق ثقافي وإنساني. وقد تأسس صندوق الاستثمار لدول هذا المجلس في عام 2022، برأس مال مصرح به يبلغ 350 مليون دولار، وهو مبلغ لا يتناسب مع استثمارات اللاعبين الخارجيين الرئيسيين.
في الحقيقة؛ أثرت العقوبات الغربية على دول آسيا الوسطى، التي تجمعها علاقات اقتصادية وثيقة مع روسيا، بما في ذلك من خلال جمعيات التكامل على غرار رابطة الدول المستقلة والاتحاد الاقتصادي الأوراسي ومنظمة معاهدة الأمن الجماعي والمؤسسات المالية مثل بنك التنمية الأوراسي وصندوق التنمية الروسي القرغيزي.
ورغم أن فصل البنوك الروسية عن نظام الاتصالات المالية العالمية بين البنوك "سويفت" من قبل الدول الغربية هدد بتدمير التجارة، غير أن ذلك لم يحدث كون البنوك في كازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان وأوزبكستان ارتبطت بحلول شباط/ فبراير 2022، بنظام تحويل الرسائل المالية الذي أنشأته روسيا.
 تسلط الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ضغوطا كبيرة على نخب دول آسيا الوسطى، غير أن العلاقات الوثيقة مع روسيا والصين لا تسمح لهم بالرضوخ لاستفزازات الغرب
بالإضافة إلى ذلك؛ لم تتوقف عملية الهجرة عبر الحدود، فبالنسبة لقيرغيزستان وطاجيكستان وأوزبكستان، فإن عودة المهاجرين إلى وطنهم، المسألة المطروحة للنقاش منذ انطلاق العملية العسكرية الروسية، لا تهدد فقط الميزانية بمخاطر مالية ضخمة باعتبار أن تحويلات العمالة الوافدة إلى قيرغيزستان تقدر بـ33 بالمئة من حجم الناتج المحلي الإجمالي وبـ34.5 بالمئة في طاجيكستان وبـ13 بالمئة في أوزبكستان، بل أيضًا بعواقب اجتماعية خطيرة.
نتيجة لذلك؛ في الفترة الممتدة بين كانون الثاني/يناير وأيار/ مايو؛ تضاعف عدد المهاجرين في روسيا مقارنة بعام 2021، كما زاد تدفق الأموال من روسيا، ففي النصف الأول من العام الجاري، بلغ حجم التحويلات إلى قيرغيزستان 1.35 مليار دولار، أكثر مما كان عليه في عام 2021، وتضاعفت حجم التحويلات من روسيا إلى أوزبكستان مرتين، وبنسبة 3.4 بالمئة في طاجيكستان.
ومع ذلك؛ أشارت الدول إلى النتائج السلبية للصراع الروسي الأوكراني، بحيث بلغت مستويات التضخم في كازاخستان قرابة 19 بالمئة، وقد أدى فصل روسيا عن أنظمة الدفع العالمية وتقليص سوق العمل إلى تهديد تحويلات العمال المهاجرين في قيرغيزستان، والتي يتراوح عددهم بين 800 ألف و1.5 مليون شخص. ومع ذلك؛ بقيت المخاطر مجرد مخاوف حيث لم ينخفض ​​حجم التحويلات المالية من روسيا، بل على غير التوقعات زاد بنسبة 10.5 بالمئة، فيما تجاوز حجم التجارة 2 مليار دولار.
وقد ساعد التصدير الموازي للسلع إلى روسيا فضلاً عن نمو الطلب على السلع والخدمات القيرغيزية من غير المقيم؛ ، الإقتصاد القيرغيزي، فيما بلغ حجم الاستثمار الروسي في أوزبكستان تسعة مليارات دولار بين عامي 2016 و2021. وعليه؛ بحلول عام 2022، أصبحت روسيا قوة رائدة من حيث الاستثمارات في أوزبكستان وقد بلغت استثماراتها حوالي 21 بالمئة من إجمالي عدد الاستثمارات الخارجية في أوزبكستان بحلول نهاية تشرين الأول/ أكتوبر من العام الجاري. بدورها؛ تعمل روسيا على تمويل تنفيذ 200 مشروع في أوزبكستان في مجالات مختلفة هناك مثل البتروكيماويات والطاقة والتعدين والرعاية الصحية والأدوية والصناعات الخفيفة.
وفي الحقيقة؛ ساعدت جميع هذه العوامل على نمو الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، والذي بلغ بحلول نهاية الربع الثالث من العام الجاري 5.81 بالمئة في ظل مستويات تضخم بلغت في الشهر الجاري 12.3 بالمئة. مع العلم أن الناتج المحلي الإجمالي الروسي قد ينخفض من 2.9 إلى 2.5 بالمئة.
في ظل هذه الظروف، يحاول الأتراك مجاراة الوضع والعمل على وضع خطط واسعة النطاق. ففي الفترة الأخيرة؛ أفادت بعض المصادر أن شركة "رونيسانس القابضة" التركية تخطط لاستثمار حوالي 8 مليارات دولار في مشاريع في أوزبكستان، بحيث سيتم استثمار جزء من الأموال في أكبر الشركات الصناعية في أوزبكستان، "أوزميتكومبينات"، و4.1 مليارات دولار مقابل تطوير مجمع ألماليك للتعدين والصهر، وتخصيص ثلاث مليارات دولار لتنفيذ البرامج الاجتماعية وبناء المستشفيات ومراكز التسوق.
وفي هذا الصدد؛ يقول مدير دائرة بلدان رابطة الدول المستقلة في الخارجية الروسية ألكسندر ستيرنيك: "إن اقتصادات روسيا وآسيا الوسطى خيبت توقعات الغرب لأن قادة آسيا الوسطى يسعون إلى تشييد علاقات متساوية مع روسيا واللاعبين الرئيسيين الآخرين في المنطقة، مما يترك لروسيا مجالًا كبيرًا للمناورة، كونها تحتل مكانة رائدة من حيث عدد المشاريع المشتركة في دول منطقة آسيا الوسطى".
 تمتلك كل من الشركات الصينية والتركية كفاءات وطموحات في آسيا الوطى، مع العلم أن مواطن قوة تركيا تكمن أيضا في التأثير الثقافي والخطابي من خلال نشر الثقافة واللغة التركية
من جانبها؛ تقول داريا تشيزوفا، المؤلفة للتقرير الصادر عن نادي فالداي: "تسلط الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ضغوطا كبيرة على نخب دول آسيا الوسطى، غير أن العلاقات الوثيقة مع روسيا والصين لا تسمح لهم بالرضوخ لاستفزازات الغرب".
وفي هذا الصدد؛ يقول ديمتري فولفاتش، وهو نائب وزير التنمية الاقتصادية في روسيا: "إن تعاون الدول في الفضاء الأوراسي هو الضامن للاستقرار الاقتصادي في العالم. كما تعمل روسيا والدول الأعضاء الأخرى في الاتحاد الاقتصادي الأوروآسيوي جنبا إلى جنب على إنشاء الشراكة الأوروبية الآسيوية الكبرى، وهو مشروع جيوسياسي شامل يقوم على سياسات جمعيات التكامل الموجودة بالفعل في منطقة أوراسيا، مثل الاتحاد الاقتصادي الأوروآسيوي وبريكس ومنظمة شانغهاي للتعاون".
ويضيف المحلل السياسي أندريه سوزدالتسيف: "جمهوريات آسيا الوسطى هي الحجر الأساس الذي يقوم عليه الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، ومع ذلك لم يكن له تأثير إيجابي في إطار مواجهة سياسة العقوبات كون بعض دول المنطقة تنتهج سياسة مستقلة صارمة على غرار أوزبكستان التي رفضت فكرة قيام روسيا بإنشاء اتحاد للغاز".
وتابع سوزدالتسيف: "تواجه المنطقة مشكلة في الطاقة؛ حيث تسيطر طاجيكستان على 70 بالمئة من مياه المنطقة الضرورية لتوليد الطاقة في البلدان الأخرى. ومن أجل حل المشكل، هناك حاجة إلى إنشاء استثمارات، لكن بسبب الوضع الصعب تعجز روسيا عن تنفيذها في الوقت الراهن. كما أن البلدان، التي شعرت بحاجة روسيا إلى مؤيدين، تطالب بإيلائها المزيد من الاهتمام، وهو ما دفع قادة بعض البلدان إلى انتقاد روسيا بشكل مبالغ فيه خلال تصريحاتهم".
ويؤكد سوزدالتسيف على حقيقة تحول المنطقة إلى ساحة للمنافسة جادة بين مختلف مراكز القوة في العالم قائلا: "تركيا نشطة بشكل كبير في المنطقة الآن، وتستعيد أمجادها هناك. في التسعينيات، كانت تتعاون مع الشعوب التي تعيش هنا على أساس الهوية الثقافية؛ وأنشأت مراكز تعليم خاصة بها في آسيا الوسطى. أما في الظرف الراهن، ورغم استخدامها العامل التركي، إلا أنها تريد تقوية نفوذها الاقتصادي في ظل غياب مشاريع استثمارية كبيرة من شأنها أن تغير مصير المنطقة".
فيما يتعلق بالصين، قال مكسيم كوزنتسوف وهو رئيس مجلس الأعمال الروسي الآسيوي: "الصين الأكثر نشاطًا في المنطقة تحديدا في مجال استخراج الموارد الطبيعية، فضلاً عن توريد الآلات والمعدات، بينما تسيطر تركيا على مجال الصناعة الخفيفة هناك. وتتنافس كل من الصين وتركيا هناك في قطاع الإنشاء، بحيث تمتلك كل من الشركات الصينية والتركية كفاءات وطموحات هناك، مع العلم أن مواطن قوة تركيا تكمن أيضا في التأثير الثقافي والخطابي من خلال نشر الثقافة واللغة التركية، بما في ذلك فرصة توظيف المهاجرين من آسيا الوسطى".