الرئيسة \  تقارير  \  نيويورك تايمز :أميركا... فلنكن أكثر وعياً بعواقب حروبنا!

نيويورك تايمز :أميركا... فلنكن أكثر وعياً بعواقب حروبنا!

05.02.2022
جوناثان كاتز


الشرق الاوسط
الخميس 3/2/2022
ظهرت مؤخراً العديد من القصص المزعجة على الصفحة الأولى لصحيفة “التايمز” البريطانية، كانت إحداها عن نشر مقطع مصور من الهجوم الأميركي الأخير بالطائرات المسيرّة في أفغانستان قبل انسحاب القوات الأميركية من البلاد، والذي أسفر عن مقتل مدنيين فقط، سبعة منهم أطفال. شارك في كتابة ذلك المقال عظمة خان، صحافية استقصائية كشفت “نمطاً من الحصانة” في حروب أميركا الجوية.
ربما تبدو تلك القصص غير مرتبطة ببعضها بعضاً، لكن تعثر ديمقراطيتنا متصل بشكل مباشر بالحصانة التي نشنّ بها الحروب.
تم استخدام اللواء سميدلي باتلر ورفاقه في مشاة البحرية بالطريقة نفسها التي يتم بها استخدام الطائرات المسيّرة اليوم، أي كأداة للرؤساء للقتل والتدخل في دول أخرى بهدوء، وبدون الحاجة إلى الالتزام بنشر فرق كثيرة من القوات البرية؛ وقد قتلوا بالفعل، فخلال الاحتلال الأميركي لهايتي، الذي امتد من 1915 حتى 1934. والذي ساعد باتلر خلاله في تمهيد الطريق لقوات من العملاء المحليين. كان يتم الاعتماد كثيراً على القوة الجوية الأميركية.
يمكن اقتطاع وصف لهجوم بقيادة قوات مشاة البحرية على قرية في هايتي عام 1919 من موضوعات الصحافية خان، باستثناء أن الهجوم كان باستخدام طائرة مزدوجة الأجنحة بدلاً من طائرة مسيّرة: “إنها تهبط، وتدور، ومحركها يصرخ. إنها تقذف القنابل، وتعود مباشرة إلى الأعلى، وتدور تكراراً، وتستهدف مجموعة أخرى، وتواصل إصدار الضجيج الجهنمي. تتكرر تلك المناورة عدة مرات، وتصدر الأبقار الخوار، ويسود الذعر الأجواء، وتصرخ النساء، ويخلي الرجال الميدان باستخدام المناجل والأسلحة، ثم نتقدم باتجاه المخيم، ونجهز على الجرحى، ونحصي عدد الجثث”.
تحرر باتلر في النهاية من الوهم بفعل الفظائع التي شارك فيها، وبعد إدراكه أن أكبر منتفعين منها كانت المصارف والشركات التي دائماً ما كانت تتبع قوات مشاة البحرية. مع ذلك فقط بعد عودته إلى الولايات المتحدة وتقاعده عام 1931 بدأ يفهم كيف توّلد وتنتج الحصانة الإمبراطورية في الخارج السلطوية والاستبداد في الوطن.
كان أول نداء للتيقظ له عام 1932 عندما تلاقى آلاف المحاربين القدامى في الحرب العالمية الأولى وأسرهم في واشنطن من أجل المطالبة بمستحقات تم التعهد بدفعها منذ مدة طويلة كانوا بحاجة إليها للصمود في مواجهة الكساد. بدلاً من مدّ يد العون إليهم، أرسل الرئيس هربرت هوفر الجيش تحت قيادة الجنرال دوغلاس ماكارثر، رفيق باتلر. استخدم الجنود الأسلحة الكيميائية ضد المحاربين القدامى وأسرهم وأحرقوا أكواخهم المؤقتة تماماً، واختنق طفل رضيع بفعل الغاز وتوفي بعد فترة وجيزة.
بعد عامين أطلق الجنرال باتلر إنذاراً بشأن تدبير مخطط لانقلاب فاشي يُعرف باسم “مؤامرة العمل”، وفي نوفمبر (تشرين الثاني) 1934، أخبر لجنة فرعية في الكونغرس بمحاولة تجنيده من جانب ممثل لدار وساطة بارزة في “وول ستريت” من أجل الإطاحة بالرئيس فرانكلين روزفلت وإنهاء اتفاقه الجديد “الاشتراكي”.
رغم سخرية الكثير من الصحف من مزاعمه في البداية، كان لديه سبب يدعوه إلى التعامل بجدية مع التهديد، حيث قال للجنة الفرعية: “أنا معني بأمر واحد في كل هذا، وهو محاولة بذل ما في وسعي من أجل الحفاظ على الديمقراطية في هذا البلد”.
حرر الصراع الكلي ضد القوى الفاشية في الحرب العالمية الثانية الكثير من النخب الأميركية من أي مشاعر سابقة تجاه الفاشية كبديل للديمقراطية أو السياسة الطبقية. مع ذلك بدأ الجيل، الذي يتذكر تلك الأيام في الرحيل، ونحن الآن على الجانب الآخر من عقدين من الاحتراق البطيء. على الجانب الآخر، ما نواجهه من أزمات تبدو مزعزعة للاستقرار مثلما كان الكساد الكبير، ومنها الوباء والكارثة المناخية والصراعات الاقتصادية اليومية.
يمكن أن يعود المشرعون إلى الالتزام بالديمقراطية من خلال دعم حقوق التصويت، وتحسين التمثيل، واستعادة ثقة الناس بالحكم الديمقراطي من خلال توقع احتياجاتهم المادية وتلبيتها. يمكن لآخرين اتباع نموذج باتلر من خلال كشف وإدانة الاستبداد حين يظهر.
إن لم نتمكن من فعل ذلك من منطلق التعاطف الإنساني، يمكننا فعله بدافع المصلحة ومن منطلق فهم ترابط مستقبلنا جميعاً معاً، بمن فيهم الذين ألحقنا بهم الضرر في الخارج.
كتبت خان أن هدف تحقيقها كان “جعل الأميركيين أكثر وعياً بعواقب حروبنا”، وكما حاول باتلر تحذيرنا، من بين تلك العواقب أن تلك الحروب ترتد دائماً إلى الوطن.
* خدمة “نيويورك تايمز”