الرئيسة \  تقارير  \  “نيويورك تايمز” :الأيام القليلة القادمة محورية في مسيرة بوريس جونسون

“نيويورك تايمز” :الأيام القليلة القادمة محورية في مسيرة بوريس جونسون

03.02.2022
إليني كوريا


خدمة “نيويورك تايمز”
الشرق الاوسط
الاربعاء 2/2/2022
لطالما كان بوريس جونسون، رئيس الوزراء البريطاني المحب للكلاسيكيات، مولعاً بسقوط الإمبراطورية الرومانية. اليوم، تخاطر حكومته بإسقاطه.
جاء التراجع في حظوظ جونسون سريعاً ودراماتيكياً. وعلى امتداد أسابيع، بثت وسائل الإعلام روايات عن انتهاك جونسون لفترة الإغلاق: فقد شارك في حفلة في حديقة، وحفلة عيد ميلاد، وحفلة وداع لموظفين. وتراجعت معدلات شعبية جونسون، وهدَّد المشرعون من حزب المحافظين بإطاحته. بعد ذلك، تدخلت الشرطة في الأمر، وفتحت تحقيقاً فيما إذا كان رئيس الوزراء قد خالف القوانين التي وضعها هو بنفسه.
وتكشَّف حجم التحدي الذي يواجه جونسون، وخلص تحقيق أجرته سو غراي، موظفة حكومية رفيعة المستوى تتمتع بسمعة طيبة في مجال التحقيقات، إلى أن: “إخفاقات على صعيدي القيادة وإصدار الأحكام” تقف وراء التجمعات، التي “كان عدد منها لا ينبغي السماح بحدوثه”. وذكرت أن الشرطة تجري تحقيقاً حول 12 من هذه التجمعات.
من جهته، تعهّد جونسون أمام البرلمان بقوله: “سأصلح الأمر”، لكنه قوبل بسخرية شديدة ودعوات للاستقالة. اليوم، يبدو موقفه محفوفاً بالمخاطر، ذلك أنه إذا أرسل 54 مشرعاً من المحافظين طلبات لسحب الثقة إلى مسؤولي الحزب، في تحدٍّ صريح لقيادة جونسون، سيجري حينها تلقائياً عقد اقتراع سرّي. في هذه الحال، سيصبح مصير رئيس الوزراء في أيدي زملائه.
وسواء جرى إسقاط جونسون أو منحه إرجاء التنفيذ، فإن الأسابيع القليلة الماضية ترقى إلى مرتبة السقوط الواضح. منذ أكثر من عامين بقليل، قاد جونسون حزب المحافظين نحو نصر انتخابي مدوٍّ وجلس على رأس أغلبية تتألف من 80 مقعداً. وظهرت أحاديث حول استمرار جونسون عقد من الزمان في السلطة. الآن، وبعد أن مُنيت سلطته بجروح بالغة، أصبحت فترة ولايته معلقة بخيط رفيع.
ويقف وراء المكائد التي تدور داخل ويستمنستر، غضب شعبي هائل. الواضح أن الغضب والسخط يسيطران على المزاج الوطني، وتكشف استطلاعات الرأي أن ما يقرب من ثلثي البلاد يرغبون في استقالة جونسون. ويبدو أن البريطانيين، الذين اعتادوا لفترة طويلة على فضائح جونسون، قد فاض بهم الكيل إزاء فكرة الاحتفال خلال أسوأ أيام الجائحة.
وتحمل التفاصيل ما يكفي لإدانة رئيس الوزراء البريطاني. على سبيل المثال، أرسل مسؤول تولى تنظيم أحد التجمعات، وهو أحد مساعدي جونسون، بريداً إلكترونياً إلى 100 مسؤول يدعوهم إلى “إحضار الزجاجة الخاصة بك” و”الاستفادة القصوى من الطقس الجميل” في الحديقة داخل “10 داونينغ ستريت”، المقر الرسمي لرئيس الوزراء. كان ذلك في 20 مايو (أيار) 2020. في وقت كانت فيه بريطانيا قد مرّت بشهرين على إغلاق وطنيّ عقابيّ، سمح للناس برؤية أفراد العائلة والأصدقاء واحداً واحداً فقط في الحدائق العامة.
في تجمعات أخرى، وبعد ما يقرب من العام، جرى إرسال أحد المسؤولين لملء حقيبة بزجاجات النبيذ، بينما أقام آخرون كشكاً موسيقياً لـ”دي جيه”. في قبو مقر الحكومة في “داونينغ ستريت”.
بحلول ذلك الوقت، تحديداً 16 أبريل (نيسان) 2021، كانت بريطانيا قد سجلت أكثر من 150 ألف وفاة بسبب فيروس “كورونا”. في اليوم التالي، التزمت الملكة إليزابيث القواعد، وجلست بمفردها في جنازة زوجها الأمير فيليب.
ومع تكشف المزيد والمزيد من التفاصيل الصارخة، تراجعت شعبية حزب المحافظين باطّراد في استطلاعات الرأي، وتراجعت نسبة التأييد الشعبي لجونسون إلى 22%. وبالنسبة لشخص كان يحظى بشعبية واسعة من قبل، فإن هذا يشكل بالتأكيد تطوراً كارثياً.
المؤكد أن فقدان الجاذبية الشعبية أمر سيئ لأي زعيم ديمقراطي، لكن بالنسبة لجونسون، الذي اعتمد نجاحه في الفوز بقيادة حزب المحافظين على سحره الانتخابي، فإن هذا أمر كارثي بالتأكيد. اليوم، يبدو انتصار ديسمبر (كانون الأول) 2019 كأنه ينتمي لعصر بعيد مضى. وبعد عامين من الحكم الفوضوي الذي اتسم بزيادة الضرائب والتحولات المحرجة في مسارات السياسات المقررة وسوء التقدير السياسي، تسبب كل ذلك في تشكك الكثير من المشرّعين المحافظين في قدرة جونسون على قيادة الحزب نحو الفوز في انتخابات مستقبلية. وإذا لم يكن باستطاعة جونسون إنجاز ذلك، يرى هؤلاء المشرعون أنه لا فائدة إذن من بقائه.
ولسوء حظ جونسون، فقد خسر الدعم الذي كان يحظى به من مختلف أجنحة وأجيال حزبه. واللافت أن قطاعاً كبيراً من أولئك الذين جرى انتخابهم لأول مرة عام 2019 -والذين يَدينون بمقاعدهم لجونسون- أمضوا هذا الشهر في التآمر علناً ضده. ومن المعتقد أن نحو 20 من هؤلاء المشرعين بعثوا برسائل لسحب الثقة من جونسون. واحتشدت صفوف كبار أعضاء حزب المحافظين الذين ليس لديهم ما يخسرونه في وجه جونسون، ومن بين هؤلاء ديفيد ديفيز، الوزير السابق، الذي ناشد جونسون قائلاً: “أناشدك الله أن ترحل”.
في الواقع، كان الغضب يعتمل في النفوس منذ فترة. ولطالما انزعج المشرعون من نزعة جونسون العنيدة نحو المضيّ قدماً بمفرده، وعدم اهتمامه ببناء وحدة صفوف الحزب، إضافةً إلى الطريقة الفوضوية التي تجري بها إدارة حكومته. وأدت أخطاء كبرى وقع فيها جونسون، مثل رفض تقديم وجبات مجانية للتلاميذ خلال الإجازات المدرسية، إلى نفور بعض مؤيديه سابقاً داخل البرلمان عنه. وانتظر بعضهم طويلاً نيل مكافآت فوجئوا بأنها ذهبت نهاية الأمر إلى حلفائه منذ أمد طويل. وبحلول وقت تفجُّر أحدث فضائحه، كانت نفوس هؤلاء قد امتلأت بالتمرد.
من ناحيته، قضى جونسون الجزء الأكبر من الأسبوعين الماضيين في محاولة إقناع المشرعين المترددين من أعضاء حزبه بالوقوف إلى صفه. وسيضع تقرير غراي سالف الذكر، مثل هذا الدعم على المحكّ. وحتى لو تمكن جونسون من تجاوز العاصفة، فإن هذا لا يعني أن متاعبه قد انتهت، والمؤكد أن التحقيق الذي تُجريه شرطة العاصمة، والذي ربما يشمل إذلال رئيس الوزراء وموظفيه الذين سيجري استجوابهم كمشتبه بهم، سيضر بموقف رئيس الوزراء بشدة. وستعطي الانتخابات المحلية المقررة في مايو، الناخبين في البلاد فرصة للتعبير عن غضبهم.
بالعودة إلى نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، كان جونسون يفكر بصوت عالٍ بشأن سقوط روما، وقال: “عندما تبدأ الأمور في التردي، فإن هذا التردي قد يحدث بسرعة غير عادية”. المؤكد أنه حتى جونسون نفسه لم يكن مدركاً، حين تفوه بهذه الكلمات، مدى صدقها.