الرئيسة \  تقارير  \  نيويورك تايمز: الصين ليست أكبرَ تهديدٍ للنظام العالمي بل روسيا هي التهديد

نيويورك تايمز: الصين ليست أكبرَ تهديدٍ للنظام العالمي بل روسيا هي التهديد

04.06.2022
زكاري كارابيل


ترجمة: عبد الحميد فحام
بقلم: زكاري كارابيل
نداء بوست
الخميس 2/6/2022
كشف وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين في خطاب ألقاه يوم الخميس عن الخطوط العريضة التي طال انتظارها والتي تحدّد الموقف الرسمي لإدارة بايدن تجاه الصين.
وقال بلينكين: إنه ليست روسيا بقيادة فلاديمير بوتين، وإنما الصين هي التي تُمثّل التهديد الأقوى والأكثر إلحاحاً على النظام العالمي الذي تدعمه أمريكا.
وتابع أن الصين وحدها “لديها النيّة في إعادة تشكيل النظام الدولي” والقدرة على القيام بذلك. وعليه فإن الولايات المتحدة ستسعى إلى حشد تحالفات الدول الأخرى لمواجهة تحدّي بكين.
لقد كانت الأمور تنذر بذلك، فقبل أيام فقط، تعهّد الرئيس بايدن بالدفاع عن تايوان إذا تحرّكت الصين للاستيلاء على الجزيرة الخاضعة للحكم الديمقراطي، والتقى بالحلفاء الإقليميين، واقترحت إدارته خطة جديدة لمواجهة النفوذ الاقتصادي المتزايد للصين في آسيا.
لكن التركيز المتزايد على قدرة الصين على تعطيل النظام العالمي يُقلّص مساحة التعاون مع بكين ويصرف الانتباه عن التهديد الحقيقي في العالم وهو روسيا.
في عهد بوتين، هدمت روسيا العاصمة الشيشانية، غروزني، في عام 2000؛ غزت جورجيا في عام 2008؛ ضمّت شبه جزيرة القرم في عام 2014؛ واستخدمت سلاحها الجوّي عامَيْ 2015 و 2016 ضد معارضي نظام بشار الأسد.
لقد استخدم نظام بوتين الهجمات الإلكترونية، وقام بمعاملة المعارضين المحليين بوحشية أو قام باغتيالهم، كما أصدر قوانين تفرض عقوبات سجن قاسية على أي شخص يُسائل الدولة.
لقد شنّ غزواً وحشياً على أوكرانيا وألمح إلى احتمال استخدام أسلحة نوويّة. كما لم يكتفِ بالإعلان عن نيّته في إعادة رسم الحدود الدولية وإحياء شبح الاتحاد السوفياتي السابق؛ بل عمِل على ذلك.
إن إحباط المزيد من التصرفات الروسية الشريرة من خلال الحظر التجاري، ومنع إعادة إمداد جيش البلاد وإنشاء تحالف دولي ضد بوتين يتطلّب تعاونًا عالميًا، بما في ذلك الصين.
نحن بالطبع بحاجة إلى أن نكون واضحين بشأن الصين. إنها بلا شك خصم مُحتمل أقوى من روسيا في كلّ المقاييس – العسكرية والاقتصادية والأيديولوجية.
ويتبع الحزب الشيوعي، الخاضع لسيطرة شي جين بينغ، شكلاً من أشكال الرأسمالية التي ترعاها الدولة والتي تُلحِق الضرر بالشركات الأجنبية في سوق الصين وتؤسس أبطالاً قوميين أقوياء. إن الحزب فوق حكم القانون، ويتم قمع حرية التعبير والحقوق السياسية بقسوة. كما وقد تمّت إدانة معاملة الصين المروعة لأقلية الأويغور وقمعها للحقوق الأساسية في هونغ كونغ.
كما تُنفق الصين أيضًا على جيشها أكثر من أي دولة أخرى إلى جانب الولايات المتحدة، والتي تهدف إلى مواجهة التفوّق العسكري الأمريكي في شرق آسيا. ويتم التعبير عن القومية المتصاعدة في الإيمان بضرورة إعادة توحيد تايوان مع الامتداد البرّي لأرض الصين وأن بحر الصين الجنوبي هو بحيرة صينية.
لكن هذه القضايا لا تجعل من الصين بالضرورة تهديدًا للازدهار والأمن الأمريكي، إلّا إذا كنّا نصدّق كل كلمة معادية تأتي من المسؤولين الصينيين، وكل خطّة حرب يضعها جيشها، وحتمية “مصيدة ثيوسيديدس” – الفكرة القائلة أن الصين والولايات المتحدة تسيران حالياً على مسار تصادمي يؤذن بنشوب حرب بينهما. ولا يعني ذلك أيضًا أن أي دولة لا تلتزم بالمعايير الديمقراطية الليبرالية أنها تُشكّل تهديدًا ناشئًا للولايات المتحدة. لم تقم الولايات المتحدة مطلقًا بتأسيس سياستها الخارجية بالكامل على حقوق الإنسان، ولا ينبغي لها ذلك وهو الأمر الذي من شأنه أن يكون وصفة للتدخل اللانهائي والصراع على الصعيد العالمي. كما أن سياسة المعاقبة لما قد يحدث هي منحدر زلق بنفس القدر.
ينظر الحزب الشيوعي إلى الولايات المتحدة على أنها خصم. لكنه كان على استعداد للانخراط معها في علاقات وجهود دبلوماسية، ودافع مراراً وتكراراً عن حرمة حدود الدولة ولا يوفّر جهداً في تسوية المصالح الذاتية بشأن قضايا مثل التجارة وتغير المناخ. لقد كانت حدّة خطاب الحزب حول تايوان أقلّ من التهديد بالحرب ويبدو منضبطًا مقارنةً بالطريقة التي تعاملت بها الولايات المتحدة تاريخياً مع أمريكا اللاتينية.
من المؤكد أن المدافعين عن حرب باردة جديدة مع الصين سيتجاهلون هذه التأكيدات. سيقولون إن الصين تخلّت عن التزاماتها التجارية، وانتهكت اتفاقيات المناخ مرارًا وتكرارًا، واستخدمت التجسس لسرقة الملكية الفكرية، وتقوم ببناء جيش مصمم لإلحاق الضرر بالولايات المتحدة وحلفائها.
لكن من المنطقي أن تضع قوة عظمى ناشئة مثل الصين خططاً للدفاع عنها، بما في ذلك الصراع المحتمل مع الولايات المتحدة. ومن الجدير بالذكر أيضًا أن الصين مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالولايات المتحدة والاقتصاد العالمي.
فهي تمتلك أكثر من تريليون دولار من الديون الأمريكية في شكل سندات الخزانة الأمريكية، وتستفيد من الأثر التراكمي للاستثمار الأمريكي في الصين وتحتاج إلى الوصول إلى الأسواق الخارجية. كل هذه الحقائق تشكل سلوكها بقدر احتمالية المواجهة المستقبلية مع الولايات المتحدة. على النقيض من ذلك، فإن روسيا مُقيّدة فقط بالمدى الذي يرغب به بوتين.
بدلاً من تصوير الصين على أنها العدو الأكبر التالي لنا، فإن الأمن الأمريكي يمكن أن يخدم بشكل أفضل من خلال إدراك أن سلوك روسيا يسلّط الضوء فقط على الطرق التي تظلّ بها الصين والولايات المتحدة مرتبطتين ببعضهما البعض على الرغم من التوتّرات بينهما. يجب علينا رعاية هذه العلاقات بدلاً من تعريضها للخطر، والتي تُعتبر ضرورية لكِلا البلدين للبقاء مزدهرين ومستقرين وآمنين. يجب أيضاً ألا نسمح لكراهية النظام المحلي الصيني أن تكون أساساً للاشتباك مع دولة تأتي مركزيتها في النظام العالمي في المرتبة الثانية بعد نظامنا.
نادراً ما يكون من الحكمة مواجهة خصمين في وقت واحد.
يجب على بايدن إيجاد طرق جديدة للعمل مع الصين، بدلاً من محاولة إجبارها على أن تكون مختلفة. يجب أن يتخذ خطوات جريئة لتخفيف حدّة الخطاب، مثل رفع الرسوم الجمركية التي فُرِضت في عهد ترامب على السلع الصينية مقابل دعم بكين المنخفض لبوتين. وإلّا فإنه سيفوّت فرصة أن يكون رئيساً إستراتيجياً ذكياً بدلاً من أن يقاتل الصين في كل منعطف.