الرئيسة \  تقارير  \  نيويورك تايمز: تشارلز في دائرة الضوء

نيويورك تايمز: تشارلز في دائرة الضوء

14.09.2022
مورين دوود


مورين دوود
الشرق الاوسط
الثلاثاء 13/9/2022
عاش الملك تشارلز طيلة حياته في ظل نساء تمتعن بقوة نجومية أكبر منه.
في البداية، كانت والدته الملكة. وبعد ذلك، زوجته الأولى الأميرة ديانا، ثم في السنوات الأخيرة ميغان ماركل، مع انفصالها عن قصر باكنغهام ومقابلتها المثيرة مع أوبرا وينفري التي زعمت خلالها وجود عنصرية داخل العائلة المالكة.
ومع تركز الأضواء على النساء من حوله، أمضى أمير ويلز عقوداً في البحث عن نفسه، وإثبات أنه ليس مجرد قطعة ديكور، ولا يريد حياة لا يملأها سوى لعب “البولو” وقطع الشرائط الافتتاحية.
لقد عاينت هذه الديناميكية عن قرب، في زيارة عام 1985 للأمير تشارلز والأميرة ديانا إلى واشنطن، بعد أربع سنوات من زواجهما. وجلبا معهما سبعة آلاف رطل من الأمتعة.
من الصعب تذكر ذلك، ولكن في الأماكن العامة، بدا أنهما سعيدان برفقة بعضهما مع بعض في ذلك الوقت، مع الابتسامات والغمزات وتبادل المزاح.
وبدا تشارلز ساحراً ومتواضعاً، وتحدث إلى المشرعين وأصحاب الرأي حول كل شيء، من الهندسة المعمارية إلى العمل التلفزيوني الشهير “ديناستي”.
وكان شخصاً سلساً للغاية؛ لدرجة أن الآخرين قارنوه بكاري غرانت. وحتى مراسلو الصحف البريطانية الشعبية كانوا في حيرة من أمرهم لعجزهم عن التوصل إلى أي نقطة سلبية لتغطيتها. وقال جيمس ويتيكر الذي كان معنياً بالشؤون الملكية آنذاك لدى صحيفة “ديلي ميرور”: “أعتقد أنه بدد بنفسه خرافة أنه شخص جبان”.
إلا أنه مع استمرار الزيارة، بدأت الأنظار تلتفت نحو ديانا. وإذا كان أفراد العائلة المالكة آخر نجوم السينما الصامتين العظماء، فقد ظهرت ديانا بمثابة غريتا غاربو. في الواقع، نادراً ما تحدثت ديانا في العلن، ولم تكن مضطرة لفعل ذلك. وتميزت ديانا بنظرتها المميزة عندما كانت تخفي عينيها اللتين تحملان زرقة السماء تحت جفنيها وقبعتها، في نظرة خجولة ورائعة.
بدت ديانا وكأنها تستمتع بقدرتها على لفت الانتباه دونما كلام. وبدا أن تشارلز يتعامل مع الأمر على نحو جيد؛ لكنني تساءلت: كيف ستنجح العلاقة على المدى الطويل؟ (لم تنجح).
جاءت ذروة الرحلة عندما لعبت نانسي ريغان دور العرابة الخيالية لسندريلا في عشاء بالبيت الأبيض. ارتدت ديانا ثوباً مخملياً أزرق منتصف الليل، وقلادة من اللؤلؤ والياقوت. وعندما بدأت الأميرة في النقر بأصابعها على المنضدة وقدميها على الأرض مع نغمات الموسيقى، قادت السيدة ريغان شريك ديانا في الرقص: جون ترافولتا. كانت فرقة مشاة البحرية تعزف أغنية “نايت فيفر”، ودار على أنغامها الثنائي الفاتن.
وعلَّق ترافولتا على الأمر في وقت لاحق بقوله: “إنها تتحرك بشكل رائع”.
كانت ديانا مبتهجة. إن أحداً لم يلاحظ ما إذا كان تشارلز يقضي وقتاً ممتعاً.
من جانبي، نشأت في أسرة آيرلندية عاشت قيد مرارة الاضطهاد البريطاني. وتبدو الملكية في بريطانيا وكأنها بقايا باهظة الثمن بالنسبة لي، وأعتقد أن الملك تشارلز الذي جلس على العرش أخيراً في سن الـ73، سيكافح في مواجهة مستعمرات سابقة ربما تفكر في إسقاطه كرأس للدولة.
ولطالما نظرت إلى الملكة إليزابيث باعتبارها تجسيداً للاستعمار، إلا أنه مع مرور الوقت، بدأ يخالجني شعور بالإعجاب تجاهها، بفضل صمودها ورباطة جأشها.
بعد ذلك، عام 2011، توليتُ تغطية رحلتها المشحونة إلى آيرلندا الشمالية، الأولى من نوعها لعاهل بريطاني منذ قرن. وفجأة أدركت كيف يمكن لحركة صغيرة في رأسها أن تهدئ أكثر من 800 عام من إراقة الدماء والكراهية.
كان الآيرلنديون متشككين في البداية، ولم يرغبوا في أن يجري التعامل معهم كرعايا. وشكا السياسي الآيرلندي جيري آدامز من أن الزيارة كانت مبكرة للغاية. (ربما كان يرى أنه من الواجب الانتظار لقرن آخر). كان حراس الملكة متشككين أيضاً. وأحيطت الملكة بأشد إجراءات الأمن على الإطلاق في تاريخ الجزيرة.
كيف أمكن للملكة إليزابيث تجاوز جريمة قتل ابن عمها اللورد مونتباتن وحفيده البالغ من العمر 14 عاماً، عام 1979، على يد الجيش الجمهوري الآيرلندي؟ خصوصاً أن بعض المسؤولين في الحكومة الآيرلندية كانوا أعضاء سابقين في الجيش الجمهوري الآيرلندي.
وكيف استطاع الآيرلنديون تجاوز رعب يوم الأحد الدامي عام 1972، عندما قتلت القوات البريطانية 14 مدنياً بريئاً بالرصاص؟
تحدثت الملكة جملة بلغة غيلية مثالية، وأعربت عن أسفها بشأن الطريقة التي جعلت بها بريطانيا آيرلندا تعاني. وقالت إن كلا الجانبين يجب أن يكونا “قادرين على الانحناء أمام الماضي من دون التقيد به”.
وزارت الملكة “حديقة الذكرى”، وهي نصب تذكاري للوطنيين الآيرلنديين الذين ماتوا وهم يقاتلون من أجل الاستقلال، ووضعت إكليلاً من الزهور وحنت رأسها. وأبدت تقديرها لآيرلندا من خلال ارتداء دبوس زينة على شكل قيثارة آيرلندية مصنوعة من كريستالات سواروفسكي.
وخلال الزيارة، أظهرت الملكة كل التعاطف والدفء الذي لم تتمكن من استدعائه عندما ماتت ديانا. وبحلول نهاية الزيارة، كانت قلوب الآيرلنديين قد ذابت. وأطلق البعض على إليزابيث: “الأم السخية”، و”ليز”؛ بل ولوّح البعض بأعلام الاتحاد. ومنحها حرس الشرف الآيرلندي لقب غيلي هو “إيليس آ دو” ويعني إليزابيث الثانية.
والآن، فإن النساء اللائي لطالما طغين بتألقهن على تشارلز قد رحلن. وسنرى الآن ما يمكن للملك الجديد عمله في الوقت الذي يخطو فيه نحو دائرة الضوء التي أصبحت ملكه بالكامل.
* خدمة “نيويورك تايمز”