الرئيسة \  تقارير  \  “نيويورك تايمز” :لماذا اتجه بوتين مباشرة للتهديد النووي؟

“نيويورك تايمز” :لماذا اتجه بوتين مباشرة للتهديد النووي؟

06.04.2022
ستيفن سايمون & جوناثان ستيفنسون


ستيفن سايمون وجوناثان ستيفنسون
الشرق الاوسط
الثلاثاء  5/4/2022
قال الرئيس فلاديمير بوتين إن أي شخص “يحاول الوقوف في طريقنا” سيواجه عواقب “لم يرها في تاريخه كله”. وأمر وزير دفاعه بوضع القوات النووية الروسية في حالة تأهب. ربما كان ذلك ضمنياً؛ لكن التهديد كان واضحاً.
ورداً على تهديد الرئيس بوتين، كرر الرئيس بايدن ومستشاروه مراراً أن الولايات المتحدة ممنوعة من التصرف بطرق قد تجعل القوات الأميركية أو قوات “الناتو” الأخرى على اتصال مع القوات الروسية. وقال بايدن نفسه: “لن نخوض الحرب العالمية الثالثة في أوكرانيا”.
قدم بوتين للاستراتيجيين موقفاً لم يواجهوه: فاعل يستخدم تهديد الأسلحة النووية للاجتياح بدلاً من بقاء النظام؛ وبقاء النظام هو السبب الرئيسي لدول مثل إيران وكوريا الشمالية لبناء أو نشر أسلحة نووية.
في المقابل، فإن موقف الولايات المتحدة المتسم بضبط النفس فيما يتعلق بأوكرانيا، قد يضر بموقفها في أماكن أخرى. على سبيل المثال، قد يجري التراجع عن اتفاقية نووية مع إيران، والتي تبدو في متناول اليد، إذا استنتجت إيران وإسرائيل من موقف واشنطن أن القوى العظمى ستمتنع عن ممارسة القدرات العسكرية التقليدية، عندما تكون بحوزة خصومهم أسلحة نووية، أو إذا كانت إيران تقوم بحسابات صحيحة أم لا؛ أن إسرائيل ستمتنع عن مقاومة التوقعات الإقليمية لإيران المسلحة نووياً للقوة التقليدية.
خلال الحرب الباردة، طورت الولايات المتحدة وحلفاؤها – تحديداً من خلال “ناتو” - إطار عمل للردع التقليدي والنووي. في الستينات من القرن الماضي، ابتكر هيرمان كان، أحد كبار المفكرين الأميركيين في الاستراتيجيات النووية: “سلم تصعيد” حدد مستويات معينة من التوسع العسكري. كان المفتاح هو الحفاظ على القدرة على ردع العدو على كل المستويات، من خلال التفوق العسكري المتصور.
ما يخشاه بوتين على الأرجح هو التفوق العسكري التقليدي للولايات المتحدة و”ناتو” في جميع مستويات الحرب، باستثناء المستوى النووي. ومن ثم فإن تهديده النووي السابق لأوانه يبدو أنه يستبعد حتى الخيارات العسكرية المحدودة لحلف شمال الأطلسي.
كمسألة عقيدة، لدى روسيا عدة اشتراطات للاستخدام النووي، أربعة منها أعلن عنها مؤخراً ديمتري ميدفيديف، نائب رئيس مجلس الأمن في البلاد: إطلاق سلاح نووي ضد روسيا؛ أو أن يستخدم هذا السلاح ضد حلفائها؛ أو هجوم فعلي أو وشيك على البنية التحتية الحيوية لتعطيل القوات النووية الرادعة لروسيا؛ أو شن عدوان عسكري من أي نوع على روسيا أو حلفائها، من شأنه أن يعرض وجود الدولة الروسية للخطر.
من المحتمل أن تتضمن هذه السيناريوهات انتقاماً استراتيجياً ضد مدن العدو أو الأصول النووية، من أسلحة عالية القوة تُطلق من مسافات طويلة.
شأن الولايات المتحدة، تمتلك روسيا بالتأكيد أسلحة نووية تكتيكية، تتمتع بقوة أقل بشكل كبير، ولكن يمكن أن ينتج عن كل منها انفجار يصل إلى 10 كيلو طن، وربما يصل إلى 50 كيلو طن من مادة “تي إن تي” (قنبلة هيروشيما كانت حوالي 15 كيلو طن) وستغطي ساحات قتالية قصيرة نسبياً. وبحسب ما ورد، فإنها تعمل على تكديس مخزونها من هذه الأسلحة.
عند إصدار التهديد النووي، أثار بوتين ضمنياً مبدأ يُعرف باسم “التصعيد بهدف خفض التصعيد”، والذي بموجبه تستخدم القوات الروسية الأسلحة النووية التكتيكية المنخفضة القوة في أوروبا، لاستباق الإجراءات التقليدية الواسعة النطاق من قبل “ناتو”. المبدأ لا يتناسب مع أي من السيناريوهات العقائدية المذكورة أعلاه؛ لكنه يتفق مع قدرات موسكو.
تعمل الأسلحة النووية التكتيكية على زعزعة استقرار توازن الردع الدقيق. فهي تقلل الحاجز أمام الاستخدام النووي، وتطمس الحدود بين الحرب التقليدية والنووية. ومن المرجح أيضاً أن يضفي التهديد النووي الروسي زخماً إضافياً على الجانب الأكثر إثارة للقلق في خطط التحديث النووي الأميركية، مع تركيز خاص على الأسلحة النووية التكتيكية. وللتخلي عن مخاوف إدارة أوباما بشأن هذه الأسلحة، بسبب آثارها المزعزعة للاستقرار، أفضت مراجعة الموقف النووي لإدارة ترمب إلى تطويرها، رداً على احتمال حدوث عدوان محلي محدود؛ إلى حد ما رداً على تلميحات روسية بأنها ستستخدم الأسلحة استباقياً.
إذا ضاعفت الولايات المتحدة من استخدام قوتها من الأسلحة النووية التكتيكية، رداً على تهديد روسيا، فإنها ستعيد العالم إلى حالة من الرهبة النووية، على غرار ما شهده في أوائل الثمانينات. وبدلاً من ذلك، يجب على الولايات المتحدة إعادة تأكيد الثقة بالردع التقليدي من خلال تأكيد التزامها إطاراً محدداً.
قد يبدأ الجهد بدحض رواية الرئيس بوتين، والتي تتضمن فكرة أن اجتياح أوكرانيا قد تم بهدف استباق عدوان “ناتو” ضد روسيا من أوكرانيا. ومن الواضح أن موقف حلف “ناتو” دفاعي؛ حيث يتضمن عمليات نشر صغيرة ذات مواقع أمامية تعمل بشكل أساسي كحجر عثرة وقوة احتياطية متعددة الجنسيات، من أجل التعزيز السريع للحفاظ على الصف.
يشير مثل هذا الحديث إلى أن الولايات المتحدة و”ناتو” لا يؤمنان بردع الحلف، ويقران اقتراح بوتين بأن أي مستوى من دعم “ناتو” لأوكرانيا من شأنه أن يخاطر بحرب نووية. يشير سلوك بوتين نفسه إلى أن هذا ليس صحيحاً؛ حيث رسم بوتين خطوطه الحمراء التي مفادها: لا تدخل في محاولة روسيا الهيمنة على أوكرانيا ولا قوافل أسلحة. ورغم ذلك، تجاوزت الولايات المتحدة و”ناتو” كلا الخطين الأحمرين من دون مواجهة رد روسي.
بسبب مقاومة القوات الأوكرانية والدعم الغربي الواسع لأوكرانيا، قد تهدأ روسيا من الاجتياح العسكري، وتفكر في حل سياسي تفاوضي. لا يزال هناك ما يبرر الحذر؛ إذ لا تزال حدود بوتين الحقيقية غير واضحة. ويتعين على الولايات المتحدة الاستمرار في إرسال المعدات العسكرية لأوكرانيا، وخصوصاً الأنظمة المضادة للطائرات والذخائر المضادة للدبابات.
في الوقت نفسه، يجب على الولايات المتحدة وحلفائها الاستمرار في تعزيز الاستعداد التقليدي لحلف “ناتو” للرد على العدوان الروسي ضد أحد أعضاء “ناتو” أو على أراضي “ناتو”، سواء كان ذلك نتيجة لقرار متعمد أو امتداد العمليات في أوكرانيا. الرسالة إلى بوتين هي أن الولايات المتحدة و”ناتو” يرفضان رفضاً قاطعاً محاولته هدم بنية الردع.
* زميل في معهد “ماساتشوستس للتكنولوجيا” ومحلل في معهد “كوينسي لفن الحكم المسؤول”
* زميل المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية والمحرر الإداري
لمجلة “Survival
* خدمة “نيويورك تايمز”