الرئيسة \  تقارير  \  “نيويورك تايمز” :هل سقط بوتين في فخ من صنع يديه؟

“نيويورك تايمز” :هل سقط بوتين في فخ من صنع يديه؟

02.02.2022
يوليا لاتينينا

                    
الثلاثاء 1/2/2022
يجري السؤال على ألسنة الجميع: هل يخوض الرئيس فلاديمير بوتين، حرباً ضد أوكرانيا؟
إذا حكمنا على الأمر من خلال آلة الدعاية الروسية، التي يعلن من خلالها أباطرة وسائل الإعلام توقعهم إحراز النصر “في غضون 48 ساعة”، فإن الإجابة نعم قاطعة.
ومع ذلك، تبقى الحقيقة أشد تعقيداً. وبينما ينظر بوتين دونما شك إلى أوكرانيا باعتبارها أكثر قليلاً من مقاطعة روسية، حسبما جادل في أطروحة تاريخية زائفة مطولة في يوليو (تموز)، ليس من الواضح أن هدفه كان الحرب. الحقيقة أن الصراع المباشر - على عكس عمليات الانقضاض المفاجئة أو العمليات السرية أو الحرب المختلطة - ليس الأسلوب المفضل لدى بوتين. وعليه، من المحتمل أن تكون مسألة زيادة القوات في نوفمبر (تشرين الثاني) محاولة منه لإجبار الغرب على التخلي عن أي مطالبات بشأن أوكرانيا، الأمر الذي سيكون بمثابة انتصار عظيم على صعيد العلاقات العامة بأقل تكلفة.
إلا أن الغرب من ناحيته قرر أن يتحداه، وشهد الأسبوع الماضي على وجه الخصوص اتباع الولايات المتحدة وحلف “الناتو” لنبرة أكثر حدة على نحو واضح لدى الحديث عن روسيا - والأهم عن ذلك، أنهما أرسلا معدات عسكرية عبر أوروبا الشرقية، ووضعا قواتهما قيد التأهب. إذن، الرسالة واضحة: إذا لم يهدأ التصعيد من جانب روسيا، فإن الغرب لن يفعل ذلك هو الآخر.
وبذلك نجد أنه بدلاً عن محاصرة الولايات المتحدة، حاصر بوتين نفسه. اليوم، يجد بوتين نفسه عالقاً بين التورط في نزاع مسلح أو التراجع المهين. ويعاين بوتين الآن انحساراً في المساحة المتاحة أمامه للمناورة. وبمقدوره اليوم الإقدام على غزو أوكرانيا والمجازفة بالهزيمة، أو التراجع وعدم الخروج بأي مكسب من أسلوبه المتهور في التعامل مع هذه الأزمة. حتى الآن، لا يبدو واضحاً ما سيحدث الفترة المقبلة، لكن يبقى هناك أمر واحد واضح: مقامرة بوتين فشلت.
ربما لا يبدو واضحاً أن الكرملين، الذي حشد باطراد أكثر من 100.000 جندي على الحدود الأوكرانية منذ نوفمبر، لم يكن يهدف حقيقة الأمر إلى الحرب. ومع ذلك، تبقى هناك أسباب كثيرة تدعو للاعتقاد بأن روسيا ستتراجع عن فكرة الغزو، منها أن بوتين - الذي لاحظت حذره الفطري عن قرب طوال عقدين من الزمن - لديه سجل في الانسحاب عند أول بادرة صراع حقيقي. عندما قتلت القوات الأميركية المرتزقة الروس في سوريا عام 2018، على سبيل المثال، كانت لديه فرصة مثالية للرد. إلا أنه بدلاً عن ذلك، نفت روسيا وقوع المذبحة من الأساس.
وبالمثل، عندما ضربت طائرات تركية من دون طيار المرتزقة والمعدات الروسية في ليبيا وسوريا، لم تعترف روسيا بالأمر. في الواقع، يبدو أن بوتين كان مدركاً تماماً لقوة تركيا لدرجة أنه لم يجرؤ على الانضمام إلى أرمينيا عندما تعرضت أراضيها، في سبتمبر (أيلول) 2020، للهجوم من قبل أذربيجان المدعومة من تركيا. وبعد إرسال قواته إلى كازاخستان لأجل غير مسمى، بدأ بوتين في سحبها بعد وقت قصير للغاية من تلقي وزير الخارجية الروسي مكالمة من نظيره الصيني.
من الواضح أن العمليات العسكرية الروسية الكبرى الناجحة في عهد بوتين - هزيمة جورجيا عام 2008 وضم شبه جزيرة القرم عام 2014 - حدثت في وقت كانت أنظار الغرب متجهة نحو الاتجاه الآخر. في كلتا الحالتين، أخذ العالم على حين غرة، ووجدت روسيا أن في مقدورها إنجاز مخططاتها من دون مواجهة معارضة دولية مسلحة. بيد أن الحال تبدلت الآن.
علاوة على ذلك، لا توجد أسباب داخلية تستدعي خوض الحرب، فرغم تراجع شعبية بوتين وارتفاع الأسعار، لا توجد اضطرابات داخلية كبرى، وفي الوقت ذاته لم يتبق سوى عامين على الانتخابات. وعليه، فإن بوتين ليس بحاجة إلى مغامرة توسعية لدعم حكمه أو إلهاء الشعب عن مشكلاته. الحرب زر أحمر كبير يمكن الضغط عليه مرة واحدة فقط. والآن، ليست ثمة حاجة لذلك.
ويبقى هناك سبب رئيسي يكمن في أن روسيا ليست واثقة بإحراز النصر. جدير بالذكر هنا أن الجيش الأوكراني تحسن كثيراً، خصوصاً بعد رفع مستوى معداته واستعداداته لمواجهة غزو بري. ويميل الاحتمال الأكبر لأن القوات الروسية المنتشرة بالقرب من الحدود غير كافية لغزو البلاد. وبفضل حجمه الضخم، ربما يتمكن الجيش الروسي من المضي قدماً: فالكمية لها مميزاتها الخاصة، كما ذكر ستالين. لكن المؤكد أن ذلك سيأتي على حساب خسائر فادحة في الأرواح.
والتساؤل الذي يفرض نفسه هنا: إذا لم تكن لدى بوتين نية تذكر للغزو، فلماذا رفع مستوى المخاطر إلى هذه الدرجة؟ الجواب بسيط: أفغانستان. كان الانسحاب الكارثي للغرب من البلاد في أغسطس (آب) مؤشراً على تراجع شهية الولايات المتحدة تجاه التورط في الخارج. وبعد أن تشجع بوتين، قرر بوضوح أن الوقت مناسب للضغط من أجل مطالبه بمراجعة النظام العالمي ما بعد الحرب الباردة. ونظراً لافتقاره إلى أوراق المساومة المعتادة - لا اقتصاد صحي، ولا أتباع متعصبون - لجأ بوتين للاعتماد على فكرة صعوبة التنبؤ بتصرفاته. ورأى بوتين أنه كلما زاد سلوكه اللاعقلاني، تنامت احتمالات رضوخ الولايات المتحدة لمطالبه.
اللافت أن هذه المطالب، التي نشرت في ديسمبر (كانون الأول)، جاءت سخيفة في معظمها، مثل دعوة “الناتو” لسحب قواته من أراضي الدول الأعضاء به أوروبا الشرقية - مطلب لن يقبل أبداً. أما الطلب الأساسي، الذي يتعلق برفض “الناتو” منح عضويته لأوكرانيا، فكان سخيفاً على نحو مختلف، ذلك أنه لم تكن هناك احتمالية من الأساس لأن تنضم أوكرانيا لعضوية الحلف في أي وقت قريب، سواء صدر إنذار من موسكو بهذا الشأن أم لم يصدر. ومع ذلك، رأى بوتين أنه من خلال مطالبته بأمر يحدث بالفعل، يمكنه ادعاء إحرازه انتصاراً في مواجهة الغرب.
إلا أنه بدلاً عن الرضوخ، تحركت الولايات المتحدة في الاتجاه الآخر وبدأت في تسليح أوكرانيا. وأوضح وزير الخارجية أنتوني بلينكن، أنه لن تكون هناك تنازلات. وعليه، أصبح بوتين عالقاً.
الواضح أن الخيارات التي يحظى بها بوتين هنا محدودة. يمكن أن يطالب بوتين الغرب بوقف إمداداته العسكرية. وربما ينفس عن إحباطاته بصب جام غضبه على المعارضة، في الوقت الذي يسعى إلى تصوير روسيا على أنها ضحية للغرب الشرير. أو يمكنه اختبار الوضع بعمل استفزازي يمكنه إنكار مسؤوليته عنه يرتكبه مواطنون روس مفترضون، من أمثال أولئك الذين أطلق عليهم بوتين ذات مرة اسم “عمال مناجم الفحم وسائقي الجرارات”. قد تكون أي من الخيارات السابقة سبيلاً سهلاً لحفظ ماء الوجه، لكن قد يخرج عن نطاق السيطرة بسهولة. وعليه، تبقى هناك مخاطر هائلة لاشتعال حرب صريحة.