الرئيسة \  تقارير  \  نيويورك تايمز : الشرق الأوسط ورمضان هذا العام: تقشف وفقر وارتفاع أسعار

نيويورك تايمز : الشرق الأوسط ورمضان هذا العام: تقشف وفقر وارتفاع أسعار

29.03.2022
فيفيان يي


فيفيان يي
ترجمة وتحرير: نون بوست
الاثنين 28/3/2022
أفادت صحيفة "نيويورك تايمز" بأن أسعار المواد الغذائيّة قد ارتفعت في القاهرة في كل المحال التجاريّة التي ذهبت إليها سعاد عمر، لذا اتجهت نحو سوق مدعوم من الحكومة وتحمل معها القليل من الأمل؛ حيث تصدح مكبرات الصوت بوعود توفير المواد الأساسيّة بسعر رخيص لشهر رمضان.
وبينما كانت تتفحص علب التمر، وهو ما يُفطر عليه المصريون أثناء شهر الصيام، سألت أحدهم عن السعر؛ حيث كان سعره 20 جنيه وهو ما يُعادل أكثر من دولار، وهو السعر الذي تخطى سعر التمر في العام الماضي، وحاله في ذلك حال المواد الأخرى.
وتقول السيدة سعاد، 43 عامًا، "اتركه مكانه"، حيث تعرف سعاد - الأم لثلاثة أطفال - أنَّه لن يكون على سفرة رمضان إلا القليل من اللحم ولن يكون هناك لحم الإوز، وأضافت سعاد "نحن نشتري ونشتري ونشتري ونصرف ونصرف ونصرف".
وسيحل رمضان خلال أسبوع وهو الشهر الذي ينتظره الناس في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ليجتمعوا بالأهل والأصحاب، ويرتدوا ملابسهم الجديدة ويقيموا الولائم التي تبدأ مع غروب الشمس حتى وقتٍ متأخرٍ من الليل، لكن هذه السنة سيكون الأمر مختلفًا، حيث ارتفعت أسعار المواد الغذائيّة الأساسيّة كالزيت والسكر والدقيق والأرز جراء تعطُّل سلاسل التوريد عالميًّا والحرب بين روسيا وأوكرانيا التي تصدر الكثير من المنتجات الأساسيّة والأغذية بما فيها القمح والأسمدة والغاز.
ويهدد الواقع الحاصل ميزانيات المنازل والحكومات على حدٍ سواء في البلدان التي ليس لديها ما تدخره مما يزيد من احتمال حصول انتفاضات شعبية واسعة لم يُرى لها مثيل منذ تظاهرات الربيع العربي في العقد الماضي، والتي كان واحدًا من أسبابها الارتفاع الفاحش في أسعار الغذاء.
فبينما أضنى الجفاف الاقتصاد المغربي، كانت الحكومة التونسية الغارقة في الديون بالكاد تدفع أسعار ما تستورده من القمح قبل اندلاع الحرب، وبينما يهتز لبنان من الانهيار الاقتصادي، فإن سوريا التي أنهكتها الحرب والفقر المتزايد تواجه ارتفاعًا في أسعار الشاي والتمور يصل إلى ضعفين أو ثلاثة أضعاف منذ رمضان الماضي حسبما أفاده سكان دمشق.
وفي مصر بدأت مقاطع الفيديو التي يشتكي فيها الناس من أسعار المواد الغذائيّة تنتشر على منصات التواصل الاجتماعي انتشارًا ساحقًا تحت هاشتاغ "ثورة الجياع"، مما أجبر الحكومة على اتخاذ إجراءات سريعة للتخفيف من وطأة المشكلة.
وأعلنت مصر يوم الأربعاء بدء المحادثات مع صندوق النقد الدولي حول حزمة مساعدات ماليّة جديدة؛ هي الثالثة خلال ست سنوات، وأشارت في بيانها إلى أنَّ الصدمة التي أحدثتها الحرب الأوكرانية قد رفعت الأسعار إلى مستويات "غير مسبوقة" مما جعل المستثمرين الأجانب يلوذون بالفرار.
وجاء هذا التصريح عقب مجموعة من الإجراءات الأخرى التي هدفت إلى تحقيق استقرار اقتصادي والتخفيف من حدة معاناة المواطنين، بما في ذلك وضع حد أقصى لأسعار الخبز غير المدعوم، وإضافة المزيد من المصريين إلى قوائم الرعاية الاجتماعية والسماح للجنيه المصري بخفض قيمته مقابل الدولار ورفع أسعار الفائدة وتسريع المعاشات التقاعدية ودفع رواتب موظفي الحكومة.
وأعربت سيلين ألارد، مديرة صندوق النقد الدولي في مصر، عن استعدادها للمساعدة، حيث قالت في بيان لها: "تفرض البيئة العالمية المتغيرة سريعًا والآثار غير المباشرة المتعلقة بالحرب في أوكرانيا تحديات أساسيّة للبلدان في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك مصر".
إلا أنه لا يمكن وصول المساعدات في غضون فترة قصيرة للبلد الذي يعيش فيه ثلثي السكان تحت خط الفقر؛ أي على أقل دولارين في اليوم.
وقال هشام علي، البالغ من العمر 62 سنة، والذي يعمل في "كشك" للفواكه ضمن حي العباسيّة في القاهرة الذي تقطنه الطبقة الوسطى: "لا أحد يشتري لأن الناس تخاف من ارتفاع الأسعار، ولا توجد نقود"، ولم يَلُمْ هشام زبائنه؛ حيث قال إنه بالكاد يُطعم أطفاله الفاكهة بما أنَّ مرتبه أقل من 6 دولارات في اليوم.
وقال مصريون ميسورون إنهم لن يدخروا أي أموال هذا العام أو سيتخطون شراء ملابس جديدة، وهو ما يوضح تراجع أحوال الناس، وهو ما يشبه أن يستغني أحدهم عن شراء الهدايا في عيد الميلاد.
على عكس أشهر رمضان السابقة، قال السيد علي: "لا يوجد شيء الآن يجعلك تشعر بأن شيئًا جيدًأ سيحدث".
وحظرت عدة دول تصدير محاصيل معينة في محاولة منها لإبقاء الأسعار منخفضة داخليًّا.
ومنعت مصر، التي تُعد أكبر مستورد للقمح في العالم، المزارعين من تصدير القمح وقدَّمت لهم حوافز لزراعة المزيد، حتى في الوقت الذي تفكر فيه في إصلاح برنامج دعم الخبز – شريان الحياة لملايين المواطنين لعقود – من أجل توفير المال، كما يعتمد الناس في المغرب على الطماطم والحمص والفاصوليا والعدس خلال شهر رمضان، حيث علّقت الحكومة صادرات الطماطم وسط أسوأ موجة جفاف منذ ثلاثة عقود.
وكانت نادية القباج، متعهدة تقديم الطعام في العاصمة المغربية الرباط، تستعد لبيع الحلويات الرمضانية التقليدية مثل الشباكية، وهي كعكة بالسمسم مقلية بالعسل يأكلها الكثيرون في الإفطار، ومع ارتفاع تكاليف الطحين واللوز والزبدة والزيت، وطلب موظفيها للزيادات من أجل تغطية نفقاتهم، قالت نادية إنها اضطرت إلى رفع أسعارها بنسبة 10 بالمائة، رغم تخفيض العملاء لطلباتهم.
ومع ذلك، كانت نادية محظوظة، حيث قالت إن العديد من الشركات لم تقدم حلويات رمضان هذه السنة، لأن المكونات باهظة الثمن ولا يقدر عملائها على الدفع، وأوضحت أن بعض المغاربة سيكونون قادرين على التكيف إذا ما استهلكوا كميات أقل أو حافظوا على الزيت عن طريق شوي الطعام بدلًا من القلي، وأضافت: "سيعاني الفقراء أكثر من غيرهم. ماذا سيأكلون في الإفطار؟"
وقال عبد الهادي السباعي، 72 سنة، وهو سائق تاكسي في بيروت، إن أسرته  المكونة من خمسة أفراد تستهلك يوميًّا حقيبتين من الخبز التي كانت تأخذ الكثير من أرباحه التي تقلصت بدورها مع ارتفاع أسعار الوقود وتراجع ركوب اللبنانيين لسيارات الأجرة.
ومع اقتراب شهر رمضان، شعر السيد السباعي بالحنين إلى موائد الأعياد الماضية، ولكن لن يكون هناك سوى العدس والفاصوليا في هذه السنة؛ حيث قال: "لطالما كانت المائدة الرمضانية غنية باللحوم وبجميع أنواع الحلويات، لكن مرت ستة أشهر منذ أن تناولت اللحوم، وبالطبع، أصبح السمك حلمًا".
وفي تونس ومصر، كان هناك تذمر حول نوع المشاعر المناهضة للحكومة التي أدت إلى الإطاحة بالديكتاتوريين في كلا البلدين في سنة 2011؛ حيث يقول التونسيون إنهم بدأوا يفقدون صبرهم إزاء وعود الرئيس قيس سعيد فيما يتعلق بإنقاذ الاقتصاد والتي لم يفِ بها.
أما في مصر، فقد انتشر هاشتاج "ثورة الجياع" و"ارحل يا السيسي" - في إشارة إلى الرئيس عبد الفتاح السيسي - على وسائل التواصل الاجتماعي لعدة أيام مع ارتفاع أسعار الخبز، وفي هذا السياق، قال رجل في فيديو حصد أكثر من 22 ألف مشاهدة: "أراك يا سيسي، أناشدك في سبيل الله. أيا كان ما وعدت به، فأنت لا تقدمه، لقد جعلت الحياة الجيدة التي وعدتنا بها مروعة".
ومع انتشار الاستياء في مصر، دعمت الحكومة أصحاب المتاجر المحليين لفتح أكشاك بجانب الشارع لبيع الأطعمة وزخارف رمضان واللحوم والسلع الأساسية بسعر أقل؛ حيث قال أشرف زكي الذي افتتح "كُشكًا" والبالغ من العمر 50 سنة، إن الحكومة قد ضغطت عليه وعلى جزارين آخرين لخفض أسعارهم.
ويعتقد عبد المنعم سعيد علي، المحلل السياسي وكاتب العمود الموالي للحكومة، أن جهود الحكومة لتحقيق الاستقرار في الاقتصاد من شأنها تهدئة الجمهور بما يكفي لتجنب الاضطرابات، وقال: "إن درجة الدعم كافية. لن يحدث ذلك، لأننا دولة مستقرة، ونحن نبني البلد، ويمكن للناس رؤية نتائج السنوات القليلة الماضية بأعينهم".
لكن محللين مستقلين قالوا إن الحكومة أهدرت الفرص السابقة لوضع الاقتصاد المصري على أساس متين بعد أن بلغت قيمة الدخل المحدود 12 مليار دولار في سنة 2016، وبدلاً من بناء الصناعات التي يمكن أن تخلق وظائف مستدامة وذات رواتب جيدة، مثل التصنيع أو البحث والتطوير، أنفقت الحكومة بحُرية على التطوير العقاري، بما في ذلك المشاريع الضخمة مثل العاصمة الجديدة التي يقوم السيد السيسي بتشييدها في الصحراء.
وقال تيموثي كالداس، محلل الاقتصاد السياسي في معهد التحرير لسياسة الشرق الأوسط في واشنطن، إنه على الرغم من أن اتفاق سنة 2016 قد كلف مصر بإجراء إصلاحات تهدف إلى تطوير القطاع الخاص وتقليل الفقر، إلا أن القطاع الخاص قد تقلص كل شهر تقريبًا منذ إبرام الصفقة، ويرجع ذلك جزئيًّا إلى أن الشركات التي تمتلكها القوات العسكرية والتي تتمتع بإعفاءات ضريبية وامتيازات أخرى  قد ساهمت في ازدهار المنافسة مع  القطاع الخاص.
والواقع أن سياسات التقشف قد أثرت بالفعل في القدرة الشرائية للمصريين قبل جائحة فيروس كورونا وحرب أوكرانيا؛ حيث قال محمد أبو سمرة، الخبير الاقتصادي في بنك الاستثمار المصري هيرميس:"مثلما كان العالم يحاول التعامل مع الوباء، حان وقت الحرب".
وقال صندوق النقد الدولي إنه من المرجح أن يساعد الدعم مصر على تجاوز هذه الأزمة بالذات، ولكن التحدي الرئيسي يكمن في السير في مسار نمو أكثر استقرارًا.
المصدر: نيويورك تايمز