الرئيسة \  تقارير  \  “نيو لاينز”: بوتين يواجه مأزقًا في أوكرانيا.. كيف يبدو وضع القوات الروسية هناك؟

“نيو لاينز”: بوتين يواجه مأزقًا في أوكرانيا.. كيف يبدو وضع القوات الروسية هناك؟

15.03.2022
ساسة بوست


ساسة بوست
الاثنين 14/3/2022
يقول محللون إن الغزو الروسي يواجه مأزقًا عسكريًّا تعكسه الخسائر في القوة البشرية والقدرة القتالية التي تتكبَّدها روسيا، وكذلك سوء الخدمات اللوجستية، وفتح خطوط مواجهة جديدة مع عدم وجود قواتٍ كافية، وذلك حسب ما جاء في تقرير للكاتبين هولجر رونيما، صحافي استقصائي مقيم في تالين، إستونيا، ومايكل فايس، مدير قسم الأخبار في مجلة “نيو لاينز” الأمريكية.
يبدأ التقرير الذي نشرته مجلة “نيو لاينز” بالقول إن الحرب الروسية غير المبرَّرة على أوكرانيا تدخل الآن أسبوعها الثالث، مشيرًا إلى أن سقوط العاصمة كييف المتوقع على نطاق واسع لم يحدث بعد، وكان العديد من المسؤولين الغربيين قدَّروا الشهر الماضي أنه لن يستغرق أكثر من 72 ساعة تقريبًا. وكذلك لم تنجح روسيا في السيطرة على أي مركز سكاني كبير. والمدينة الوحيدة التي “تُسيطر” عليها القوات الروسية هي عاصمة مقاطعة خيرسون المضطربة؛ والسبب في ذلك أن الأوكرانيين يخرجون يوميًّا للاحتجاج على “محتليهم” المسلحين، والآن تتدفق تقارير جديدة عن اعتقالات جماعية للمدنيين، وأي شخص يُعتقد أنه على صلة بالسلطات الأوكرانية.
توقعات بالتعثر
ويشير كاتبا التقرير إلى أن إستونيا، التي تُعَد روسيا، تاريخيًّا، هي شغلها الشاغل على مستوى مسؤولي الأمن الوطني والعسكري في الحكومة الإستونية كافة، كما تعد إحدى الدول الأوروبية الأجرأ في الإفصاح عن التوقعات بأن هذه الحرب لن تنتهي لصالح بوتين. ففي 28 فبراير (شباط) قال ميك ماران، رئيس “واليسلوريمت”، جهاز المخابرات الخارجية الإستوني، للمجلة إنه لا يعتقد أن بوتين يمكنه “الاستمرار في حرب مكثفة لأكثر من شهرين”، وأن “روسيا لن تفوز بهذه الحرب” في نهاية المطاف.
وتلفت المجلة إلى أن محللًا إستونيًّا بارزًا يتمتع بسنوات من الخبرة في تتبع الشؤون العسكرية الروسية، رفض الإفصاح عن اسمه، يتفق مع هذا التقييم، ولكنه لا يعتقد حتى أن الأمر سيستغرق شهرين آخرين لتظهر نتائجها، فالنتائج تلوح في الأفق بالفعل. وقال المصدر الإستوني الذي ستشير له المجلة باسم “كارل” في وقت متأخر هذا الأسبوع: “إذا لم تحقق روسيا تقدمًا ملحوظًا بحلول نهاية هذا الأسبوع، فمن الصعب تصور كيفية حدوث هذا التقدم على الإطلاق”.
وأضاف كارل أن الروس لم يُحرزوا أي تقدم جدي فيما يتعلق بالسيطرة على المدن الكبرى خلال الأيام القليلة الماضية. ومع ذلك لم يزل الوضع حساسًا، ووفقًا لمراسل الأمن القومي جاك ديتش، قال مسؤول دفاعي أمريكي كبير في 11 مارس (آذار) إن القوات الروسية حققت “تقدمًا إضافيًّا” نحو كييف خلال الـ24 ساعة الماضية، وأن القوات الروسية على بعد أقل من 16 كيلومترًا شمال غرب وسط العاصمة، و32 كيلومترًا تقريبًا إلى الشرق في بروفاري.
لكن الأوكرانيين بدأوا في شن هجوم مضاد ناجح إلى حد ما شمال كييف. ووفقًا لوزارة دفاعهم استعادوا بلدة باكلانوفا مورافيكا، ومن ثم أوقفوا الجهود الروسية للاستيلاء على تشيرنيهيف. وعلاوةً على ذلك تحكي خسائر روسيا فيما يتعلق بالقوة القتالية أيضًا قصة خسارة القوى البشرية.
وحتى كتابة هذه السطور، بنهاية يوم 11 مارس، تحققت مدونة “أوريكس” الشهيرة لتحليل المعلومات الاستخباراتية من 171 قطعة على الأقل من المعدات الروسية المهجورة و464 قطعة من المعدات المُستَولَى عليها، والتي تتراوح من الدبابات وناقلات الجند المدرعة والمدفعية إلى أنظمة الدفاع الجوي المتطورة. وكل هذا العتاد كان يديره في السابق مشغِّلون روس وقعوا في الأَسْر، أو ببساطة تركوا تلك المعدات، وهاموا على وجوههم في الريف الأوكراني، بحسب التقرير.
وأشار كارل على وجه التحديد في حديثه للمجلة إلى الإجهاد “الكبير” الذي ضرب الوحدات الروسية باعتباره سببًا للوتيرة البطيئة لتحركهم. وقال: “استُبدلت ثلث الوحدات حتى الآن، لكن الوحدات الجديدة ذات جودة قتالية أسوأ. ودُمِّر ثلث آخر، أو قُتِل أو جُرِح. وليس لإعادة تشكيل الوحدات تأثير جيد على القدرة القتالية”.
خيارات روسيا
وأضاف التقرير أن روسيا لديها العديد من الخيارات، وفقًا لكارل، فيما يتعلق بكيفية محاولة استعادة الزخم، لكن لا يبدو أي منها ممكنًا بصورة كبيرة. أولًا يمكنهم الإعلان عن التعبئة في روسيا واستدعاء قوات الاحتياط. وهنا تكمن المشكلة في نقص التدريب الذي تلقاه جنود الاحتياط.
وقال كارل، في إشارة إلى مجلسي البرلمان الروسي، “كان من المفترض أن تكون إمكانية التعبئة على جدول أعمال مجلس الاتحاد والدوما الجمعة الماضي 4 مارس، ولكن يُزعم أن ضباطًا عسكريين رفيعي المستوى أقنعوا بوتين بآثارها السلبية”.
ونادرًا ما تضم روسيا وحدات احتياطية في عملياتها العسكرية الواسعة النطاق، إذ يشارك فقط بضعة آلاف من جنود الاحتياط إلى جانب ما لا يقل عن 100 ألف جندي. وقال كارل لنيو لاينز: “يشكو الضباط من افتقار جنود الاحتياط إلى التدريبات اللازمة”، مضيفًا أن الجيش لا يمكنه حتى العثور على زي موحد مناسب للوحدات المعبأة، وحتى قد يضطر إلى اللجوء إلى تسليحهم بالبنادق الخفيفة.
وفي 11 مارس التقى بوتين بنظيره البيلاروسي، أو بالأحرى، بحسب وصف الكاتبين، محافظ إحدى أقاليمه، ألكسندر لوكاشينكو، في موسكو. ويظل السؤال حول التدخل المباشر من جانب لوكاشينكو في أوكرانيا محل خلاف كبير. وبحسب كييف فإن الطائرات الروسية أطلقت النار على الأراضي البيلاروسية في 11 مارس لخلق ذريعة للغزو، وذلك بإلقاء اللوم على الأوكرانيين في الهجوم، ولكن الولايات المتحدة قالت للصحافيين إنها لا ترى نشاطًا غير مرغوب فيه من جانب مينسك، مشيرةً إلى أن غزوًا من هذا القبيل ليس وشيكًا.
هناك احتمال آخر، بحسب التقرير، يتمثل في إرسال موسكو جنودًا ومقاتلين سوريين موالين للأسد إلى أوكرانيا. وأعلن وزير الدفاع الروسي سيرجي شويجو في 11 مارس أنه يمكن إرسال ما يصل إلى 16 ألف من هؤلاء “المتطوعين” للخدمة القتالية في أوروبا. ووصف كارل فكرة جلب المقاتلين السوريين بالفكرة البائسة للغاية، ذلك أن “القتال في شوارع المدن العربية الضيقة شيء، والقتال في كييف أو خاركيف شيء آخر؛ إذ يبلغ عرض الطرق 100 متر. وكذلك لا يناسبهم المناخ البارد، فضلًا عن معنوياتهم المنخفضة”، وفقًا لكارل.
الهجوم المضاد
ويتوقع كاتبا التقرير أنه في حال لم تحقق روسيا نجاحًا ملحوظًا في الأيام القليلة المقبلة، فسوف تترك الباب مفتوحًا للقوات الأوكرانية لبدء هجمات مضادة واسعة النطاق. والهدف الأول لهذا الهجوم المضاد يتمثل في إخراج روسيا من المناطق الواقعة في الشمال حول كييف وخاركيف. وسيكون استعادة الأراضي في الجنوب هدفًا أصعب لأن التضاريس هناك تُشكِّلها بالأساس السهول، والتي سيكون الأوكرانيون فيها “هدفًا سهلًا من الجو”.
وانقسم الخط الجنوبي للهجوم الروسي إلى محورين، أحدهما يتقدم شرقًا نحو ميكولايف، والآخر شمالًا إلى كريفي ريه. ويرى كارل أن “هذا خطر كبير على القوات الروسية؛ لأن خطوط الإمداد، التي نعلم بالفعل أنها تعاني، سوف تنجر لمسافات أطول. وهذا يترك للأوكرانيين كثيرًا من الفرص للتغلب عليهم”.
وأضاف كارل أن موسكو تُزعجها مشكلة أخرى تكمن في ترسانتها، التي يبدو أنه بولغ في تقديرها، موضحًا أن “بوتين قيل له إن لديه ما يقرب من 10 آلاف صاروخ. والواقع أن لديه ألف صاروخ فقط. ومن الغريب أن بوتين نفسه نسي كيف كان يكذب على رؤسائه عندما كان ضابطًا شابًا في “الاستخبارات السوفيتية (كيه جيه بي)”. وهذا الكذب شائع في الثقافة السوفيتية”.
مسار شاق
ونوَّهت المجلة إلى أن كارل ليس وحده من بين المحللين الذين يتوقعون مسارًا شاقًا للروس من الآن فصاعدًا.
يقول إليوت كوهين، عميد كلية بول إتش نيتز للدراسات الدولية المتقدمة بجامعة جونز هوبكنز والمستشار السابق في الخارجية الأمريكية: “إذا أخذنا في الاعتبار حتى التقديرات الحذرة للخسائر، فإن الروس يتجهون لخسارة 10% من قدراتهم. وهي نسبة تُعد عادةً خسائر فادحة، وربما لا تكفي لجعل الجيش غير فعَّال في القتال، ولكنها قريبة من ذلك”.
ويعتقد كوهين أيضًا أن المؤشرات الأخرى غير إيجابية لصالح بوتين فيما يخص آلته الحربية، بما في ذلك المعدات المهجورة، والهجمات المضادة الأوكرانية، والأدلة على قصور أمن الاتصالات الروسي. وفي أحد الأمثلة التي يضربها التقرير قالت “وكالة الدفاع العسكري الأوكرانية (جي آر يو)” إنها اعترضت مكالمة لضابط بـ”وكالة الأمن الفيدرالي الروسية (إف إس بي)” يتحدث فيها عن مقتل الميجور جنرال فيتالي جيراسيموف بالقرب من خاركيف في شمال شرق أوكرانيا، رئيس أركان الجيش الـ41، مستخدمًا الهاتف الخلوي العادي، وبطاقة SIM (وحدة تعريف المشترك) الأوكرانية. وأكدت القوات المسلحة الأوكرانية أيضًا مقتل لواء روسي آخر، أندريه كوليسنيكوف، الذي كان قائدًا للجيش الـ29 من الأسلحة المشتركة.
وأضاف كوهين: “إن الروح المعنوية أعلى في الغالب على الجانب الأوكراني، ويبدو أن معظم المهارة كذلك”. ونقلت المجلة عن الجنرال مارك هرتلينج، القائد العام السابق للجيش الأمريكي في أوروبا، وأفريقيا، والجيش السابع، قوله إنه لم يتفاجأ من أن الأوكرانيين دافعوا جيدًا، بعد أن عملوا مع قيادتهم العسكرية لأكثر من خمس سنوات حتى يتمكنوا من الاندماج في قوة المساعدة الأمنية الدولية في أفغانستان.
وقال هيرتلنج: “لكن رغبتهم في الدفاع عن بلادهم وتحررهم من روسيا أسهمت في تعزيز روحهم القتالية. وفي ضوء مشاهدتي لتدريبات الجيش الروسي، وأنشطتهم التدريبية، وملاحظتي لضعف القيادة، وفساد جنرالاتهم، كنتُ أعلم أنهم سيئون. ولكنني لم أكن أعتقد أنهم سيكونون بهذا السوء الذي بدوا عليه”.
ويعتقد مايك مارتن، الزميل في قسم دراسات الحرب في كينجز كوليدج لندن، أن هناك مشكلة أخرى تتمثل في أن روسيا تحاول إنجاز ما لا طاقَة لها به بفتح جبهات جديدة في وقت لا تملك فيه ما يكفي من القوات للحرب على الجبهات المفتوحة بالفعل، بينما تعاني أيضًا من سوء الخدمات اللوجستية.
وقال مارتن: “هذا في نظري يَنُمُّ عن انهيار على المستوى السياسي الإستراتيجي؛ إذ لا يزال بوتين يدفع من أجل تحقيق انتصار خاطف، وهو ما يحتاج إليه قبل أن تتسرب أرقام الضحايا”، مضيفًا أن “جنرالاته لا يستطيعون رفض أوامره، لكنهم في نهاية المطاف يضاعفون أخطائهم من خلال زيادة نشر قواتهم القتالية والخدمات اللوجستية”.
غضب بوتين
وتَطرَّق التقرير إلى أن أندريه سولداتوف وإرينا بوروجان، وهما صحافيان استقصائيان روسيان متخصصان في شؤون الاستخبارات الروسية، تحدثا في وقت سابق من يوم 11 مارس عن الإحباط الذي يشعر به بوتين تجاه ذراع الاستخبارات الخارجية التابع لوكالة الأمن الفيدرالي الروسية، قسم المعلومات التشغيلية والعلاقات الدولية، والمعروف على نحو أكثر شيوعًا باسم الدائرة الخامسة. وقال سولداتوف، في إشارة إلى مصادر داخل جهاز الأمن الفيدرالي: إن بوتين وضع رئيس الوكالة، سيرجي بيسيدا، ونائبه قيد الإقامة الجبرية.
وكانت أسباب الاحتجاز، وفقًا لسولداتوف وبوروجان، هي “مزاعم إساءة استخدام الأموال التشغيلية المخصصة لأنشطة الجهاز ولتوفير معلومات استخباراتية ضعيفة قبل الغزو الروسي المتعثر الآن”.
وقد حدد الصحافيان الدائرة الخامسة باعتبارها المسؤولة عن تزويد بوتين بمعلومات استخبارية عن التطورات السياسية في أوكرانيا عشية الغزو، ومن الواضح أن المعلومات الاستخباراتية كانت معيبة على نحو خطير. وكتب سولداتوف وبوروجان: “يبدو أنه بعد أسبوعين من الحرب، اتضح لبوتين أخيرًا أنه قد ضُلِّل تمامًا. ويبدو أن الوكالة، وخوفًا من ردة فعله، أخبرت بوتين بما يريد أن يسمعه”، حسب ما تختم المجلة.