الرئيسة \  تقارير  \  هآرتس: ثقافة أردوغان .. بين القانون الإنجلوسكسوني والرأس الشرق أوسطي

هآرتس: ثقافة أردوغان .. بين القانون الإنجلوسكسوني والرأس الشرق أوسطي

19.01.2022
تسفي بارئيل


القدس العربي
الثلاثاء 18/1/2022
كلما كنا أقوياء في الثقافة والفن تستطيعون أن تواجهوا محيطكم وتديروه، فالسلاح الأقوى لإدارة المعركة العالمية الآن هو الوسائل الثقافية”، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في احتفال توزيع جائزة الرئيس للثقافة والفن، الذي جرى في كانون الأول الماضي. يبدو أنه وجه أقواله بالأساس لنفسه. فسيطرته على وسائل الإعلام معروفة، وهذا يتطلب أيضاً تقرير “هيومن رايتس ووتش” السنوي الذي نشر في هذا الشهر. هذا التقرير يفصل حالات الملاحقة والاعتقال والسجن لمراسلين انتقدوا النظام وأردوغان وأبناء عائلته. 58 صحافياً وعاملاً في صناعة الإعلام هم الآن معتقلون أو يقضون عقوبة بالسجن بتهمة “نشاط إرهابي” أو “دعم الإرهاب”.
المعروف بدرجة أقل هو تطاول النظام على الفنانين والموسيقيين وحتى على الراقصات. في هذا الشهر، نشرت تعليمات جديدة تمنع تنظيم الحفلات والعروض الموسيقية ببث حي بعد منتصف الليل. أمر يقسم الدولة إلى ثلاث فئات: الأولى، مناطق حساسة جداً مثل المستشفيات والمدارس والمناطق السكنية ومساكن الطلبة، التي تحظر فيها العروض الموسيقية المباشرة، سوى في قاعات مغلقة. والثانية، مناطق حساسة مثل الفنادق والمواقع الدينية، ويحظر في محيطها إجراء عروض مفتوحة، وأحداث واحتفالات بعد منتصف الليل. والثالث، مناطق غير حساسة مثل مكاتب الحكومة وملاعب الرياضة والمناطق الصناعية، ويسمح فيها بإجراء العروض الموسيقية الحية بعد منتصف الليل، ولكنها ليست عروضاً ثقافية جماهيرية.
وتم هذا الحظر بذريعة الحماية من كورونا أو للحفاظ على محيط هادئ في المناطق الحساسة والمأهولة. ولكن حسب ادعاء موسيقيين شباب ومغنين وأعضاء فرق، فهي تعليمات نابعة من حملة لقمع الموسيقى الحديثة، الروك والبوب والراب وأنواع الموسيقى الأخرى “التي تخرج المحافظين عن أطوارهم”.
في السنة الماضية، قررت وزارة الرفاه والعائلة فحص ظاهرة “كي بوب”، وهي موسيقى البوب التي ظهرت في كوريا الجنوبية واحتلت العالم بسبب وتيرتها المستوعبة ودمج فريد بين أسلوب الراب والبوب. ملايين الشباب في تركيا أسروا بسحرها، رغم روح حراس الأسوار في الحكومة وفي وسائل الإعلام المحافظة. التقرير الذي يتناول ثلاثة شباب هربوا من بيوتهم في كوريا الجنوبية، فتح أبواب جهنم ضد هذه الموسيقى “التي تشجع الجنس الحر والمثلية وتخلق فوضى من الهوية الجندرية في أوساط الشباب”. مثلما جاء في مقال في موقع “يني اكيت” التركي، بعنوان “جيوش المثليين قادمة”.
في العام 2019 نشر في الشبكات الاجتماعية اثنان من فيديو كليب الراب، وقد انتشرا بسرعة كبيرة، وحظيا بملايين المشاهدات. حسب أقوال النظام، فإن فيهما “مضموناً تخريبياً استهدف تقويض النظام الاجتماعي واستقرار الحكم”. الأول بعنوان “سوسا مام” (أستطيع الصمت)، وهو إنتاج مشترك لعشرين من مغني الراب، وكلٌّ منهم كتب قطعة عن قضية مؤلمة مثل الوضع القانوني، وجودة البيئة، والفقر، والفجوات الاجتماعية، وأنتجوا معاً موسيقى طويلة ومثيرة للحماسة، وحظي بثلاثة ملايين مشاهدة في أيام الكليب الأولى.
أحد المقاطع يوضح السبب الذي هزت هذه الأغنية النظام من خلاله، وكأنه أصيب بسهم مسموم. “قوانيني إنجلوسكسونية، لكن رأسي شرق أوسطي. تربيت بصورة غير سياسية، لم أصوت في أي يوم في الانتخابات، اهتممت بحريتي فقط، وبسفري وديوني. العدالة ماتت. بقيت هادئاً، وشاركت إلى أن مس بي هذا. أنا اليوم أخاف من إطلاق تغريدة عبر “تويتر”، وبدأت أخاف من شرطة بلادي. آسف لقولي ذلك لكم، لكن الجيل الذي ينقصه الأمل هو من إنتاج أنفسكم”. تصبح النصوص فظة وحادة ومخيبة للآمال أكثر. واليوم، رغم مرور سنتين على صياغتها إلا أنها ما زالت شعبية ويتم اقتباسها على “تويتر” و”فيسبوك”.
إضافة إلى ذلك، أكثر من 200 أغنية قامت شبكة البث الحكومية “تي.آر.تي” بمنعها بسبب مضامين “غير مناسبة” لأسباب ثقافية أو سياسية. هذا الجيل التركي المقموع يغضب السلطة ويهددها. من أجله، أطلق أردوغان يده أيضاً نحو الشبكات الاجتماعية. القوانين الجديدة المشددة، التي تم سنها، تلزم الشبكات الاجتماعية بإزالة مضامين حسب طلبات وزارتي العدل والإعلام، وينتظرها غرامات كبيرة وتقييد نشاطها إذا لم تمتثل.
أما السينما التركية فغير معفية هي أيضاً من قيود الرقابة الأخلاقية؛ فقبل سنتين طلبت سلطة التلفزيون والإذاعة، التي لديها صلاحيات واسعة، منع مضامين سينمائية أيضاً، وإبعاد شخصية ثانوية مثلية من فيلم “فقط لو”، الذي كانت تنوي “نيتفليكس” البدء بتصويره في تركيا. “لن نسمح بعرض أفلام تتضمن مساً بقيم مجتمعنا”، أوضح رئيس مجلس الهيئة، أبو بكير شاهين. وبعد مفاوضات قصيرة، أعلنت نيتفليكس إلغاءها العرض. وثمة أفلام جديدة ملزمة بالحصول على مصادقة هيئة التلفزيون والإذاعة، ومخولة بحذف مشاهد حتى بعد أن تم تصويرها بمصادقتها. وثمة رقابة ذاتية غير مملاة بقانون أو من قبل النظام، كالرقابة التي تفرضها شركة الطيران التركية على الأفلام التي يتم بثها في الطائرات.
من وجهة نظر أردوغان، تبدو أنظمة الرقابة وقوانينها خطوات ضرورية في “ثقافة دفاعية”، المهددة بغزو من الغرب. الثقافة التي في يده هي سلاح وسور ضد قيم “غير مناسبة” وانحرافات اجتماعية وكل الآفات الأخرى التي يمكن أن تدنس المجتمع التركي.
بقلم: تسفي برئيل
 هآرتس 17/1/2022