الرئيسة \  تقارير  \  هآرتس : أسطورة القوة الروسية انهارت بعد سبعة أشهر

هآرتس : أسطورة القوة الروسية انهارت بعد سبعة أشهر

20.09.2022
الون بنكاس


بقلم: الون بنكاس
الغد الاردنية
الاثنين 19/9/2022
في آذار (مارس) 2014، بعد بضعة أيام على غزو روسيا لشبه جزيرة القرم، قال الرئيس الأميركي في حينه، باراك أوباما، إن روسيا ليست أكثر من “دولة عظمى إقليمية من الدرجة الثانية”، وإن أفعال فلادمير بوتين “تدل على الضعف وليس على القوة”. وقد تم توجيه انتقاد لاذع لباراك أوباما بسبب الاستخفاف العارض وبسبب النظرة غير المبالية بقوة عسكرية عظمى خطيرة. أوباما كان محقا. فبعد شهرين، أعلن السناتور المتوفى جون مكين أن روسيا هي “محطة وقود تتظاهر بأنها دولة، محطة وقود يوجد لديها سلاح نووي”. مكين كان محقا. فبعد ثماني سنوات على ذلك كان هناك شخص واحد أثبت ويثبت صدق أوباما ومكين وهو بوتين نفسه.
خلال سبعة أشهر، نفذت روسيا تدميرا ذاتيا مدهشا للقيمة، وانتقلت من صورة خارجية لدولة عسكرية متقدمة -“ستحتل كييف في 72 ساعة”، وبعد ذلك “ستشكل حكومة دمى مؤيدة لروسيا” وستفرض تغيير في البنية الهندسية الأمنية لكل أوروبا- الى وضع إجماع في الغرب بأنها على شفا هزيمة عسكرية ضخمة.
في سبعة أشهر، مرت روسيا بالتحول من أوهام كبيرة تتمثل بـ”إقامة روسيا القيصرية” وأحلام حول “إعادة ترميم قوة وهيمنة الاتحاد السوفييتي”، الى دولة عظمى من الدرجة الثانية ومجذومة في العالم. الروس الوطنيون والفخورون يوجد لهم عنوان لهذا الإنجاز البائس: فلاديمير بوتين والحكومة الفاسدة التي قام برعايتها.
نجاحات عسكرية أوكرانية مثيرة للانطباع في الأيام العشرة الأخيرة حولت الحكمة التقليدية لمحللي الحرب، حتى لو أخطأ بعضهم في التفكير بأمنيات مثل “نقطة التحول في الحرب” أو “الانتصار الشامل لأوكرانيا والتشيك” أو “غلاف مجلة ذي ايكونومست الأسبوعية في هذا الأسبوع إنهاء المهمة”، فإن هذه ليست النقطة المهمة، إلا أن أوكرانيا فازت بالحرب فعليا.
أوكرانيا انتقلت من الدفاع المتشدد على الخطوط الى انتصارات تكتيكية محلية، ومن هناك الى إنجازات قطاعية مهمة على المستوى العملياتي. هذه الانتصارات ليست صدفة، بل تدل على تناسب القوى الحقيقي وعلى استخدام القوة وعلى الأداء الفاشل للجيش الروسي على جميع المستويات. حتى لو كانت أوكرانيا غير قادرة على إقصاء روسيا من كل المنطقة التي احتلتها في حوض الدونباس وفي جزر القرم، من ناحية استراتيجية فإن أوكرانيا انتصرت منذ اللحظة التي تبين فيها أن الافتراضات الأساسية لبوتين كانت أخطاء كبيرة. فتقديراته السياسية والعسكرية تبين أنها فشل في التفكير. أيضا تبين أن تقييمات تطور الحرب هي فشل ذريع في الإدراك.
بوتين، الذي طوال سنوات نسبت له لسبب معين العبقرية الاستراتيجية والذكاء السياسي العالي، أخطأ ما لا يقل عن سبعة تقديرات أساسية. أولا، افتراضه كان أن أوكرانيا ستستسلم من دون حرب، وأن زيلينسكي وحكومته سيهربون، وأن روسيا ستستقبل كمحررة -كل هذا لم يحدث. ثانيا، في الحرب تفوق روسيا في الجو والصواريخ والتكنولوجيا وقوة النيران الدقيقة والمخابرات، هو الذي سيهزم أوكرانيا بسرعة. ثالثا، قراءة خاطئة لشخصية وتصميم والتزام الرئيس الأميركي، جو بايدن. رابعا، فشل تقييم كامل بخصوص حلف شمال الأطلسي “الناتو”. فبوتين افترض أن ضعفا سياسيا خوفا من المواجهة (مع روسيا) ومصالح متناقضة سيضعف الحلف. فعليا هذا الحلف حدد نفسه من جديد وتوسع عند انضمام فنلندا والسويد اليه.
تقدير أساسي خامس هو تنبؤ عديم المسؤولية بأن العقوبات الأميركية والأوروبية لن تكون شديدة، في النهاية تقدير خاطئ بأن اقتصاد روسيا سيصمد أمام العقوبات لفترة طويلة، بالعكس. حجم الضرر على الاقتصاد الكلي في روسيا كان ضخما. سادسا، الافتراض بأن أوروبا ستنهار سياسيا، ومن هنا ستغير سياستها تجاه أوكرانيا نتيجة أزمة الطاقة التي ستخلقها روسيا. تقدير أساسي أخير هو أن روسيا لن يتم عزلها لأن الصين والهند ستقفان الى جانبها. هذا حدث بشكل جزئي فقط. فسواء الرئيس الصيني أو رئيس حكومة الهند عبرا عن التحفظ علنا من بوتين في نهاية الأسبوع في لقاءات معهما في أوزبكستان. أيضا الصين رفضت بيع السلاح لروسيا.
ديكتاتورية فاسدة
الى جانب الفشل الاستراتيجي، من الجدير التوقف عند الفشل العسكري. في بداية الحرب ترسخت مسلمات. الأولى هي أن أوكرانيا لن تتمكن من الانتصار في الحرب. فتناسب القوة العسكرية والتكنولوجية هي في غير صالحها بشكل ساحق. والدلائل على ضعف روسيا العسكري في الأداء في آذار (مارس) وفي نيسان (أبريل) قام المحللون بحلها بالقول إنه سيتم اجراء تعديلات وتعلم الدروس واستبدال الجنرال، وبعد ذلك سيتم حسم الحرب.
الثانية هي أنه حتى لو لم تحقق روسيا انتصارا حاسما، فإنه من غير المقبول القول إنها ستهزم. السيناريو المعقول في هذه الحالة هو حرب استنزاف والحفاظ على الإنجازات الجغرافية الأولية في الدونباس وعلى طول شاطئ البحر الأسود، من بحر ازوف في الشرق وحتى اوديسا في الغرب.
إن ربط الإخفاقات في الفضاء أوجد صورة وتوجها ظاهرا: فشل عسكري متعدد الأبعاد في بنية القوة ونشر القوات واستخدام القوة. ما أسباب ذلك؟ موارد قليلة ومعنويات متدنية وغياب التخطيط واستخدام عقائد من الحرب العالمية الثانية، وعدم الانضباط في الوحدات، وعدم الدافعية، والنقص في مؤهلات المستويات العليا والمتوسطة، وغياب مستغرب لاستخدام التفوق الجوي، وأخطاء تكنولوجية في السلاح الدقيق، وبالأساس الإخفاق البنيوي في إدارة معركة مدمجة بين سلاح المشاة والمدرعات والمدفعية والمروحيات الهجومية والطائرات المسيرة وحرب السايبر.
عشرون سنة من إعجاب الغرب وإسرائيل بالعبقرية المطلقة للعقيدة الروسية الحديثة التي تسمى “الحرب الهجينة”، التي تجمع بين القوات العسكرية والسايبر والحرب النفسية-السياسية، اختفت. السبب ليس التكنولوجيا والتفكير العسكري، بل هو أمر أساسي أكثر. نظام فاسد وملوث ومضعف، وبعد ذلك تخريب كل مؤسسة ومنظمة وعملية في منظومتها البيئية، الجيش غير محصن. أمام بوتين تقف في هذه الأثناء أربعة بدائل سيئة، أي واحد منها لن يخفف حجم الفشل وتداعياته على روسيا. أحد البدائل هو اقتراح وقف إطلاق النار على أساس الخطوط القائمة والدعوة الى مفاوضات مع “الناتو” على مستقبل أوكرانيا. مشكوك فيه حدوث ذلك، وفي كل الحالات بوتين سيضطر الى إجراء المفاوضات مع أوكرانيا وليس مع بايدن.
بديل آخر هو التصعيد في وسائل القوة الجوية والصواريخ بعيدة المدى. الى جانب الهدم والقتل هذا لن يغير مسار الحرب.
بديل ثالث وهو استخدام السلاح النووي التكتيكي بذريعة القيام بضربة وقائية من أجل خلق رواية منتصرة بكل ثمن، ووقف الحرب. مشكوك فيه إذا كان هذا الأمر سيتم تنفيذه. وإذا حدث ذلك فضد من بالضبط سيكون؟. لا توجد تجمعات عسكرية أوكرانية، لذلك فإن الأهداف يتوقع أن تكون مدنا وبنى تحتية. رد الناتو سيكون مدمرا، بما في ذلك تزويد فوري بمنظومات سلاح يمكنها الإضرار الشديد في داخل روسيا. بايدن أشار الى ذلك في مقابلة مع برنامج “ستون دقيقة”. البديل الرابع هو الإبقاء على الوضع الراهن والافتراض بأن أوكرانيا سيغريها توسيع نجاحاتها وبهذا هي ستعرض نفسها للإخفاقات. هذا كما يبدو هو البديل المعقول، لكن ربما أن تقدير بوتين سيتبين بأنه تقدير خاطئ أيضا.
في الأيام القريبة المقبلة، سيتم من جديد افتتاح نقاش في الغرب حول السياسة الصحيحة تجاه روسيا. مقاربة واحدة ترتكز على التفكير بأنه محظور دفع بوتين الى الزاوية ويجب أن يتم عرض “جسر ذهبي” عليه: مبدأ “سون تسو” في “فن الحرب” من القرن السادس قبل الميلاد: توفير طريق انسحاب للعدو تحافظ على كرامته من أجل منع مواجهة في المستقبل. المقاربة الثانية المعاكسة هي أن بوتين هو حقير كبير، يقف في وسط شبكة أنظمة غير ديمقراطية ومناهضة لأميركا. المخابرات الأميركية نشرت في الأسبوع الماضي تقريرا جاء فيه بأن روسيا استثمرت 300 مليون دولار في أعمال سرية للتخريب، والتدخل والتجسس السياسي في أكثر من عشرين دولة في أرجاء العالم. يجب هزيمة بوتين بصورة حاسمة وتزويد أوكرانيا بطائرات “اف16” وطائرات مسيرة من نوع “نسر رمادي”، التي تحمل صواريخ “هيل فاير”. في الوقت نفسه يجب إعطاء أوكرانيا ضمانات بعيدة المدى.
روسيا ليست فقط دولة ضخمة مساحتها تمتد على 11 منطقة واسعة وذات إمكانيات كامنة من الثراء العظيم، روسيا هي حضارة وتاريخ كامل من الأدب والفن والموسيقا والعلوم والتكنولوجيا. بوتين عمل على دهورتها بصورة متعمدة الى ديكتاتورية فاسدة ومتعفنة. دول كهذه لم تكن مزدهرة في أي يوم من الأيام. لذلك، من دون صلة بالتطورات في الأسابيع القريبة المقبلة، فإن روسيا قد هزمت.