الرئيسة \  تقارير  \  هآرتس : بوتين.. والمواجهة النووية

هآرتس : بوتين.. والمواجهة النووية

24.03.2022
اوري بار يوسيف


هآرتس
بقلم: اوري بار يوسيف 22/3/2022
الغد الاردنية
الاربعاء 23/3/2022
في صيف 1972 اجريت في الاتحاد السوفييتي مناورة استراتيجية كبيرة في اطارها حصل زعماء الدولة على شرح مفصل عن النتائج المتوقعة لهجوم نووي أميركي كثيف. لقد صدموا مما سمعوه. بعد ذلك، كجزء من المناورة، تمت دعوة رئيس الدولة، ليونيد بريجنيف، للضغط على الزر الذي سيحاكي اطلاق ضربة رد سوفييتية. حسب ما وصف المشاركون فانه اكفهر لونه وبدأ بالتعرق والارتعاش. وعاد وسأل وزير الدفاع، المارشال غريتشكو، هل هو مقتنع بأن الامر يتعلق بمناورة. من غير الواضح اذا وافق على الضغط على الزر، لكن من المعروف أنه في نهاية المناورة تم تشديد الرقابة على منظومات السلاح النووي في الاتحاد السوفييتي.
بعد مرور خمسين سنة على ذلك، في بداية الغزو لاوكرانيا، جلس الرئيس الروسي، فلادمير بوتين، امام العدسات وأمر بصوت واثق رئيس الاركان، فاليريه غيرسيموف، ووزير الدفاع، سيرجيه شفيكو، “بانتقال قوات الردع (النووية) الى وضع التأهب العملياتي الخاص”. من بث عدم الارتياح في هذه المرة من تحدث معهم، وهم المسؤولون عن الترسانة النووية.
الحرب في اوكرانيا تقرب العالم من شفا مواجهة نووية اكثر من أي حدث آخر منذ ازمة كوبا في 1962. في حينه وضع الاتحاد السوفييتي برئاسة نيكيتا خورتشوف، صواريخ ارض – ارض تحمل رؤوسا نووية في كوبا، وللمرة الاولى منذ اندلاع الحرب الباردة وضعت الولايات المتحدة تحت التهديد النووي. الرئيس جون كنيدي طلب أن يتم اخراج الصواريخ وهدد باستخدام القوة اذا لم تتم الاستجابة لذلك. في نهاية الـ 13 يوم توتر تم الاتفاق على اخراج الصواريخ مقابل تنازلات أميركية في مجالات اخرى.
إن فحص مركبات الازمة الحالية يظهر أنه في عدة أبعاد فان خطر المواجهة النووية الآن أكبر مما كان في حينه. المركب الاول هو طبيعة عملية اتخاذ القرارات. فمنذ موت ستالين في 1953 تمت قيادة الاتحاد السوفييتي من قبل قيادة جماعية، التي كان يوجد فيها منظومة توازنات وكوابح منعت حدوث وضع فيه يستطيع زعيم واحد أن يأمر باستخدام السلاح النووي. بوتين هو حاكم فرد محاط بمن يقولون نعم، وليس من المؤكد أنه اذا أعطى الامر فسيكون هناك من سيعارضه. اضافة الى ذلك، مثلما شرح هذا بشكل جيد البروفيسور ديما ادمسكي، الآن الكنيسة الارثوذكسية الروسية لها تأثير كبير في المؤسسة العسكرية بشكل عام وفي النخبة النووي بشكل خاص. إن اندماج الدين والذرة هم اندماج خطير، بالاساس في اوضاع التطرف.
يوجد بعد آخر وهو البعد الشخصي. فخروتشوف، حسب أقوال نجله، شاهد فيلما عن نتائج تجربة حرارية – نووية سوفييتية في 1973، وبعد ذلك سيطر عليه الرعب ولم ينجح في النوم لعدة ليال. بالنسبة للقيادة السوفييتية التي جربت على جلدها فظائع “الحرب الوطنية الكبرى” والتي قتل فيها نحو 30 مليون جندي ومواطن سوفييتي فان سفك دماء فظيع آخر كان بالنسبة لها سيناريو يجب أن لا يخطر بالبال. هذه ليست الحال بالنسبة لبوتين. فالحدث الصادم الاكبر له هو تفكك الاتحاد السوفييتي، والهجوم على اوكرانيا بالنسبة له هو خطوة في الطريق الى ترميم المكانة الامبراطورية لروسيا القيصرية. الخطاب النووي الذي يستخدمه هو عامل من بين خطوات عسكرية وحشية في الطريق الى تحقيق هذا الهدف. ايضا على تقديرات بوتين يصعب الاعتماد. حسب جميع المصادر هو معزول عن العالم، وصورة الوضع التي يعمل بناء عليها غير واقعية. هذا ما يتبين بوضوح من تقديره الزائد لقوة جيشه، وتقديره غير السليم لرد اوكرانيا واستعداد الغرب لمواجهة التهديد الذي وضعه أمامه.
في النهاية، هناك أيضا السياق الذي يجري فيه الحدث. ازمة كوبا كانت في ذروة الحرب الباردة، لكنها لم تكن اثناء حرب. وخروتشوف الذي قرر اخلاء الصواريخ تنازل في الحقيقة، لكنه حصل على التقدير لأنه أنقذ العالم من كارثة نووية. والازمة الحالية تحدث وكأن هناك حربا اندلعت. هي في الواقع محلية، لكن سيرها يناقض توقعات بوتين. الوضع الذي فيه تتحول طاقة الجيش الروسي الى إخفاق واضح، والعقوبات تشتد وكأنه في الحضيض، هو وضع يدفع الرئيس الروسي الى الزاوية.
في هذا الوضع، قدرت بيونا هيل، الشخصية الرفيعة السابقة في مجلس الامن القومي الأميركي والخبيرة ببوتين، بأنه يمكن أن يستخدم جميع الأدوات التي توجد لديه، بما في ذلك السلاح النووي. ماشا غيسين، التي كتبت سيرة ذاتية مؤثرة عن بوتين، قدرت أنه إذا دفع إلى الزاوية فليس مستبعدا أن يستخدم سلاحا نوويا تكتيكيا لمهاجمة مطار في بولندا على سبيل المثال. سكوت ساغن، من جامعة ستانفورد والذي أجرى الكثير من الأبحاث في مجال الذرة، طرح إمكانية أن استمرار الحرب بدون مخرج سيؤدي بالرئيس الروسي إلى إصدار أوامر بإلقاء قنبلة على إحدى مدن أوكرانيا لإجبار فلودمير زيلينسكي على الاستسلام. يبدو أن الادارة الأميركية تعتقد ذلك أيضا. لذلك، هي تحذر من أي خطوة، بما في ذلك الاعلان عن منطقة حظر طيران في اوكرانيا التي يمكن أن تزيد الأزمة.
عشية الأزمة في كوبا نشر هيرمان كهان، من الاستراتيجيين الأميركيين البارزين، كتابا حول مواجهة نووية بعنوان “التفكير في ما لا يمكن التفكير فيه”. ومنذ ذلك الحين كان يبدو أن المواجهة تبتعد. نحن ما زلنا بعيدين عنها، لكن الآن يتبين أنه يجب اعادة التفكير في ما لا يمكن التفكير فيه.