الرئيسة \  تقارير  \  هآرتس : مصادر أمريكية وبريطانية: سبب الإخفاق الروسي جهل بوتين بالواقع العسكري

هآرتس : مصادر أمريكية وبريطانية: سبب الإخفاق الروسي جهل بوتين بالواقع العسكري

07.04.2022
أوري بار يوسيف


القدس العربي
الاربعاء 6/4/2022
إذا كان باستطاعة كارل فون كلاوزوفيتش، كبير المنظرين العسكريين، تحليل عمليات الجيش الروسي في أوكرانيا، فسيقول إن قرار سحب القوات من منطقة كييف وتركيز الجهود العسكرية على المقاطعات الشرقية هو “نقطة الذروة في الانتصار” الروسي. بمفاهيم النظرية الاستراتيجية، يدور الحديث عن نفس المرحلة في الحرب التي يبدأ فيها استمرار الاستثمار في الجهد الهجومي بالزيادة عن الفائدة المتجسدة فيه.
استخدام مفهوم “نقطة ذروة الانتصار” في هذا السياق يقترب من اللامعقول، لأنه يرمز إلى أن الجيش الروسي راكم حتى الآن إنجازات في أوكرانيا. عملياً، من المرجح أن نقطة ذروة انتصاره كانت قبل يوم أو يومين من بداية المعركة، حيث كان بالإمكان تجنبها. وحسب نتائجها حتى الآن، يبدو أن قرار شن الحرب سيجد مكاناً محترماً في كل كتاب جديد عن مسيرة الحماقة، وهو تعبير للكاتبة بربارة توخمان عن الوضع الذي تتخذ فيه القيادات قرارات ضد مصالحها.
مسيرة الحماقة التي اتبعها فلاديمير بوتين تتميز بميزتين لم تكونا موجودتين في الأحداث التي حللتها توخمان. الأولى تتعلق بالوتيرة. تناولت توخمان الأحداث التي استمرت لسنوات كثيرة وكان يمكن أن يمر وقت طويل بين مسيرة حماقة وأخرى. حرب بوتين عمرها أقل من ستة أسابيع، ونتيجة القرارات التي اتخذت فيها أصبحت واضحة. فقبل شهر ونصف، كانت روسيا دولة عظمى، وكل دول العالم قدرت قوتها العسكرية وخافت منها. الآن تبدو دولة مجذومة وقوتها العسكرية التقليدية مثل قصبة جوفاء.
وتتعلق الميزة الثانية بنوعية أعمال الحماقة. في الأحداث التي حللتها توخمان، كانت تتضمن أحياناً إنجازات، تبددت فائدتها في النتيجة النهائية. لم يكن الأمر هكذا في مسيرة الحماقة الروسية. حتى الآن، يصعب العثور على قرار واحد كانت له فائدة أكبر من الثمن. إن قرار شن الحرب لاحتلال مناطق مع جيش لم يسمح له حجمه المحدود من البداية بتحقيق إنجازات مهمة أمام عدو حازم، كان قراراً خاطئاً. والطريقة التي سارت فيها الحرب من البداية كانت مليئة بالأخطار. وهاكم قائمة جزئية:
محاولة مفاجأة العدو الذي تلقى من حلفائه الغربيين معلومات استخبارية ممتازة عن استعداد الجيش الروسي لشن حرب، وعن مخططاته أيضاً؛ وإرسال قوات إلى أهداف رئيسية كان من الواضح أنها ستكون في مركز الخطوة الافتتاحية، وبالتالي كانت محمية بشكل جيد؛ وغزو واسع النطاق لأراض واسعة مع فصل الجهد الأساسي إلى ثلاث جبهات بحيث لم يكن بالإمكان في أي منها تحقيق تفوق على القوات المدافعة؛ وإدارة الحرب من الكرملين وليس على يد قيادة مركزية في الميدان؛ وتجاهل صعوبات الإمداد إلى درجة العمى؛ والانتقال إلى قصف المدن، والمس الجماعي بالمواطنين لم يثمر أي إنجاز على الأرض، لكنه أثار الرأي العام العالمي ضد روسيا وأدى إلى إدانة بوتين ومقربيه واعتبارهم مجرمي حرب.
على هذه الخلفية، تزداد علامات الاستفهام بشأن عملية اتخاذ القرارات في الكرملين. حتى السنة الأخيرة، كان لبوتين سجل جيد نسبياً في المجال العسكري. فتحت قيادته بنى الجيش الروسي نفسه من جديد، وخرج إلى عدة عمليات محدودة أثمرت إنجازات معقولة، وتجنب أخطاراً عديمة المسؤولية. ولكن يبدو أنه لم يكن محصناً إلى الأبد. وحكم استخدام قوة محدودة في شبه جزيرة القرم أو في سوريا ليس كحكم الحرب الشاملة. حسب مصادر أمريكية وبريطانية، فإن التفسير الرئيسي لإخفاقات روسيا هو أن بوتين لا يعرف الواقع العسكري بصورة كافية. ووزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، فسر ذلك بأن “إحدى نقاط ضعف الدول الديكتاتورية، أنه في معارك كهذه لا أشخاص يقولون الحقيقة لمن هو موجود في الحكم”.
هذه مشكلة كبيرة. وإذا كان الكرملين معنياً بالحصول على مثال لنموذج اتخاذ القرارات بشكل أفضل، يجدر به التوجه إلى إسرائيل؛ ففي تاريخنا احداث مهمة غير مسجلة، أخفى فيها العسكريون وجهاز الاستخبارات معلومات أو تقديرات عن متخذي القرارات بسبب الخوف من ردهم، والحالات التي حاول فيها المستوى السياسي الضغط عليهم لتزويده بتقديرات تخدم مصالحه نادرة. ولكن في الحالات النادرة، هذا تم صد الضغط بشكل دائم. واهتم رؤساء الجيش والاستخبارات بقول تقديراتهم الأصلية. وثمة استنتاج واحد من مسيرة الحماقة الروسية، وهو أنه يجب الحفاظ بكل القوة على نموذج العلاقات هذا، والتأكد من إبقائه مفتوحاً، وأن تبقى مدخلات المهنيين في صنع القرار حول القضايا الأمنية الرئيسية خالية من الاعتبارات السياسية.
يجدر أن نضيف إلى هذا استنتاجاً آخر، وهو أن فشل الجيش الروسي في أوكرانيا، بما يشبه انسحاب الجيش الأمريكي من العراق وأفغانستان، يعلمنا مدى صعوبة الجسر بين القوة العسكرية على الورق والقوة على الأرض. الجيش الإسرائيلي جيش ممتاز، يحظى بتقدير كبير. ومع ذلك، يجدر الحذر بقدر الإمكان من وضعه في اختبار شامل. تجربة القرن الواحد والعشرين تثبت مرة تلو الأخرى بأن النتائج قد تكون مخالفة للتوقعات.
بقلم: أوري بار يوسيف
هآرتس 5/4/2022