الرئيسة \  واحة اللقاء  \  هدنة كاشفة

هدنة كاشفة

28.02.2016
منار الرشواني


الغد الاردنية
السبت 27-2-2016
نظرياً فقط، يوحي الاتفاق على وقف إطلاق النار في سورية، والذي يُفترض أن يكون قد دخل حيز التنفيذ فجر اليوم، بتخلي روسيا عن أصل الكارثة السورية، بأسوأ تجلياتها، وهو المتمثل في اعتبار كل معارضي نظام بشار الأسد إرهابيين، أكانوا مسلحين تركزت عليهم -وليس على "داعش"- العمليات العسكرية الروسية، أم سياسيين سلميين كما تثبت أسماء بعض المعتقلين؛ مثل عبدالعزيز الخير ورجاء الناصر، وغيرهما الآلاف ممن لم تسع موسكو لإطلاق سراح واحد منهم.
طبعاً، تستطيع روسيا التحلل من هذا الإقرار في ظل الهدنة، بدعوى استهداف "جبهة النصرة"، المدرجة على قائمة الإرهاب الدولية، والمتداخلة مواقعها على الأرض السورية مع مواقع الفصائل العسكرية المعارضة. لكن مثل هذا الأمر لن يخدم موسكو أبداً في الواقع، لأنه لن يكون ليس سوى عودة إلى الطبيعة الأولى للتدخل العسكري الروسي، وبما قد يوصل أطرافاً إقليمية ودولية، ناهيك عن فصائل المعارضة، إلى اليأس النهائي من أي دور روسي إيجابي مأمول لإنهاء الحرب.
وإذا كان لا يُتوقع توقف الهجمات الجوية الروسية ضد "النصرة"، فإن احترام موسكو للهدنة ستنكشف دلائله، ابتداء، بحجم هذه الهجمات ودقتها، بخلاف ما شهدناه سابقاً من استهداف واسع ومتعمد للمدنيين على امتداد المناطق الخارجة عن سيطرة الأسد والمليشيات الطائفية التابعة لإيران. أما الأهم، ربما، ضمن هذه الدلائل، فهو ما ستُظهره (أو لا تُظهره) روسيا من حرص على دفع عملية تسوية سياسية حقيقية، توقف التقتيل والتدمير، وتعزل بالتالي الإرهابيين والمتطرفين الطائفيين على طرفي الصراع؛ فلا بد من حديث صريح أيضاً عن المليشيات الإيرانية متعددة الجنسيات التي تقاتل إلى جانب نظام الأسد غير الشرعي منذ توليه الرئاسة؛ عبر إضافة تشويه جديد لدستور مشوه أصلاً، وبحيث لا ينفع القول إنه صاحب حق في تمليك سورية لمليشيات طائفية من كل دول الأرض، تقتل كيف تشاء.
والجدية الروسية بشأن التوصل إلى تسوية سياسية حقيقية توقف نزيف سورية، ستكشف بدورها عن حدود التحالف الروسي-الإيراني هناك؛ وبالنتيجة حدود النفوذ الروسي الذي يُعوّل عليه عربياً على وجه الخصوص في إيقاف دوامة القتل السورية.
إذ بافتراض جدية الروس في إنجاح الهدنة "الحالية"، وصولاً إلى تحويلها إلى وقف دائم لإطلاق النار، كجزء من عملية التسوية السياسية؛ فإنه يبرز هنا تناقض موقف موسكو مع تصريحات وأفعال بشار الأسد، وآخرها الدعوة إلى انتخابات برلمانية في نيسان (أبريل) المقبل! ولأن الأسد لا يمكن أن يأتي بأي تصريح أو فعل خارج إرادة موسكو وطهران اللتين تبقيانه ونظامه على قيد الحياة؛ مادياً وسياسياً، فيكون تضارب تصريحات وقرارات الأسد مع مواقف موسكو –مرة أخرى بافتراض عدم وجود لعبة تقاسم أدوار- هو تضارب إيراني روسي في الواقع بشأن إنهاء الحرب في سورية أساساً، وشروط التوصل إلى ذلك.
والحقيقة أن إيران لم يبق لديها ما تكسبه من تسوية سياسية حقيقية في سورية بعد أن ارتكبت كل جريمة ممكنة لإبقاء الأسد بمسمى رئيس. فيما ما يزال لدى روسيا مكاسب ممكنة سورياً وإقليمياً من هكذا تسوية، وإلا فمزيد من الخسائر الفادحة؛ وإن كانت لن تقتصر عليها وحدها بالتأكيد.