الرئيسة \  واحة اللقاء  \  هذا ما تريده إيران!

هذا ما تريده إيران!

28.11.2013
صالح القلاب


الراي الاردنية
الاربعاء 27-11-2013
هناك إتفاقٌ وشبه إجماعٍ على أن إتفاق جنيف الأخير بشأن "النووي" الإيراني خطوة هامة في الإتجاه الصحيح وفي الوقت الصحيح لكن بشرط أن تتوفر له النوايا الحسنة والحقيقة أنَّ معظم الذين يعتبرون أنَّ هذا الذي جرى يوم السبت الماضي يعتبر أهم تحولٍ على هذا المسار الخطير يشكِّون ويُشكِّكون في نوايا القيادة الإيرانية ويرون أنها وإنْ هي ذهبت مع هذا التحول حتى النهاية فإنها ستُبقي على تدخلها الراهن في الشأن الداخلي لعدد من الدول العربية وأنها لن تتراجع عن مخططها التمددي في الشرق الأوسط كله.
وفي هذا المجال، إذا صحَّت هذه التقديرات وهي في حقيقة الأمر صحيحة كل الصحَّة، فإن الواضح أن إيران تبني سياستها الراهنة والمستقبلية على أنَّ الرئيس باراك أوباما بات جاداً، في ظل تراجع إعتماد بلاده على النفط الخليجي، في تقليص نفوذ وتواجد الولايات المتحدة في هذه المنطقة ولعل ما يؤكد هذا هو أنَّ الكونغرس الأميركي قد واجه إتفاق جنيف بغضبة غضنفرية وأنَّ الإسرائيليين واجهوه بالرفض القاطع وأعتبروه ليس إنجازاً تاريخياً بل خطأً تاريخياً "سيدفع ثمنه العالم بأسره"!!.
لقد بادر الإيرانيون إلى توقيع إتفاق جنيف، الذي إنْ هو طُبِّق فعلاً فإنه سيجردهم حتى من ثيابهم الداخلية، لإدراكهم أنَّ تراجعهم خطوة واحدة سيؤدي حتماً إلى تقدمهم أربع خطوات وأنهم في النهاية، وسواء طال الزمن أو قصر، سيتحولون إلى دولة نووية ولهذا فإن عليهم أن ينحنوا للعاصفة من أجل تعزيز مواقعهم ومن أجل ما يعتبرونه إرتداداً لأموالهم المحتجزة لدى الغرب ولدى الولايات المتحدة ليعززوا "صمود"!! شعبهم وليحولوا دون إنهيار نظام بشار الأسد الذي يعتبرونه أكبر رأس جسر لمشروعهم التمددي في هذه المنطقة التي يصرون على أنها مجالٌ حيوي لابد منه لدولة تريد إستعادة أمجاد فارس القديمة وتسعى لأن تصبح أحد الأرقام الرئيسية الكبرى في المعادلة الدولية.
والواضح أنَّ الإيرانيين لديهم قناعة راسخة بأن باراك أوباما جادٌ في تقليص الوجود والنفوذ الأميركي في هذه المنطقة وأنه إذا ضمن فعلاً إفشال محاولة أن تصبح إيران دولة نووية فإنه سيبادر إلى سحب الأساطيل الأميركية من الخليج "الفارسي"!! وأنه سيجعل أميركا تتعامل مع هذه المنطقة على أنها ثانوية وليس إستراتيجية وحقيقة أن هذا هو ما أزعج الإسرائيليين وجعلهم يعتبرون إتفاق جنيف خطأً تاريخياً وليس إنجازاً تاريخياً وهو أيضاً ما جعل بعض العرب ينظرون إلى هذا الإتفاق بالكثير من الحذر والكثير من الشك "المبرر" والريبة.
ستبادر إيران حتماً إذا نفَّذ فعلاً أوباما توجه إدارته لتقليص التواجد الأميركي العسكري والسياسي في هذه المنطقة وإذا قام فعلياً بسحب الأساطيل من الخليج العربي، الذي يتمسك آيات الله من ورثة الثورة الخمينية على أنه فارسي وسيبقى فارسي، إلى تعبئة الفراغ على الفور وهي ستُتْبِعُ هذا بكل تأكيد بالتمدد في كل هذه المنطقة العربية بالانطلاق من سوريا، التي ستبقى تتمسك بنظامها هذا وستبقى تحارب حربه، وعندها فإن العرب سيجدون أنفسهم أمام جديد شديد الصعوبة من غير الممكن التخلص منه بسهولة وبخاصة إذا تمكن الإيرانيون من إنتاج قنبلتهم النووية "الشيعية" والواضح أنهم سيتمكنون من إنتاج هذه القنبلة إذا بقيت الأمور تسير على هذا الطريق وعلى هذا المنوال.
إنَّ هذا هو ما جعل إيران توقع إتفاق جنيف بكل هذه الأريحية وجعلها تعتبره إنتصاراً تاريخياً يستحق أن يواجهه الشعب الإيراني بالأعراس والإحتفالات وهنا فإنه صحيح كل الصحة أن دافعها الأول لإبداء المزيد من المرونة هو التخلص من العقوبات الإقتصادية وبسرعة لكن دافعها الأساسي هو مراهنتها على إنسحاب أميركي قريب من هذه المنطقة وهو أيضاً على عدم ربط إتفاق الستة شهور بتدخلها السافر في سوريا وفي العراق وفي اليمن والسودان والعديد من دول الخليج العربي وعلى أنَّ تجميد برنامجها النووي سيكون مؤقتاً وأنها بالنتيجة ستحصل على القنبلة النووية التي ستمكنها من أن تصبح لاعباً دولياً رئيسياً.. إن الولي الفقيه يراهن على ضعف باراك أوباما وعلى ضعف إدارته وإرادته ولهذا فإنه أيَّد هذا الإتفاق الذي جرى توقيعه يوم السبت الماضي وهو أكثر عزماً وتصميماً على إستكمال مشروعه الذري وأكثر عزماً وتصميماً على إستكمال مشروعه التمددي في هذه المنطقة العربية.. وكل هذا إلاَّ إذا وقعت معجزة فعلية وقلبت الأمور رأساً على عقب وأستبدلت المعادلة الحالية بمعادلة أخرى جديدة!